تكفل الله سبحانه حفظ النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه وعن عرضه وحمايته من أذى الناس وشرورهم ومكائدهم وسباتهم، المادية منها والمعنوية حتى نبه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن هذه الخاصية العجيبة، وهي دفاع الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (‌ألا ‌تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما ويلعنون مذمما، وأنا محمد)[1].

وقـد تـولى الله تعـالى الـدفاع عـن نبيـه الكريم صـلى الله عليـه وسـلم وأعلـن ذلـك في أكثـر مـن موضـع في القرآن الكريم، ومن أصرحها قوله سبحانه تعالى:

  1. قوله سبحانه تعالى {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] أي أنـه سـبحانه وتعـالى هـو وحـده الكـافي في الـدفاع عـن عبـده صـلى الله عليـه وسـلم الـسوء والفرية والتشويه، وأنـه ينـصره ويكفيـه أمـر مـن يعاديـه مـن أن ينـالوه بـشيء، وهـذه الكفايـة والنصرة ليـست مختـصة بحياتـه صـلى الله عليـه وسـلم فحـسب، وإنمـا هـي مـستمرة حـتى يــرث الله عــز وجــل الأرض ومــا عليهــا، كمــا قــال تعــالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة:137]  وكقوله سبحانه تعالى: {إنا كفيناك المستهزئين} [الحجر:95] الذين كانوا يستهزؤون به صلى الله عليه وسلم أو بسنته أو بأهله فالله يكفيه أمرهم، وقد قال الله تعالى- في الحديث الإلهي-: “من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة”[2] وفي رواية: ” إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب “[3] والنبي عليه الصلاة والسلام هو إمام الأولياء ونبي الأولياء وحبيبهم وقدوتهم، ولا ريب أن معادته أشد وأعظم.
  2. قوله سبحانه تعالى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67] أعلن الله تعالى في هذه الآية كفالته بنصرته صلى الله عليه وسلم – سواء في حياته أو بعد وفاته- ونادى بعصمته له من الناس حتى يظهر دينه على جميع الأديان كلها، وكان وعد الله مفعولا.
  3. قوله سبحانه تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة جزاء من طعن في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ونال منه أو أبغضه أو أبغض شيء مما يتصل به.

يقول شيخ الإسلام في تفسير الآية:” فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره” [4]

وهذا الوعيد من الله تعالى لا بد من وقوعه لكل من استهزأ بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38]  والنبي صلى الله عليه وسلم إمام المؤمنين، لذا نجد كل فرية قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم – تارة بالسحر وتارة بالجنون وهلم جر – جعلها الله هباء منثورا ولا معنى لها في الواقع، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك كلها إذ يقول:” ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد” [5]

وجاء متواترا في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وفي القصص المتعددة من أخبار الأمم الغابرة مع أنبيائهم ورسلهم؛ أنه ضربت عليهم الذلة، والمسكنة، وباءوا بغضب من الله تعالى بسبب إيذائهم للأنبياء، ولم يكن لهم نصيرا حين وقوع العذاب والعقاب فأصبحوا أهل الخزي، وكان بذلك سنة وعادة ووعدا بالتنكيل بكل من أذى نبيا من أنبياء الله تعالى إلى يوم الدين، والله يقول: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [ الإسراء: 8]

يقول شيخ الإسلام: ولعلك لا تجد أحدا آذى نبيا من الأنبياء ثم لم يتب إلا ولابد أن تصيبه قارعة”[6].

وقال في موضع آخر: وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وكلاهما لم يسلم، لكن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكرم رسوله فثبت ملكه، فيقال: إن الملك باق في ذريته إلى اليوم، وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله الله بعد قليل ومزق ملكه كل ممزق ولم يبق للأكاسرة ملك”[7].

وهذه القصة جديرة بالتأمل وحقيقة الاعتبار وكيف سنة الله تعالى في هؤلاء القوم عبر التاريخ، وذكر السهيلي – كما نقل الحافظ عنه في الفتح – ” أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب – يعني كتاب رسول الله الكريم عليه الصلاة والسلام – في قصبة من ذهب تعظيما له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة ثم كان عند سبطه، فحدثني بعض أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب فلما رآه استعبر وسأل أن يمكنه من تقبيله فامتنع…

وعن.. سيف الدين فليح المنصوري قال: أرسلني الملك المنصور قلاوون إلى ملك الغرب بهدية، فأرسلني ملك الغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبلها وعرض علي الإقامة عنده فامتنعت، فقال لي: لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج لي صندوقا مصفحا بذهب فأخرج منه مقلمة ذهب فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد التصقت عليه خرقة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا[8]

وعن جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي: أن بعض أمراء المغل تنصر، فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغل، فجعل واحد منهم ينتقص النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك كلب صيد مربوط، فلما أكثر من ذلك، وثب عليه الكلب، فخمشه فخلصوه منه. وقال بعض من حضر: هذا بكلامك فى محمد صلى الله عليه وسلم.

فقال: كلا بل هذا الكلب عزيز النفس، رآني أشير بيدى فظن أني أريد أن أضربه!

ثم عاد إلى ما كان فيه فأطال، فوثب الكلب مرة أخرى فقبض على زردمته فقلعها، فمات من حينه، فأسلم بسبب ذلك نحو أربعين الفا من المغل.[9]

فكم كان لمثل هذا الحدث من أثر في امتداد الإسلام في المشارق والمغارب حتى بلغ مبلغ الليل والنهار.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه ” الصارم المسلول على شاتم الرسول” ما جربه المسلمون في وقائع متعددة من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبهذا يتجلى مدى نصرة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته. {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ} [التوبة: 40] وكفى بعبده صلى الله عليه وسلم دافعا ونصيرا.


[1]  صحيح البخاري (3340) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2]  رواه الطبراني في الأوسط (609) من حديث الأفراد

[3]  رواه البخاري (6502)

[4]  الصارم المسلول على شاتم الرسول ص: 164

[5]  رواه البخاري (3533)

[6]  الصارم المسلول على شاتم الرسول، ص:173

[7]  المصدر السايق، ص: 172

[8]  فتح الباري 1/44

[9]  الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ ابن حجر 4/ 152