التنافس على استضافة كأس العالم محتدم منذ نسختها الأولى سنة 1930 بالأوروغواي، وكتب القدر بعد 92 عاماً على انطلاقها أن تكون دولة قطر أول دولة عربية وأول دولة في الشرق الأوسط تغير مسار تاريخ تنظيم واستضافة المونديال بعد منافسة قوية بينها وبين كل من أستراليا​ و​اليابان​ و​كوريا الجنوبية​ و​الولايات المتحدة الأميركية، (وبعد انسحاب المكسيك وعدم قبول ترشح إندونيسيا)، ليضفي ذلك عالمية جديدة على تاريخ تنظيم البطولة بعد استضافة قارة آسيا لها لأول مرة سنة 2002 في اليابان وكوريا الجنوبية، وبعد حدث استضافة جنوب إفريقيا لها كأول دولة إفريقية سنة 2010 بالقارة السمراء.

يدرك كل مطلع أن تنظيم دولة قطر للمونديال معلم مميز في تاريخ البطولة من جملة وجوه، لا يمكن حصرها في مقال، لكن أهم ما تتفرد به هذه النسخة عن غيرها أنها تميزت تاريخيا وجغرافيا وحضاريا وثقافيا وبخاصة لو استحضرنا تلك المحاولات المتعددة من دول عربية ومن دول الشرق الأوسط لاستضافة المونديال ولم يكتب لها النجاح.

قالت سعادة السيدة مريم المسند وزير التنمية الاجتماعية والأسرة في حوار مع وكالة الأنباء القطرية “قنا” إن هذا الحدث الكروي العالمي “فرصة لطالما انتظرناها عربا ومسلمين لنعكس للعالم أجمع الوجه الحقيقي لنا، بعيدا عن التشويه والصور النمطية”.

 السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما سمات الثقافة المحلية العربية والإسلامية التي سعت جهات التنظيم إلى إبرازها لضيوف قطر مع احتضان أول حدث كروي عالمي بالمنطقة ؟

أولا: مواصفات “العالمية” وقبول التنوع الثقافي

الحياة نسيج جميل متعددة الثقافات والحضارات الإنسانية، وكلنا يعلم أن أي حدث عالمي سيعكس بالضرورة صورا من هذه الثقافات والحضارات الإنسانية المتنوعة، لذلك يجب بداية تحية وتقدير العقلية العميقة التي ارتضت هذه الحقيقة، ثم فكرت في تسليط الضوء على السمات الثقافية وإبرازها للضيوف حتى يقفوا عليها ويتعرفوا على التاريخ والتراث والتقاليد المحلية.

ونجد في التقاء الثقافة العالمية بالثقافة المحلية أبهى صور التنوع الثقافي والوئام والتعايش وتجسيد هذه المعاني واقعا لا كلاما، بالانفتاح على العالم دون ذوبان كما يعبر عنها الدكتور إبراهيم الأنصاري عميد كلية الشريعة بجامعة قطر بقوله “القيم المحلية تستعصي على الزوال لأنها راسخة ومتأصلة في المجتمع.. والذي يغادرها يغادرها مختارا وسيحاسب على اختياره” .

يضاف إلى هذا أنه لم تكن دولة قطر لتحظى باستضافة كأس العالم لولا إثبتاتها للعالمية وتحقيقها لمعاييرها. وتتمثل مظاهر عالمية دولة قطر في:

  • المجال الفكري الثقافي “intellectuality”
  • وفي الإطاري الإداري المتصف بالمواكبة والجدية “management”
  • وفي جانب البنية التحتية العمرانية “infrastructure”.

 فقد ارتقى الفِكر والرؤية، فتولدت الإرادة الطموحة في التربع على عرش العالمية في كافة المجالات ومنها الرياضة، وأيدت ذلك قوة الإدارة الجادة والصادقة والمؤمنة برؤيتها وأهدافها التي وفرت معايير المتطلبات التي تجعل قطر في طليعة المنافسين على تنظيم البطولة، وصدقت البنى التحتية الظاهرة للعيان وضوح الشمس كل ذلك لتطلق بذلك الجهات المنظمة بكل اعتزاز وبجانبها الشعب القطري الفخور وكل مقيم على أرضها .

ثانيا: مظاهر الثقافة المحلية العربية والإسلامية في الملاعب

مجملا يقال إن جميع ملاعبها تحمل اسما عربيا وتعكس هذه الملاعب الثقافة المحلية والحضارة العربية والإسلامية. وتفصيلا إليك الآتي:  

  • أولا: استاد البيت ” Al Bayt Stadium”: ومنه تنطلق المباراة الافتتاحية. بني على شكل خيمة هائلة لتغطي الملعب بأكمله، وأخذ اسمه من بيت الشعر، وهو الخيمة التي سكنها أهل البادية في قطر ومنطقة الخليج على مر التاريخ.
  • ثانيا: استاد أحمد بن علي ” Ahmad Bin Ali Stadium”، ويعكس البيئة القطرية، ويظهر الشكل الخارجي تموّجات الكثبان الرملية واستحضار جمال الصحراء والنباتات والحيوانات المحلية.
  • ثالثا: استاد الجنوب ” Al Janoub Stadium”، ويقع في مدينة الوكرة وصمم الملعب من أشرعة المراكب التقليدية القطرية احتفاء بتاريخ مدينة الوكرة العريق كمركز للصيد والبحث عن اللآلئ قديما.
  • رابعا: استاد خليفة الدولي ” Khalifa Int Stadium “، وهو متصل بمتحف قطر الأولمبي والرياضي ، لإظهار تعلق المكان بالماضي والتاريخ والاعتزاز به خلال رحلته نحو بناء مستقبل مشرق .
  • خامسا: استاد الثمامة ” Al Thumama Stadium”، ويتجلى فيه فنون العمارة العربية وصمم الملعب على شكل قحفية تقليدية وهي الطاقية التي تُلبس تحت الغترة والعقال في الدول العربية، ويدل على الثقافة العربية المشتركة، ويؤكد العمق الحضاري والإرث التاريخي والثقافي.
  • سادسا: استاد المدينة التعليمية: ” Education City Stadium” وهو نموذج يمزج بين فنون العمارة الإسلامية التقليدية ويواكب الطابع العصري.
  • سابعا: استاد لوسيل: ” Lusail Stadium” يذكر المعلب بالفنار أو الفانوس العربي التقليدي، ويستحضر الناظر أيضا أوعية الطعام، والأواني، وغيرها من القطع الفنية المستخدمة قديما في المنطقة.
  • ثامنا:استاد ٩٧٤ ” Stadium 974″ يذكر المكان بالإرث البحري والتجاري العريق لدولة قطر، ولا يشير الرقم ٩٧٤ فقط إلى رمز الاتصال الدولي الخاص بقطر، بل يرمز أيضاً إلى عدد حاويات الشحن البحري التي استُخدمت في بناء الاستاد..

وهكذا فإن جوهر الحدث تمحور حول استحضار ملامح من الثقافة العربية والإسلامية المحلية وإبراز حضارتها.

ثالثا: مظاهر الثقافة المحلية العربية والإسلامية في رموز وشعارات البطولة

تبرز الرموز المختارة للبطولة “عالم كأس العالم” الثقافة المحلية: إذ يعكس:

– شعار كأس العالم المعروف والذي نشاهده والمكون من لوني علم قطر الأبيض والعنابي، ويذكّر ناظره بجملة أمور من الثقافة المحلية مثل الشال الصوفيّ التقليدي مستحضرا تموّجات الكثبان الرملية والزخارف الزهرية وفيه انعكاس للفن العربي التقليدي والخط العربي.

وهذه الفلسفة نادرة ومتميزة في انعكاسها الثقافة المحلية مقارنة بتاريخ شعارات البطولة السابقة.

– تعويذة كأس العالم الإبداعية : ترمز إلى الغترة والعقال التقليديين في منطقة الخليج. ولا شكّ أن هذا جزء من مظاهر الثقافة العربية الجليّة بكأس العالم ” قطر 2022 “.

– الملصق الرسمي: ومن رموز البطولة وعالم كأس العالم الملصق الرسمي المرحب بالضيوف، يظهر فيه العقال الذي يدل على الثقافة المحلية مصحوبا بكلمة (هيّا). يذكر هنا أن المعاجم العربية ذكرت من معاني (هيّا) الآتي: ” هيّا: أداة نداء، ينادي بها البعيد مسافة أو حكماً. والغرض منها تنبيه المدعو ليسمع حديثك. هيّا:اسمُ فعلِ أمرٍ بمعنى أسرعْ” ولعل الترجمة الإنجليزية الأقرب لها هي: ” Come on”.

رابعا: مشاهدة الثقافة المحلية العربية عن قرب وبعين الواقع

بعض هذه المظاهر إبداعات مقصودة لربط الحدث بالثقافة المحلية كما مرّ، وبعضها هي ثقافة محلية موجودة ستكون الاستضافة فرصة الضيوف لمعاينتها ومعايشتها.

قديما قيل “ليس الخبر كالعيان” فمن رأى وشاهد بأم عينه ليس كمن سمع “ثم لترونها عين اليقين”، استضافة قطر للبطولة تفتح فرصة أمام ضيوف قطر لمشاهدة ما لا يرى في دولهم من ثقافات عربية. حيث سيرى الزائر جملة ما يعكس الثقافة العربية بمجرد الزيارة عامة وزيارة الأماكن التراثية والقديمة خاصة، وهي كثيرة. وسيقف الزائر على اللباس العربي على الرجال والنساء والأطفال لا على الشاشات هذه المرة بل رؤي العين.

وسيشاهد ضيوف قطر المساجد ومنابعها الرفرافة، ويسمعون الآذان وهي تصدع في سماء الدولة ليل نهار، وهي فرصة زيارة مراكز ثقافية تعرّف بالإسلام لمن أراد، وهي كثيرة. وقد سعت الجهات المنظمة إلى تثقيف الزوار بالثقافة المحلية ووضعت إرشادات لذلك، منها: ” يمكن للناس عموماً ارتداء ما يروق لهم من الملابس. لكن عليهم تغطية أكتافهم وركبهم عند زيارة الأماكن العامة” ومنها: ” في حين يرتدي الزوار والمقيمون الأجانب أنماطاً متنوّعة من الملابس والأزياء، يرتدي المواطنون القطريون عادةً اللباس التقليدي. ويمكن للزوّار ارتداءه إذا رغبوا في ذلك”.

وقد فطن الناس إلى اعتزاز الدولة المستضيفة بثقافتها وأنها متمسكة بها في ظل اعترافها بالعالمية والتعددية.

وهكذا ساهمت دولة قطر لإظهار الثقافة المحلية العربية والإسلامية بكل وضوح وإبراز وجوه من الحضارة العربية الإسلامية للعالم أجمع كما اتضح أعلاه. وهذا المقال اعتمد على المصادر الأولى والرسمية في هذا الصدد، منها “موقع حكومي” ومنها “موقع قطر 2022” ووسائل الإعلام المحلية. على أن ثمة مظاهر أخرى غير ما ذكر تعبر عن الثقافة المحلية، و ستقام العديد من الفعاليات والأنشطة والفنون المعاصرة التي ستعبر عن الثقافة المحلية وثقافة المشاركين، فهو تنوع وتعايش في ظل الاعتزاز بالإسلام والثقافة المحلية.