فيما يتعلق بالسنة النبوية بيَّنت –المجلة- أنواع السنة: التشريعية وغير التشريعية واهتمت بالدرس المعرفي لتصرفات النبي – – وصنفتها في ضوء ما هو سنة لازمة الإتباع أو ما عرف بـ”السنة التشريعية” وما هو غير ذلك أي “سنة غير تشريعية”, وصنفت أفعاله – – إلى ما يلي:

1- التصرفات الجبلية.

2- التصرفات التي ثبت بالدليل الصحيح أنها من خصوصياته .

3- التصرفات التي صدرت عنه بوصف كونه  قائد .

4- التصرفات التي صدرت عنه بوصف كونه قاضيًا بين الناس.

5- التصرفات التي صدرت عنه بوصف كونه نبيًا يبلغ الوحي عن الله.

وتؤكد – أيضًا – عبر سرد عدد من الدلائل أهمها قوله – – “إنما أنا بشر فإذا أمرتكم بأمر دينكم فاقبلوه, وإذا أمرتكم بشئ من دنياكم فإنما أنا بشر”. وبيَّنت – المجلة- أن “أفعال النبي – الدنيوية ليست تشريعًا”.

مما لا شك فيه أن البحث في تصنيف السنة إلى سنة تشريعية وغير تشريعية من شأنه أن يزيل اللبس لدى العقل المسلم بين تصرفات الرسول بالنبوة والرسالة التي تهدي إلى أوامر الوحي ونواهيه، وبين ما فعله بالإمامة أو بحكم العادة والجبلة البشرية، وبين ما كان خاصًا به – - وليس لأحد من المسلمين وهو ما يفتح الباب لاجتهاد المجتهدين في ميادين الفكر والحياة والعمل الذي يعد المناط فيه الإباحة، وممارسة الخبرة لأهل الذكر في الفنون والعلوم.

كما طرحت المجلة معالم لمنهج فهم السنة والتعامل معها من أجل الاستعانة بها في تحقيق نهضة معرفية حضارية، وتوظيفها في عملية “النهوض الحضاري” و”بناء النموذج الحضاري” للأمة الإسلامية. وتتمثل معالم هذا المنهج فيما يلي:[1]

1- العمل العقلي والاجتهادي من أجل فهم نصوص السنة وتحديد معناها…بكل ما ينطوي عليه التفسير من “اجتهاد”.

2- معرفة المناسبات التي قيلت فيها السنة، والإطار الذي دارت فيه، وذلك لتحديد نطاق عملها وتطبيقها.

3- الوعي بأن النصوص [السنة] ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسائل لتحقيق مقاصد، وأن معرفة هذه المقاصد العامة هي الخطوة البنائية الأولى في كل منهج للإصلاح.

4- أن تكون لدى الباحث رؤية محددة للوظائف الاجتماعية والثقافية التي يراد للسنة أن تكون طريقًا وأداة لتزكيتها وتثبيتها، وهذه مهمة إصلاحية ترتبط بالواقع الاجتماعي للمسلمين وتقييم ذلك الواقع وتحقيق صورة التغيير الذي يراد تحققه…وهذه المهمة الإصلاحية تمر بمراحل ثلاث,الأولى: تحديد المقاصد العامة والغايات الكبرى للحياة والمجتمعات الإنسانية في ظل الإسلام وهو تحديد تؤدي فيه النصوص القرآنية والنبوية الدور الأساسي, والثانية: تحديد الحاجات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القائمة في المجتمع الإسلامي في زمان ومكان معين, والثالثة: الاستعانة بمضامين النصوص القرآنية والنبوية في تحقيق “التغير الاجتماعي” المتجه إلى النهضة والتقدم.

5- النظرة الوظيفية للإسلام, وذلك باستخدام السنة النبوية والقيم التي اشتملت عليها في تحقيق تغيرات أساسية في النظام الاجتماعي والسياسي عن طريق توجيه تلك القيم للقرارات السياسية والاجتماعية، ولتحقيق ذلك لابد أن يتم النظر للإسلام في إطار “رؤية وظيفية ومجتمعية” أي باعتباره مجموعة مبادئ معيارية تهدف إلى تحقيق ورعاية عدد من المصالح الأساسية للناس. بالإضافة إلى الاعتبارات الدينية والتي تجعل من “الالتزام الديني” “فضيلة أخلاقية” و”عبادة دينية” بالمعنى الخاص للعبادة في الإسلام.

تجديد التعامل مع التراث

 التراث هو المصدر الثالث للاجتهاد المعرفي, كما تناولته المضامين الفكرية لمجلة المسلم المعاصر, وفي هذا المصدر حددت المجلة المقصود بالتراث, وكيفية التعامل معه, والاستفادة منه في تحقيق مآلات “الاجتهاد المعرفي” ومقاصده.

والتراث –كما حددته المجلة- هو: مجموع الإنتاج الفكري والأدبي والمادي الذي أنتجه المسلمون في تفاعلهم مع أصول الإسلام. وهو أيضًا “ما أنشأه الأسلاف بعقولهم.

وتستبعد المجلة فكرة أن يكون “الوحي” أو “أصول الإسلام” من بين التراث الذي نتعرض له بالدرس والنقد”إن تراث أمتنا ليس الإسلام، أو أن الإسلام ليس تراث أمتنا بالشكل الرياضي الصارم كتطابق مثلثين تناظرت زواياهما… إنما يجئ التراث نتاج تفاعل، بالسلب أو الإيجاب، مع الإسلام بالدرجة الأولى، ومع عدد آخر من المبادئ والأديان والمذاهب بالدرجة الثانية، فهو إذن – أي التراث – حشد من المعطيات تتمخض عن طبيعة التجربة التي أحدثتها مواقف آبائنا وأجدادنا من الإسلام…معطيات شتى فيها الخطأ والصواب والأبيض والأسود، والمنعرج والمستقيم، والظالم والعادل…وهو ما يوضح الفارق بين الإسلام كفكرة وعقيدة ومنهاج وممارسات أخلاقية وشعائرية، وبين تراث أمة أثر فيها هذا الإسلام في سلوكها وعطائها بدرجة أو بأخرى تأثيرًا متغايرًا كما ونوعًا”.[2]

كما أشارت المجلة أيضًا إلى عدد من منطلقات البحث في التراث وهي:[3]

1- التمييز بين ما هو أصيل نابع من روح الإسلام ومنبثق عن توجيهاته وتعاليمه وما هو دخيل فيه ولا يعبر عن مضمونه.

2- النظرة النقدية: نظرتنا إلى التراث لن تكون نظرة إعجاب وتقديس لكل ما يتصل بتاريخنا الثقافي، بل نظرة نقدية واعية ومتفحصة لمضامينه، إذ ليس كل ثقافة نمت وارتبطت بالمسيرة الحضارية الإسلامية وتاريخها الثقافي تعتبر بالضرورة ثقافة إسلامية محسوبة على الإسلام بكل ما يمكن أن تحمله من مضامين مناقضة ومتعارضة مع روح الإسلام ومذهبيته.

3- الانطلاق من القيم الجمالية والأدبية والخلقية التي يقررها الإسلام واستحضار مجموع السمات الإيمانية والدينية التي يحددها، ولا يمكن أن نفهم هذا التراث فهمًا سليمًا واعيًا ونميز محاسنه من مساوئه وخطأه من صوابه وقوته من ضعفه.. إلا إذا احتكمنا إلى الأصول التي انطلق منها، وهي الكتاب والسنة.

وضعت المجلة أيضًا عددًا من المعايير النقدية للتراث وهي:

1- معيار صلاحيته للعصر: النقد الذي يوجه إلى تقديس التراث، لن ينصب على علاقة التراث بمشكلات عصره العقلية والخلقية، إنما ينصب على مدى صلاحيته لموقفنا اليوم الذي قد تغير كثيرًا… ويتجلى هذا الاختلاف سواء في المجالات العلمية أو الاجتماعية والاقتصادية أو في نظم الحكم والعلاقات الدولية. وعلى ذلك فالدعوة إلى النقد والتجاوز والتجديد لا يمكن أن تعني الحط من قدر التراث بل هي دليل على التقدير الواجب للواقع وما يمليه من اعتبارات…وهو نفس التقدير الذي أعطاه السلف لواقعهم.

2- تأسيس منهج نقدي يتسم بالعدل: منهج عدل يتعامل مع معطيات الأجداد بروح علمية مخلصة فيتقبل ما يمكن تقبله ويرفض ما لا يحتمل القبول، ويقدر عطاء الأجداد حق قدره دون أن يثنيه ذلك عن متابعة آخر المعطيات المنهجية التي يطلع علينا بها العصر…موقف وسطى يرفض الاستسلام للرواية القديمة ويأبي إلغاءها المجاني من الحساب.

3- رؤية موضوعية (تحري الموضوعية): أي استحضار (البيئة) التي تخلقت وقائع التاريخ الإسلامي فيها، وتعتمد في الوقت نفسه معطيات العلوم المساعدة كافة: إنسانية وصرفة وتطبيقية من أجل كشف إضاءة لهذه البيئة وفهم أعمق لوقائعها وأحداثها.

خصصت المجلة –أيضًا- باب “التعريف بالتراث”, واهتم هذا الباب بالتعريف بالكتابات التراثية وتقريبها إلى ذهن القارئ والباحث العلمي، وتقديم إضاءات حول الكتابات التراثية التي كان لها تأثير في حركة الفكر الإسلامي، والإسهام الحضاري.

ومن مجالات التراث التي عرضت لها المجلة وتناولت أبعادها المعرفية ما يلي:

– مجال التراث السياسي.

– مجال التراث العلمي.

– مجال التراث الاقتصادي.

– مجال التراث الاجتماعي.

– مجال التراث الفقهي.

– مجال التراث الفلسفي.

– مجال التراث الإداري.

– مجال التراث التربوي.

– مجال التراث الأدبي واللغوي.

فقه الواقع

 يُعد “الواقع” أحد المصادر الأساسية للتفكير الإسلامي، فالإسلام مشروع هداية وتوحيد وتزكية وعمران، وهذا لا يتم إلا في الواقع المحدد بزمان ومكان معينين، فلا تتم رسالة الإسلام في فراغ أو في العدم، وبما أن الواقع يتغير بتغير عنصريه “الزمان” و”المكان”، فقد أوجب الإسلام “الاجتهاد” ومراعاة “التغير” لهذا “الواقع”. والواقع يشمل من حيث الزمن ثلاثة أبعاد هي “الماضي” و”الحاضر” و”المستقبل”. ولهذا حددت المجلة قضيتها الأساسية في “المعاصرة” والتي تضم في جوانبها هذه الأبعاد الثلاثة, و”المعاصرة” التي حددتها -المجلة- في صدر صفحاتها لتكون تعريفًا لهويتها وعنوانًا لمضمونها المعرفي هي المرتكز الأساسي والمحوري الذي يدور عليه “الاجتهاد المعرفي” في الإنتاج الفكري للمجلة ومشاريعها العلمية والتي حددتها بثلاثة مسارات معرفية أساسية هي: “الاجتهاد، والتنظير, وإسلامية المعرفة”.[4]

وقد اهتمت –المجلة- بالإجابة على سؤال مهم في هذا المجال وهو “كيف نتعامل مع الواقع؟” ودارت البحوث والدراسات حول جانبين للإجابة على هذا التساؤل: الأول الجانب التنظيري بطرح القواعد المنهجية لهذا التعامل والمستمدة من الأصول الشرعية والفكرية الإسلامية، الثاني: الجانب الميداني والذي اهتم بالبحث التطبيقي لطرح الأفكار الاجتهادية في قضايا وإشكالات واقعية، لم يجب عنها من قبل الفكر الإسلامي في مراحله الزمنية السابقة.

لذا فقد حددت المجلة نطاق عملها في البحث عن “كيفية أن يعيش المسلمون الإسلام في واقع حياتهم لا أن ينتظروا لذلك قيام المدينة الفاضلة…ولذلك لا تنغلق المجلة في مباحث “أكاديمية” نظرية بعيدة عن واقع الحياة والناس والمجتمعات…ذلك أن المجلة تنطلق من مبدأ “الواقعية” بمعني أنها تحاول معالجة المشاكل التي يحياها الناس اليوم…ومعالجة الواقع العملي على ضوء هذه المبادئ والنظريات”.[5]

أما اهتمام المجلة بفقه الواقع فجاء على النحو التالي:

– تعريف الواقع ومستوياته وطرائق التعرف عليه.

– تحديد مهمة “الاجتهاد المعرفي” في التعامل مع الواقع.

– تأصيل مشروعية “الواقع” كأحد مصادر “الاجتهاد المعرفي”.

– العلاقة بين مطلب “التجديد” والوعي بـ”فقه الواقع”.

الدراسات المستقبلية التي تتناول واقع المسلمين وإمكاناته وقضاياه الأساسية، واعتبار المستقبل جزءًا أساسيًا من هذا الواقع.

– تقويم الماضي البعيد والقريب من أجل الإدراك الشامل للحاضر المعاصر.

– تقويم العلاقة بين الفقه والواقع وتطويرها.

– إضافة “فقه الواقع” للعلوم الإسلامية كي تشكل استجابة ملائمة للعلاقة بين الإسلام وحاجات المجتمع الإسلامي المعاصرة.

– تأسيس علوم المستقبل أو “المستقبليات الإسلامية”.

– الدعوة إلى فقه الحياة الذي يجعل الواقع مرتكزًا ومحورًا وموضوعًا.

– الوعي بالسنن الاجتماعية والكونية كأحد أهم الطرق للتعرف على “الواقع”.

– طرح بعض التطبيقات العملية في مجالات الاقتصاد والاجتماع عند استجابة التفكير الاجتهادي لمشكلات الواقع.


([1]) أحمد كمال أبو المجد: “الاستعانة بالسنة النبوية لتحقيق نهضة حضارية”، ص23 – 44 (باختصار).

([2]) عماد الدين خليل: “موقف إزاء التراث”،  ص46.

([3]) محمد أمزيان: مرجع سابق, ص132 – 133.

[4] انظر: قواعد النشر بالمجلة.

[5] جمال الدين عطية: “هذه المجلة”، مرجع سابق، ص8.