طلب الله تعالى من المؤمنين إعلان عداوتهم وهجرانهم لأفعال الشيطان وسلوكياته، وبين الله تعالى سبب ذلك فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ”. [المائدة: 90 – 91]

فخطط الشيطان قائمة على تفرقة الناس وحجبهم عن بعضهم بحواجز نفسية وعرقية وطائفية مما يؤذن بخراب العلاقات الاجتماعية وفساد التواصل الإنساني، الذي هو سر نجاح الاستخلاف في المعمورة، ونجد هذا في قول الله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى” [المائدة: من الآية 2]، والتعاون نقيض العداوة والبغضاء التي هي من فعل الشيطان.

وحكمة الله في طلب الابتعاد عن العداوة والبغضاء واضحة، حيث خلق الله الناس أقواما وشعوبا منتشرة في كل البيئات، وكل بيئة لها طبيعة مختلفة ونمط معين للتعامل معها مما أكسب كل فئة خبرة ومهارة ليستا موجودتين عند البقية، والنجاح الإنساني مشروط بالتعاون فيما بين أفراده، أما العداوة والبغضاء اللتان هما صنيعة الشيطان فإنهما مانعتان من حصول التعاون، وسببان لإيقاد نيران الهجران والعداوات، بناء على أسباب ليس لها في ميزان الحق مقدار.

إن الإسلام يهدف إلى محاربة كل ما يفرق الناس، فمنطقه قائم على أن الإنسانية أسرة يكمل بعضها بعضا بغض النظر عن أي فوارق جنسية أو عرقية أو لغوية فالجميع منتسب لآدم.

ومكانة الإنسان في الإسلام أو الأقوام تكتسب من عملهم لا من أعراقهم أو أجناسهم، وبالتالي، فلا معنى للتعصب للأعراق والأجناس، فعن ابن عمر  أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال: يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية (=الكبر والنخوة) وتعاظمها بآبائها. فالناس رجلان: بَر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هيّن على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب. قال الله: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات: 13] [1]. وفي ختم الآية بقوله “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” إشارة واضحة إلى أن المحك الرئيسي هو في مقدار الصلاح الموجود عند الإنسان، يقول ابن عاشور رحمه الله في هذه الآية: “لأنهم لما تساوَوا في أصل الخِلقة من أب واحد وأم واحدة كان الشأن أن لا يفضُل بعضهم بعضاً إلا بالكمال النفساني، وهو الكمال الذي يرضاه الله لهم والذي جعل التقوى وسيلته” [2].

إن الحساب يوم القيامة قائم على وزن الأعمال، لا وزن الأعراق، وبالتالي فلا داعي للتحزب وراءها تحت أي مسمى، لأن ذلك مؤذن بتقطيع أوصال العالم، وتشرذم الناس، ونصرتهم للباطل المتمثل في أعراقهم أو جنسياتهم، بدل نصرتهم للحق الذي هو الطريق الواجب الاتّباع.



[1] رواه الترمذي في سننه، رقم 3270

[2] التحرير والتنوير، ابن عاشور 26/262