“ماذا سيقول الناس عنا؟” عبارة ذهبت برونق الحياة، وقيَّدت قناعاتنا، وجعلتنا مُستعبَدِين للناس، عبارة تُكرِّس شخصية مزدوجة بحيث يكون داخل البيت وضعٌ، وخارج البيت وضع آخر، وكأننا نعيش للناس وننسى أنفسنا.
قد يكون هذا الخوف نابعًا من تربيتنا الخاطئة، فعندما يحذرنا أهلنا من شيء، فهناك كلمة مشهورة: (ماذا تريد أن يقول الناس عنك؟)، لم يربُّونا أن نعمل ما هو صحيح، حتى ولو رفض الناس؛ مما أدى إلى تحطُّم شخصياتنا، وضعف قدرتنا على تخطِّي المخاطر، نعم، نقبل كلام الناس بغرض النقد للتطوير، أما أن يحد من عطائنا، ويكون بمثابة القانون الذي يحكمنا ويُسيِّرنا، ويوجِّه خطواتنا، فهذا هو الخطأ بذاته.
وللأسف عندما يتغلغل هذا الخوف من كلام الناس داخل الأسرة، فبالتأكيد سيكون هناك مخاطر كثيرة على الأسرة؛ لأن مسارها سيتوجه بحسب بوصلة وأفكار المحيطين بها، فبالتأكيد هناك من يستجيب، وهناك من يرفض بواقعية، وهنا تبدأ شرارة المشكلة، خاصة إذا حكمنا على أيٍّ من أفراد الأسرة بمجرد كلام سمعناه، فإساءة الظن والحكم بعدم التثبُّت قرار خاطئ.
هناك نقطتان لا بد أن نهتم بهما؛ الأولى: يجب ألَّا نتدخل في حياة الآخرين، وحريتهم الشخصية، طالما ليس هناك مخالفة للشرع، أو العُرف، أو القانون، والثانية: ألَّا نهتم بأقوال الناس عنا، فَلَسْنَا ملكًا لأحد، ولا أحد يفرض قوانينه، وإملاءاته علينا، فالانسياق وراء الناس، ووراء كلامهم لن يزيدنا إلا همًّا، وكما يقول المثل: “رضا الناس غاية لا تدرك”، فمن الصعب على أي شخص أن يُرضي الجميع، أو أن يصل إلى توقعاتهم.
وللأسف إن الخوف من كلام الناس يحد من القيام بما هو صحيح، فكلام الناس أصبح عقدة وهاجسًا يدوران في أغلب المجتمعات، وكثيرًا ما يتحول إلى عقبات، وإلغاء لقراراتنا المصيرية؛ لنعاني بعد ذلك تبعات هذه القرارات؛ فيجب ألَّا نهتم بكلام الناس السلبي الذي لا يُقدِّم ولا يؤخِّر، وهل يعقل أن نضطر لفعل أشياء لا نرغبها من أجل إرضاء الآخرين؟ قطعًا لا، وللأسف فإن هناك من يريد أن يُمَحْوِرَ الناس على طريقته هو، حتى وإن كان مخطئًا، فبعض الناس مصابون بأمراض نفسية، وبعضهم لديه شخصية مضطربة، ويريد فرض هذه الشخصية علينا.
من الطريف الذي يتداوله الناس قصة ابنٍ وأبيه؛ ركب الأب حماره فنهره الناس قالوا له: أليس في قلبك رحمة، تترك هذا الابن الصغير يمشي بدون حذاء، وأنت تركب الحمار؟ فركب الابن، ومشى الأب، فمرَّا على أناس، فقالوا لابنه: يا لهذا العقوق، أتركب الحمار وتترك أباك؟ فركبا جميعًا فقال لهم الناس: لقد أثقلتم كاهل هذا الحمار المسكين، فلم يكن لهما إلا أن يمشيا ويتركا الحمار، لم يَدَعْهُمُ الناس، قالوا لهما: يا لهذا الغباء، يمشيان ولم يركبا، ولم يبق لهما إلا أن يحملا الحمار.
فالخلاصة: لن يسكت عنك الناس مهما عملت ومهما قبلت، فكن واثقًا، ومُمحِّصًا واتَّجِه نحو تحقيق أهدافك، ما دمتَ ترى نفسك على حقٍّ، حتى وإن خالفك الناس، ولن يتحمل تبِعات هذا القرار سوى الشخص نفسه، فيجب أن نكوِّنَ الثقة في أنفسنا، وفيما نقوم به من قرارات، ونتجه في الاتجاه الصحيح؛ لأن ما يقوله الناس عنا وفينا هو مجرد وجهة نظر، فلا نعاملها على أنها قاعدة أصيلة، ولا تكون قائدة لنا، لا بد أن يكون لنا قيمة، وألَّا ننجرف، ونتجه وراء كل كلام.