كل ما ازدادت معارف الإنسان وتوسعت مجالاتها، كلما كانت مقدرته على استيعاب الأفكار والرؤى أكبر، وكلما كان الاستيعاب أكبر كلما سهل الشرح والتفهيم، وكلما سهل الشرح والتفهيم، كلما اتيحت للإنسان فرص التأثير وتغير قناعات الناس، وتلك هي “صناعة الحياة”، وذلك هو الذي جعل الشاعر يقول في زهو وفخر:
ومقام ضيق فرجته بلساني ومقامي وجدل
فرواد المعرفة هم الذين يقودون دفة الحياة، ويوجهون عقول الناس، ولربما حرفت رؤاهم وكلماتهم مسار التاريخ ! ويروى في ذلك قول صلاح الدين الأيوبي لجيوشه المنتصرة: “لا تظنوا إني فتحت البلاد بسيوفكم، بل بقلم القاضي الفاضل” . ويرى المفكر المسلم محمد أحمد الراشد: أن رهط أهل الفكر (من حملة الأقلام هم مثل حملة السيوف، وإنما عمادهم البراعة في اللغة، والتفنن فيها، واستعارة الفصاحة من القدماء، والتجديد فيها).
ويلاحظ الراشد كذلك، أن الاكتيال من المعارف، (يضاعف مدى البصيرة الفطرية، ويمنح للعاطفي عقلا). وهو كما قال.. فالمطالعة تشحذ القدرات العقلية، وتوسع الأفق الذهني للإنسان، وتساهم في تشكيل عقله وبناء نمط تفكيره.. وكم من شخص سَيَّرَتْهُ العواطف في كثير من المواقف، فلما صحب الكتاب منحه عقلا وحكمة، وطبع مواقفه بالعقلانية والاتزان !
والأجدر بشباب الأمة اليوم أن يحنوا ظهورهم على مدونات التراث ومختلف المعارف، يقلبوا صفحاتها؛ يقرؤون منها ويحفظون. وأن يقرؤوا التاريخ الإسلامي بكل مراحله ويستلهموا منه الدروس والعبر، وأن ينهلوا من معين لغة العرب فيحفظوا من فصيح شعرها وبليغ نثرها ، ففي اللغة عواطف ورمزيَّات وخيال تعلم الناس عشق الحرية. فلم يعد خفيا أن المعرفة هي التي تصنع الدور الحضاري للأمم، وتوجه بوصلتها، وتضبط مسارها من أن ينحرف أو يسلك سبيلا غير سبيل النهوض.. والشعوب التي عرفت سبيلها إلى التقدم و”الإقلاع الحضاري”، إنما توسلت لذلك بالمعرفة.. فهل يفقه ذلك شباب الأمة اليوم فيعيدوا للقراءة مكانتها، وللكلمة رسالتها، ويسبحوا معنا ربا هاديا ونصيرا.