الإشكال الذي يتمحور هذا المقال حوله هو كيف يفعّل تجديد العمل الثقافي العربي والإسلامي في دول الأقليات الإسلامية ومن في حكمها وهذه الدول قد لا تعترف رسميا بالثقافة العربية والإسلامية رغم الإقدام الجماهيري الكبير على هذه الثقافة وعشقهم لها، وكيف يفعّل مع انعدام جهات رسمية تدير الأمر، وكيف يفعّل مع انعدام أصحاب الشأن المعنيين، بل كيف تطرح قضاياهم عمليا على المنصات المعنية، وأين الجهات والمنظمات العالمية من هذا؟

غرب أفريقيا أو ما يعرف سابقا بـ “السودان الغربي” مكونة من المناطق التي كان التاريخ العربي يطلق عليها: تكرور، غانة، صوصو، مالي، وصنغاي، التي ظهرت وامتد نفوذها بين القرن الثاني الهجري –على أقل تقدير- إلى القرن الحادي عشر.

يقصد بالثقافة العربية كل علم وفن وحضارة وعادة وأسلوب حياة لها نسبة إلى العربية، سواء وافقت طرائقُ الأمم والشعوب غير العربية فيها أساليب العرب ابتداء، أو أثرت طرائق العرب على الشعوب والأمم الأخرى. ومن أهم معالم الثقافة العربية اللغة العربية الفصحى، وأسلوب العرب في الحياة، وقد ينفكّان. ويقصد الكاتب بالثقافة الإسلامية كل ما ارتبط بحياة الناس مما استمدّ من الدين الإسلامي فكرا كان أو سلوكا، عقيدة كانت أم عملا، علما كان أو فنا ومهارة أو حضارة.

الاهتمام بالقضية وطرح رؤى واضحة وشفافة

لعل من مزايا الحضارة الغربية المعاصرة ظاهريا الاهتمام بالإدارة ولغة الأرقام وربطها بالخطط والاستراتيجيات وتقويم الأداء والتنفيذ، وعدم ترك الأمور للأمزجة والإحسان والتفضل والعمل الخيري إلا في نطاقه. وليت شعري كأني بقوله تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (سورة الملك-22).على ضوء ما مضى ما هي استراتيجيات نشر الثقافة العربية والإسلامية في دول غرب إفريقيا، من هم القائمون عليها وما قوانينها وطرق الإعلان عنها وما لغة الأرقام ومقياس الأداء فيها؟ 

هل وجود الثقافة العربية والإسلامية بدول غرب إفريقيا، نابعٌ عن عوامل داخلية أم خارجية، شخصية فردية أم مؤسساتية رسمية، أمر ممنهج أم لا؟ أين هم أعلام الثقافة العربية والغربية في دول غرب إفريقيا بشكله الرسمي لا الفردي أو الشخصي وأين أعلام هذه الدول في جامعات العالم العربي والإسلامي وما نظام المنح فيها وأين مدرسو الثقافة العربية والإسلامية من دو غرب إفريقيا في دول العربية والإسلامية وأين مكانتهم وقضاياهم في مقررات الثقافة الإسلامية في هذه الجامعات؟ 

الدول العربية حاضنة الثقافة العربية والإسلامية

ينظر أبناء دول غرب إفريقيا إلى الدول العربية أنها حاضنة اللغة العربية ومن يجدر بها خدمة لغتها، دون الاهتمام بتفصيل القول في عوامل وسبل ذلك، ودون معرفة الفرق بين اللهجات العربية أو عاميّاتها ودارجيّاتها. كما ينظر إليها على أنها مهد الإسلام ومن يجب السعي إلى الاهتمام بها ومتابعة أمرها، وتقريب كل من اهتم بها. وهذا الاهتمام الذي نتحدث عنه ليس فرديا أو شخصيا أو هواية. فإن اللغة الفرنسية أو الإنجليزية أو غيرها من لغات العالم لم تكن لتنمو ذاتيا وتنتشر فرديّا دونما عوامل أخرى مؤسساتية. إذا لم تهتم المنظمات الرسمية وهيآت التعلم والتعليم رسميا بخدمة ومتابعة الثقافة العربية والإسلامية رسميا مع مثيلاتها في هذه الدول فكيف تخدم الثقافة العربية والإسلامية وكيف تقوى العلاقة بين الطرفين؟

واقع الثقافة الإسلامية في غرب إفريقيا بين مطرقتين

 الدوامة والدور والتسلسل الذي قد يواجه المهتم بالثقافة العربية والإسلامية في شكله الرسمي يكمن في معضلتين اثنتين:

أولاهما: لغة التعليم في دول غرب إفريقيا هي إما الفرنسية كما في بوركنا فاسو، بنين، مالي، توغو، النيجر، وغينيا، وساحل العاج، وإما الإنجليزية كما في غامبيا، وغانا، وليبيريا، ونيجيريا وسيراليون. فلم يبق مدخل رسميا لخدمة الثقافة في المؤسسات التعليمية الرسمية لهذه الدول، اللهم إلا على نطاق ضيق جدا، ويكاد يكون معدوما مؤسساتيا ورسميا.

ثانيهما: النظام المدني هو السائد في الحكم في هذه الدول كما في أغلب دول العالم، مما يعني أنه رسميّا من التحدي بمكان مخاطبة مواطني هذه الدول الجهات الرسمية فيها لخدمة الثقافة الإسلامية، إذ يقال بأن الدولة علمانية لا تساند دينا على حساب آخر.

ويبقى تحدي خدمة الثقافة العربية والإسلامية بهذا بين مطرقتى لغة التعليم الغربي أو الحكم المدني.

الحاضنة العلمية ومؤسساتها الرسمية

العمل الفردي في خدمة الثقافة العربية أو الإسلامية بمثابة عمل إنساني خيري صعب ضبطه واستمرار استدامته، أو بمثابة تجارة أو مؤسسة خاصة لإدارة التجارة الدينية إن صحّ هذا الإطلاق. إذ الأصل مصلحة خاصة لا المجتمع، والنفوذ شخصي لا جماعي.

ولعل بداية الحل هو إيجاد مؤسسات رسمية معنية، والاهتمام بقضايا أصحاب الشأن في الدول العربية وفي دول غرب إفريقيا، ووجود أعضاء ومتابعين من أصحاب الشأن في الباب، دون إغفال أهمية الحاضنة العلمية لحاملي الثقافة العربية والإسلامية، ويقصد بها وجود جهة ذات سلطة ونفوذ عملها السعي إلى رسم لوائح تعليم الثقافة العربية والإسلامية وترشيد الطلبة نحو التخصصات والمناهج العلمية، ونشر الوعي في المجتمع بين الآباء خاصة بفوائد التعلّم والعلم، والتعاون معهم لاختيار أفضل مدارس ومنهج تعليم لأبنائهم. وربط النظام التعليمي القائم على الثقافة العربية والإسلامية بالوظائف ذات الصلة وبسوق العمل: المؤسسات الحكومية، والمؤسسات الخاصة، أو المشاريع الشخصية المنصبة في التعليم الديني؛ وتكون هذه الحاضنة العلمية الجهة المستقبلة للخريجين الدوليين من أصحاب الشهادات الجامعية أو العليا في المجال.