الإسلام والفن إحدى قضايا الفكر الإسلامي المعاصر بحكم التقدم الإعلامي والتكنولوجي. فلم يَعُد الشعر والنثر والخطابة والكتابة السُبل الوحيدة لبيان الحق والباطل، أو لإيصال فكرة. يُعدّ حوار الدين والفن، للدكتور حسن الترابي، والإسلام والفن، للدكتور يوسف القرضاوي، والفن: الواقع والمأمول، للدكتور خالد عبد الرحمن الجريسي؛ من الكتب التي سعت إلى بيان الموقف الإسلامي من مسمى الفن ومشاهدة المسلسلات وضوابطه. “باب الحارة” من المسلسلات التي حظيت بعناية الطبقة المتوسطة والفقيرة وعوام الناس، فالطبقة البُرجوازية منشغلة بأمورها. وما الفكر الديني الذي يمكن الوقوف عليه في المسلسل؟
نماذج التدين في المسلسل
عرض باب الحارة نموذجين، يرى كل منهما أنه النموذج الأمثل للتدين، وهو الذي يمثل الدين الحق وما كان عليه النبي عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم، ودل عليه القرآن والسنة. وهما:
النموذج المتشدد: يتدين “سمعو” بضرورة إرجاع الناس إلى دين الله، وأن المجتمع قد فسد، وابتعد عن الدين. ويتدين بجواز ضرب المرأة، وعدم جواز مصاحبة المرأة المسلمة لليهودية أو النصرانية، ولا بجواز تزويج المسلم منهن، وأن أفضل ما يمكن أن يقوم به الإنسان هو المكوث في المسجد للصلاة والدرس وعبادة الله، فهو لا يؤدي أي عمل، وليست عنده مهنة، ولا يصدر منه إلا الفتن والفتاوى المنفرة علما أنه ليس مؤهلا شرعيا. لعب “سمعو” بهذه وغيرها دور المسلم المتشدد والمتنطع. واصطف معه طائفة المنبوذين في المجتمع مثل “سعيد؛ الحميماتي”، و”عبدو” الحمامي والبوائكي، والشيخ المزيّف “العميل الفرنساوي فكري”.
النموذج الوسطي: في مقابل النموذج السابق يعرض المسلسل أغلبية المجتمع بأنه وسطي في التدين. مجتمع يؤمن بالتعاون والتعاضد والتسامح، وقائم على الكرم والحشمة والشجاعة ونصرة المظلوم. وأكثرهم مواظب على الصلوات في المسجد ولهم دور فعال في المجتمع. ويرى جواز نكاح المسلم باليهودية “معتز بسارة” وبالمسيحية “أبو عصام بنادية”. ولا بأس بتزاور النساء وحسن العشرة بينهن وإن اختلفت الديانة. وظهر هذا النموذج جليا في مواقف “أبو عصام” وبيته، وشيخ الحارة وآرائه الفقهية المرنة “الشيخ عبد العليم” وغيرهم.
الإسلام والمرأة
تناول المسلسل هذا وأبرزَه من وجوه، منها:
دور المرأة في المجتمع: يمكن للمرأة المساهمة في المجتمع مثل الرجل، وقد تتنوع طبيعة هذه المساهمة:
– غنية تُوظف الرجل في مالها “شريفة”
– محامية تدافع عن أفراد المجتمع أمام المخفر الظالم القائم على الرشوة واستغلال جهل أهل الحارة بالقانون “جولي”.
– وامرأة منخرطة في السياسة والدفاع عن الشام ضد المحتل الفرنسي “دلال، شريفة، جوليا وخالدية”.
– إضافة إلى دور المرأة كربة بيت وتتعدد مواقفهم وتأثيراتهم على أزواجهم خارج البيت “أم عصام، وفريان”.
حقوق المرأة: أبرز المسلسل أن من حق المرأة الخروج من البيت للحاجة، ولها حق التعليم والتعلم، سواء داخل الشام أو بالسفر، ولها حق المتاجرة في مالها “شريفة”، أو عمل حر في بيتها “سارة”، وحق الميراث والتصرف فيه “هدى” وحق طلب الطلاق لضرر قائم “دلال”، وفي حالة ترجيح النقاب عرفا لا شرعا فهل من حق المرأة اتخاذ قرارها فيه؟ وغير ذلك.
أراد المسلسل بيان أن أكثر هذه القضايا هي اجتماعية من الدرجة الأولى قبل أن تكون شرعية أو دينية، وأن للعرف دورا كبيرا في تطويرها والحديث عنها وتبني نمط معين منها، وهي مسائل لها ارتباط بالإسلام والعرف يمكن أن تناقش بالضوابط المعروفة.
الإسلام والأديان الأخرى
أعطى المسلسل نصيبا وافرا لمسألة الإسلام والأديان الأخرى، وأساس العلاقة بينها! فهل الأصل السلم أم الحرابة، وهل الجهاد لكفرهم أم لعدوانهم؟ تبنى المسلسل وروّج لموقف أن الخلاف الديني والعقدي لا يفسد التعامل وحسن العشرة، وأن أبناء الشام يشتركون في العمل بأمهات الأخلاق والتخلي عن أمهات الرذائل. وعليه، فلا مانع من زواج أبو عصام “أحد كبارية الحارة” من مسيحية فرنسية، وزواج معتز “عكيد الحارة” من إحدى يهود الشام. والعد الحقيقي الذي يجب مواجهته هو المستعمر الفرنسي. كما أشار المسلسل إلى الدور التاريخي لنصارى الشام في الشام وبناء حضارتها “الكنيسة والآثارة المكتشفة”.
أطراف الصراع
تطرق المسلسل إلى أنواع من الخلافات والصراعات وأنه لا يشترط أن يكون الدين منشأ كل خلاف. ومن الصراعات التي دار عليها الدراما الآتي:
الفرنسي المحتل: الصراع السوري للاستعمار الفرنسي والمحتل من أهم ما تم التركيز عليه، والعدواة هنا بين أهالي الشام والمستعمر أو من انضم إلى إحدى الجبهتين بغض النظر عن التوجه.
السوري الطماع: أبرز المسلسل صراعا بين أهالي الشام بكل أطيافه وبين ابن البلد الخائن له لطمعه، وبرز هذا في موقف “زهدي وغسان، ويوسف” ومثله خيانة “الشيخ فكري العميل” لوطنه، واستعلال “أبو فاروق” للمزارعين و”لبن” ولم يك سبب هذا الخلاف دينيا.
أبو ظافر وأبو عصام: يمثلان نموذج المواطن السوري المحب لوطنه والغيور عليه، لكن طريقة التفكير أحدث صراعا بينهما وبين أولادهما وانقسم المجتمع بسببه إلى طائفتين. وهذا الصراع ليس دينيا ولا مذهبيا ولا خيانة للوطن، بل سببه الاجتهاد والفهم.
أخيرا، من الواضح أن كثيرا من هذه القضايا مما يناقش علميا في الفقه الإسلامي، وله أثر في الحديث عن التدين، ويترتب عليه ما يترتب. والسؤال الذي يعيد نفسه على هامش كل هذا هو: هل المجتمع الإسلامي يرفض الفن والتصوير والتمثيل، أم لا بد منه لإيصال فكرة والوصول إلى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، وهل الأمور السابقة مؤشرات على الحضارة الإسلامية أم فساد المجتمع، وهل هي تغريب أم إصلاح، وهل تجب محاربتها وإزالتها أم دعمها وتبنيها؟ لا شك أن السيناريو والآراء تتعدد وتستمر المناقشة!