إن الله تعالى الذي افترض علينا الإيمان باليوم الآخر صور لنا للدنيا نهايتين نهاية فردية خاصة بأي ميت، ونهاية جماعية عامة على كل الأحياء هي نهاية الدنيا، وكل من هاتين النهايتين بداية لأمر آخر، فالحياة البرزخية تبدأ لكل إنسان من لحظة موته، وتبدأ للكون ومن فيه من لحظة فنائه، والظاهر أن الناس متحدون فيها، يستوي الأولون والآخرون في الشعور بطولها أو قصرها، قال تعالى: { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[1]، وقال: { يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[2].

فالإيمان بالقبر ونعيمه أو عذابه؛ فرع عن الإيمان بالإيمان الآخر، وهو واجب على كل مسلم، إذ القبر هو أول محطات الآخرة، وقد عرض القرآن والسنة بعض صور القبر وما معه من نعيم أو عذاب.

وسنعرض للآيات والأحاديث الواردة في الموضوع، المكونة للتصور عنه أولا، ثم نتبعها بأقوال الصحابة والتابعين فيه، ثم نبين المحطات حسب ما جاء بها القرآن والسنة، مع الإشارة للربط بين الآيات والأحاديث في المجال.

أولا: الآيات

  1. {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ[3] وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ}[4]
  2. {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ[5] يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}[6]. أثبتت هذه الآيات حياة برزخية خاصة بالشهداء، والذي يميز الشهداء فيها[7] عن غيرهم من المنعمين والمكرمين أنهم {يرزقون} بينما لا يطعم الكافر ولا المؤمن في القبر ما لم يكن شهيدا. وهذا واضح من ظاهر قوله تعالى: {يرزقون} ويشهد لهذا قول النبي : «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا»[8]
  3. {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ[9] ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}.
  4. {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[10].
  5. {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}.
  6. {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.
  7. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
  8. {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ[11] (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}.
  9. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ[12] أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}.
  10. {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}.
  11. {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}.
  12. {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ}.
  13. {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
  14. {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون}[13]،[14].
  15. {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[15]،[16].
  16. {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ}[17].[18]
  17. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}[19].
  18. {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[20].

ثانيا: الأحاديث

  1. عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي قال: “إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} [إبراهيم: 27] “حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة بهذا -وزاد- {يثبت الله الذين آمنوا} [إبراهيم: 27] نزلت في عذاب القبر[21].
  2. عن أنس بن مالك، قال: قال نبي الله : «إن العبد، إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم» قال: ” يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ ” قال: ” فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله ” قال: ” فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ” قال نبي الله : «فيراهما جميعا» قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه خضرا، إلى يوم يبعثون[22]
  3. عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري، أنه كان يحدث: أن رسول الله مر عليه بجنازة، فقال: «مستريح ومستراح منه» قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب»[23].
  4. 4.    ” عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: سمعت النبي وصلى على جنازة يقول: «اللهم، اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، وقه فتنة القبر وعذاب النار» قال عوف: «فتمنيت أن لو كنت أنا الميت، لدعاء رسول الله على ذلك الميت»”[24]
  5. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره، قال: “اطلع النبي على أهل القليب، فقال: «وجدتم ما وعد ربكم حقا؟» فقيل له: تدعو أمواتا؟ فقال: «ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون»[25].
  6. عن أبي أيوب، قال: “خرج رسول الله ، بعد ما غربت الشمس فسمع صوتا، فقال: «يهود تعذب في قبورها»”[26].
  7. عن أنس بن مالك، قال رسول الله : “يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله”[27].
  8. 8.    “عن عبد الله بن عباس؛ أن رسول الله كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن. يقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم. وأعوذ بك من عذاب القبر. وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات»”[28].
  9. عن عائشة رضي الله عنها: أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله عن عذاب القبر، فقال: «نعم، عذاب القبر» قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر زاد غندر: «عذاب القبر حق»[29].
  10. 10.   سمعت سعيد بن المسيب يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط. فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر”[30].
  11. عن عروة بن الزبير: أنه سمع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، تقول: «قام رسول الله خطيبا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة»[31].
  12. وعن عبد الله بن مسعود[32] قال: “قالت أم حبيبة زوج النبي : اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. قال: فقال النبي : «قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئا قبل حله، أو يؤخر شيئا عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، أو عذاب في القبر، كان خيرا وأفضل»”[33].
  13. عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه حدثهم: أن رسول الله قال: “إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد ، فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا – قال قتادة: وذكر لنا: أنه يفسح له في قبره، ثم رجع إلى حديث أنس – قال: وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين”[34].
  14. عن موسى بن عقبة، قال: حدثتني ابنة خالد# بن سعيد بن العاص، أنها سمعت النبي : وهو «يتعوذ من عذاب القبر»[35].
  15. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله يدعو ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال»[36]”.
  16. عن ابن عباس رضي الله عنهما، “مر النبي على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان من كبير» ثم قال: «بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله» قال: ثم أخذ عودا رطبا، فكسره باثنتين، ثم غرز كل واحد منهما على قبر، ثم قال: «لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا»[37]”.
  17. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله قال: “إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي[38]، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة[39].
  18. عن عبد الله، أن حفصة بكت على عمر، فقال: مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله ، قال: «إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه»[40].
  19. عن ابن شهاب، أخبرني سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، في رجال من أهل العلم: أن عائشة زوج النبي ، قالت: كان رسول الله يقول وهو صحيح: «إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير»[41] فلما نزل به ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة، ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: «اللهم الرفيق الأعلى» قلت: إذا لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به، قالت: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها النبي قوله: «اللهم الرفيق الأعلى»[42].
  20. عن أبي موسى، قال: “لما أصيب عمر أقبل صهيب من منزله، حتى دخل على عمر، فقام بحياله يبكي، فقال عمر: علام تبكي؟ أعلي تبكي؟ قال: إي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين، قال: والله لقد علمت أن رسول الله ، قال: «من يبكى عليه يعذب»، قال: فذكرت ذلك لموسى بن طلحة، فقال: كانت عائشة تقول: إنما كان أولئك اليهود”[43].
  21. وفي رواية أخرى عن أبي بردة، عن أبيه[44]، قال: لما أصيب عمر جعل صهيب يقول: وا أخاه، فقال له عمر: يا صهيب أما علمت أن رسول الله قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»[45].
  22. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : “إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها، أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق[46].
  23. 23.   ” عن جابر بن عبد الله، قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله بأصحابه، فأطال القيام، حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحوا من ذاك، فكانت أربع ركعات، وأربع سجدات، ثم قال: “إنه عرض علي كل شيء تولجونه، فعرضت علي الجنة، حتى لو تناولت منها قطفا أخذته -أو قال: تناولت منها قطفا- فقصرت يدي عنه، وعرضت علي النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار”[47].
  24. وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قال قال رسول الله : “قد دنت مني الجنة، حتى لو اجترأت عليها، لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار حتى قلت: أي رب، وأنا معهم؟ فإذا امرأة -حسبت أنه قال- تخدشها هرة، قلت: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا، لا أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل – قال نافع: حسبت أنه قال: من خشيش – أو خشاش الأرض[48].
  25. عن أنس، عن عبادة بن الصامت، عن النبي قال: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: «ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه[49]، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه[50]، كره لقاء الله وكره الله لقاءه»[51].
  26. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: “ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه، لقد جيء بالنار، وذلكم حين رأيتموني تأخرت، مخافة أن يصيبني من لفحها، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فطن له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به”[52]
  27. عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي : «لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»[53].
  28. عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : «لقنوا# موتاكم لا إله إلا الله»[54].
  29. 29.   ” عن أنس رضي الله عنه: أن النبي أتاه رعل، وذكوان، وعصية، وبنو لحيان، فزعموا أنهم قد أسلموا، واستمدوه على قومهم، «فأمدهم النبي بسبعين من الأنصار»، قال أنس: كنا نسميهم القراء، يحطبون بالنهار ويصلون بالليل، فانطلقوا بهم، حتى بلغوا بئر معونة، غدروا بهم وقتلوهم، فقنت شهرا يدعو على رعل، وذكوان، وبني لحيان، قال قتادة: وحدثنا أنس: أنهم قرءوا بهم قرآنا: ألا بلغوا عنا قومنا، بأنا قد لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا[55]، ثم رفع ذلك بعد”[56].
  30. عن “خارجة بن زيد الأنصاري، أن أم العلاء# -امرأة من نسائهم- قد بايعت النبي ، أخبرته أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكنى، حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين، قالت أم العلاء: فسكن عندنا عثمان بن مظعون، فاشتكى، فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه، دخل علينا رسول الله ، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال لي النبي : «وما يدريك أن الله أكرمه؟»، فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله : «أما عثمان فقد جاءه والله اليقين، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به»، قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا، وأحزنني ذلك، قالت: فنمت، فأريت لعثمان عينا تجري، فجئت إلى رسول الله ، فأخبرته، فقال: «ذاك عمله»[57]. وفي رواية أخرى عن خارجة ابن زيد أن “أم العلاء#، […] أخبرته: أنه اقتسم المهاجرون قرعة فطار لنا عثمان بن مظعون، فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفي فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله ، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك: لقد أكرمك الله، فقال النبي : «وما يدريك أن الله قد أكرمه؟» فقلت: بأبي أنت يا رسول الله، فمن يكرمه الله؟ فقال: «أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري، وأنا رسول الله، ما يفعل بي» قالت: فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا”[58]
  31. عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي ، قال: «الميت يعذب في قبره بما نيح عليه»[59].
  32. عن سمرة بن جندب من حديث طويل قال: قال رسول الله : “…أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة، الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة ” قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله : «وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا وشطر قبيحا، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز الله عنهم[60]. ففي هذا الحديث وغيره مما مر تعذيب عدد من الناس، وتكريم آخرين، بسبب أعمالهم في البرزخ، وذلك غير عذاب يوم القيامة، وجنة يوم القيامة.
  33. عن ابن عمر، قال: لما طعن عمر أغمي عليه، فصيح عليه، فلما أفاق، قال: أما علمتم أن رسول الله ، قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي»[61].
  34. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول رسول الله : “كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له ” وقال غيره: «مخافتك يا رب»”[62].
  35. قال أبو هريرة: قال النبي : «رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب»[63]
  36. عن أنس، أن عمر بن الخطاب، لما طعن عولت عليه حفصة، فقال: يا حفصة أما سمعت رسول الله يقول: «المعول عليه يعذب؟» وعول عليه صهيب، فقال عمر: يا صهيب أما علمت «أن المعول عليه يعذب»؟[64].
  37. “عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي ، قال: ” كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبا فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له”[65].
  38. قال رسول الله : “فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل: لخازن السماء افتح، قال: من هذا؟ قال هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد ، فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول: ففتح، – قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات آدم، وإدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم صلوات الله عليهم#، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، قال أنس – فلما مر جبريل بالنبي بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت من هذا؟ قال: هذا إدريس، ثم مررت بموسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى، ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى، ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم “، قال ابن شهاب: فأخبرني ابن حزم، أن ابن عباس، وأبا حبة الأنصاري، كانا يقولان: قال النبي : «ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام»، قال ابن حزم، وأنس بن مالك: قال النبي : ” ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه، فقال: ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال: هي خمس، وهي خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: استحييت من ربي”[66]
  39. عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: كنت جالسا إلى جنب ابن عمر، ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائد، فأراه أخبره بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، فكنت بينهما، فإذا صوت من الدار، فقال ابن عمر -كأنه يعرض على عمرو أن يقوم، فينهاهم-: سمعت رسول الله يقول: «إن الميت ليعذب ببكاء أهله»، قال: فأرسلها عبد الله مرسلة#“،”[67].
  40. “سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي، وينهوني عنه، والنبي لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي : «تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه»”[68].
  41. عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها أخبرته أنها سمعت عائشة، وذكر لها أن عبد الله بن عمر، يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله على يهودية يبكى عليها، فقال: «إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها»[69].
  42. عن علي بن ربيعة، قال: أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب، فقال المغيرة بن شعبة: سمعت رسول الله يقول: «من نيح عليه، فإنه يعذب# بما نيح عليه يوم القيامة»[70].
  43. عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رجل نصرانيا فأسلم، وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي ، فعاد نصرانيا، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا: أنه ليس من الناس، فألقوه”[71]، متفق عليه[72].
  44. عن أنس بن مالك، قال: “كنا مع عمر بين مكة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلا حديد البصر، فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري، قال: فجعلت أقول لعمر، أما تراه؟ فجعل لا يراه، قال: يقول عمر: سأراه وأنا مستلق على فراشي، ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر، فقال: إن رسول الله ، كان يرينا مصارع أهل بدر، بالأمس، يقول: «هذا مصرع فلان غدا، إن شاء الله»، قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حد رسول الله ، قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله حتى انتهى إليهم، فقال: «يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا»، قال عمر: يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا»”[73].
  45. عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء، قال: لما مات إبراهيم عليه السلام، قال رسول الله : «إن له مرضعا في الجنة»”[74].
  46. “عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله : «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» قال: قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت – يقولون: بليت -؟ فقال: «إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء»”[75].
  47. “حدثني عبد الله بن بحير، أنه سمع هانئا، مولى عثمان قال: كان عثمان، إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله قال: إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه. قال: وقال رسول الله : ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه”[76].
  48. عن عثمان بن عفان، قال: كان النبي ، إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، فقال: «استغفروا لأخيكم، وسلوا له بالتثبيت، فإنه الآن يسأل»”[77]
  49. عن “طلحة بن خراش، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: لقيني رسول الله ، فقال لي: يا جابر ما لي أراك منكسرا؟ قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك عيالا ودينا، قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحا. فقال: يا عبدي تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال: وأنزلت هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا}”[78]
  50. عن المخارق بن سليم قال: قال عبد الله يعني ابن مسعود: إذا حدثناكم بحديث آتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله عز وجل، إن المسلم إذا دخل قبره أجلس فيه فقيل: من ربك؟ وما دينك؟ يعني ومن نبيك؟ قال: فيثبته الله عز وجل، فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد قال: فيوسع له قبره، ويروح له فيه، ثم قرأ {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا} [إبراهيم: 27] الآية، وإن الكافر إذا دخل قبره أجلس فيه، فقيل له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري فيضيق عليه قبره ويعذب فيه، ثم قرأ عبد الله {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى “} [طه: 124]”[79].
  51. “عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : إذا قبر الميت، أو قال: أحدكم، أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له، نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون، فقلت مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك”[80].
  52. عن “أبي بن كعب، قال: ذُكر الدجالُ عند النبي أو قال: ذَكر النبي الدجالَ فقال: «إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وتعوذوا بالله من عذاب القبر»”[81].
  53. “عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله : للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه”[82].
  54. “عن مصعب بن سعد#، عن أبيه، أنه كان يأمر بخمس، ويذكرها عن رسول الله : «اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدجال، وأعوذ بك من عذاب القبر»”[83]
  55. عن ” عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: قلت لأبي: يا أبه إني أسمعك تدعو عند كل غداة «اللهم عافني في بدني اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري لا إله إلا أنت» تعيدها ثلاثا حين تمسي وثلاثا حين تصبح وتقول: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت» تعيدها ثلاث مرات حين تمسي وثلاثا حين تصبح فقال: نعم يا بني سمعت رسول الله يدعو بهن فأنا أحب أن أستن بسنته”[84].
  56. عن أم مبشر[85]، قالت: دخل علي رسول الله ، وأنا في حائط من حوائط بني النجار، فيه قبور منهم، قد ماتوا في الجاهلية، فسمعهم وهم يعذبون، فخرج وهو يقول: «استعيذوا بالله من عذاب القبر» . قالت: قلت: يا رسول الله، وإنهم ليعذبون في قبورهم؟ قال: «نعم، عذابا تسمعه البهائم»”[86].
  57. عن “محمد بن قيس قال: أتى رجل أبا الدرداء فسأله عن آية، فلم يخبره، فولى الرجل وهو يقول: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} [البقرة: 159] فقال أبو الدرداء: «كيف إذا دخلت قبرك فأخرج لك ملكان أسودان أزرقان، يطآن في أشعارهما، ويحفران بأنيابهما، فيسألان عن محمد فأي رجل أنت، إن أنت ثبت فيه؟ وذكر أن معهما مزربة لو اجتمع عليه الثقلان – أو قال – أهل منى ما أطاقوها، كيف بك إذا وضع جسر جهنم، فأي رجل أنت، إن أنت مررت عليه أو سلمت؟ وكيف بك إذا لم يكن من الأرض إلا موضع قدمك ولا ظل إلا ظل عرش الرحمن، فأي رجل أنت إذا استظللت به؟ اذهب إليك، فوالله الذي لا إله إلا هو، إن هذا لهو الحق»”[87].
  58. “عن واثلة بن الأسقع، قال: صلى بنا رسول الله على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: «اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك، فقه فتنة القبر»”[88].
  59. عن البراء بن عازب […] قال البراء: خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأنما على رءوسنا الطير – قال عمرو بن ثابت: وقع ولم يقله أبو عوانة – فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء ويخفض بصره وينظر إلى الأرض ثم قال: «أعوذ بالله من عذاب القبر» قالها مرارا ثم قال: ” إن العبد المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فجلس عند رأسه فيقول: اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج نفسه وتسيل كما يسيل قطر السقاء ” قال عمرو في حديثه ولم يقله أبو عوانة: ” وإن كنتم ترون غير ذلك وتنزل ملائكة من الجنة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوطها فيجلسون منه مد البصر فإذا قبضها الملك لم يدعوها في يده طرفة عين فذلك قوله عز وجل {توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61] ” قال: ” فتخرج نفسه كأطيب ريح وجدت فتعرج به الملائكة فلا يأتون على جند بين السماء والأرض إلا قالوا: ما هذا الروح؟ فيقال: فلان، بأحسن أسمائه حتى ينتهوا به إلى باب سماء الدنيا فيفتح له ويشيعه من كل سماء مقربوها حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فيقول: اكتبوا كتابه في عليين {وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون} [المطففين: 20] فيكتب كتابه في عليين ثم يقال: ردوه إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى فيرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان: من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله فيقولان وما يدريك؟ فيقول: جاءنا بالبينات من ربنا فآمنت به وصدقته ” قال: ” وذلك قوله عز وجل: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27] ” قال: ” وينادي مناد من السماء أن قد صدق عبدي فألبسوه من الجنة وأفرشوه منها وأروه منزله منها فيلبس من الجنة ويفرش منها ويرى منزله منها ويفسح له مد بصره ويمثل له عمله في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول: أبشر بما أعد الله عز وجل لك، أبشر برضوان الله وجنات فيها نعيم مقيم فيقول: بشرك الله بخير من أنت؟ فوجهك الوجه الذي جاء بالخير فيقول: هذا يومك الذي كنت توعد والأمر الذي كنت توعد أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية الله فجزاك الله خيرا فيقول: يا رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي، قال: وإن كان فاجرا فكان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فجلس عند رأسه فقال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة أبشري بسخط الله وغضبه فتنزل ملائكة سود الوجوه معهم مسوح فإذا قبضها الملك قاموا فلم يدعوها في يده طرفة عين قال: فتغرق في جسده فيستخرجها يقطع معها العروق والعصب كالسفود الكبير الشعب في الصوف المبلول فتؤخذ من الملك فتخرج كأنتن ريح وجدت فلا تمر على جند فيما بين السماء والأرض إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: هذا فلان بأسوإ أسمائه حتى ينتهوا إلى سماء الدنيا فلا تفتح له، فيقول: ردوه إلى الأرض إني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى ” قال: «فيرمى به من السماء» قال: ” فتلا هذه الآية {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء} [الحج: 31] الآية ” قال: ” ويعاد إلى الأرض وتعاد فيه روحه ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيقولان من ربك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدري فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون ذاك قال: فيقال: لا دريت فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب فيقول: أبشر بعذاب من الله وسخطه فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي جاء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث والله ما علمتك إلا كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا إلى معصية الله ” قال عمرو في حديثه عن المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي “فيقيض له ملك أصم أبكم معه مرزبة لو ضرب بها جبل صار ترابا – أو قال: رميما – فيضربه بها ضربة يسمعها الخلائق إلا الثقلين ثم تعاد فيه الروح فيضربه ضربة أخرى”[89]

ثالثا: أقوال الصحابة والتابعين

نقلت الأخبار الدالة على عذاب القبر ونعيمه نقلا متواترا، وذلك على ضربين:

ضرب يتعلق بتفسير بعض كلمات القرآن، وتفسيرهم لها محمول على وجهين؛ إما أن يكون توقيفيا، إذا نظرنا إلى أن عذاب القبر مما لا مدخل للرأي فيه، أو يكون رأيا في تفسير كلمة لغوية بحملها على مشتهر شرعا، وهو راجع إلى الأول لا محالة؛ لذلك قال فيها ابن عباس: “إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله {وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك} [الطور: 47]”[90].

 فقد رويت الأحاديث المتعلقة بعذاب القبر عن:

  1. البراء بن عازب
  2. أبي أيوب الأنصاري
  3. أبي بكر الصديق
  4. أبي بن كعب
  5. أبي بكرة
  6. أبي الدرداء
  7. أبي ذر الغفاري
  8. أبي سعيد الخدري
  9. أبي قتادة بن ربعي الأنصاري
  10. أبي موسى الأشعري
  11. أبي هريرة
  12. أسماء بنت أبي بكر
  13. أم العلاء الأنصارية
  14. أمة (أم خالد) بنت خالد بن سعيد بن العاص
  15. أم حبيبة بنت أبي سفيان
  16. أم مبشر الأنصارية
  17. أنس بن مالك
  18. أوس بن أوس الثقفي
  19. جابر بن عبد الله
  20. زيد بن ثابت
  21. سعد بن أبي وقاص
  22. سمرة بن جندب
  23. عائشة بنت أبي بكر
  24. عبادة بن الصامت
  25. عبد الله بن عباس
  26. عبد الله بن عمر
  27. عبد الله بن عمرو بن العاص
  28. عبد الله بن مسعود
  29. عثمان بن عفان
  30. عثمان بن أبي العاص
  31. علي بن أبي طالب
  32. عمر بن الخطاب
  33. عمرو بن العاص
  34. عوف بن مالك الأشجعي
  35. واثلة بن الأسقع

قال الترمذي: وفي الباب عن علي، وزيد بن ثابت، وابن عباس، والبراء بن عازب، وأبي أيوب، وأنس، وجابر، وعائشة، وأبي سعيد، كلهم رووا عن النبي في عذاب القبر[91]. فقد أورد تسعا، وزدنا على من ذكر هذه الجماعة من الصحابة العدول الخيار الذين لو لم يكونوا كذلك لكان يستحيل عقلا تواطؤهم على الكذب لبلوغهم حد التواتر.

ولذلك قال ابن أبي عاصم في السنة: “وروى في عذاب القبر زيد بن ثابت، وأبو أيوب، وعلي، وأبو هريرة، وأنس، وعثمان بن أبي العاص[92]، وأبو بكر[93]، وابن عباس، وعائشة، وأسماء، وأم خالد، وأبو رافع، وجابر. كل هؤلاء عن النبي . قال أبو بكر: وصحت الأخبار عن رسول الله في استعاذته من عذاب القبر وتعوذه منه، وثبت عنه أن أمته ستبتلى في قبورها، وهي أخبار ثابتة توجب العلم وتنفي الريب والشك. والله نسأل أن يعيذنا من عذاب في قبورنا، وأن يجعلها علينا رياضا خضراء تنور لنا فيها”[94].

وقد وقفنا من كلامهم على ما يأتي:

  1. قال عمرو بن العاص: “فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي[95]. ففي هذا الحديث المتكلم عمرو بن العاص، والمخاطَب ابنه عبد الله –راوي القصة-، وكلاهما من الصحابة، وعمرو رضي الله عنه صدر أمره فكان مسلما عندهم أن لربه رسلا سيراجعهم، إذ لم يسأل أحد عن هذا ولا رده أحد.=
  2. عن حذيفة# قال: «الروح بيد ملك , وإن الجسد ليغسل , وإن الملك ليمشي معه إلى القبر , فإذا سوي عليه سلك فيه فذلك حتى يخاطب»[96].
  3. “عن علي قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: {ألهاكم التكاثر}”[97].
  4. عن ابن عباس في قوله: {وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك} [الطور: 47] قال: “عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة”[98].
  5. قال ابن عباس: “والعذاب الثاني: عذاب القبر[99]. وقال بقول ابن عباس كل من:
  6. أبي مالك[100].
  7. والسدي[101].
  8. ومجاهد[102].
  9. والحسن[103].
  10. وقتادة[104].
  11. وابن جريج،[105].
  12. وابن إسحاق[106]. وهو “الأغلب” عند الطبري[107]
  13. “… عن أبي هريرة، في قوله عز وجل: {معيشة ضنكا} [طه: 124] قال: «عذاب القبر»”[108].#.
  14. عن السدي، قوله: {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر: 11] قال: «أميتوا في الدنيا، ثم أحيوا في قبورهم، فسئلوا أو خوطبوا، ثم أميتوا في قبورهم، ثم أحيوا في الآخرة»[109].
  15. وقال فيها محمد بن كعب القرظي: «هذا قول الكفار فموت الكافر في حياته الدنيا على الكفر، والثانية موته، فهما موتتان، وإحدى الحياتين حياته في قبره بعد موته، والثانية حياته للبعث»”[110]
  16. وقال أبو صالح في قول الله تعالى: “{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} [البقرة: 28] قال: يحييكم في القبر، ثم يميتكم”[111].
  17. عن عطاء في قوله: {إذا لأذقناك ضعف الحياة، وضعف الممات} [الإسراء: 75] قال: “ضعف الممات عذاب القبر”[112]
  18. وعن المطلب بن عبد الله يعني ابن حنطب[113]، أنه بلغه أن رسول الله مر يسير على بغلة له بيضاء في المقابر ببقيع الغرقد، فحادت به بغلته حيدة فوثب إليها رجال من المسلمين ليأخذوا بلجامها، فقال لهم رسول الله : «دعوها فإنها سمعت عذاب سعد بن زرارة يعذب في قبره» وكان رجلا منافقا[114].
  19. عن زاذان، {وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك} [الطور: 47] قال: «عذاب القبر»[115].

خاتمة

لقد دلت هذه الإشارات القرآنية، والبيان النبوي لها، على ثبوت الحياة في القبر، وأنه أول منازل الآخرة، وأن العبد يرى فيه مصيره الأخروي إما إلى جنة وإما إلى نار، وأنه لا يجازى العبد فيه الجزاء التام، بل ينتظر المؤمن فيه بتلهف قيام الساعة، ويشفق الكافر منها ويسأل أن لا تقوم كي لا يلقى العذاب الأكبر.

وقد رويت الأحاديث المتعلقة بنعيم أو عذاب القبر بطرق كثيرة وبأساليب متنوعة، ومن طرف أكثر من ثلاثين من الصحابة، مما يجعلها يقينية لا يتطرق إليها شك، وقد حمل الصحابة والتابعون لهم بإحسان بعض مجملات القرآن على تلك الحياة البرزخية، ما يوحي أنها كانت معلومة عندهم حد اليقين.

ولا شك أن العلم بها لم يكن من إرث الجاهلية، بل كان الجاهلية يعتقدون الموت فناء مطلقا؛ لذلك استفسر الصحابة عن تكليم النبي أهل القليب[116]، واستفسروا عن وصول الصلاة إلى النبي بعد موته[117]، فدل هذا على أن الأمر إنما جاءهم مع النبي ، ولكنهم صدقوه وآمنوا به، فلم يسغ لمن بعدهم أن ينكره، وقد قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة، 137]، نسأل الله أن يوفقنا لاتباع كتابه وسنة نبيه ، وأن يلهما الصواب فيما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه الهادي إلى سواء الصراط.

والله أعلم وأحكم وصلى الله على محمد وسلم.