تعددت الآيات الكريمة في القرآن الكريم التي نزلت على النبي حول تحريم الربا، ويطلق عليها آيات الربا، لأنها تحسم مادة الربا، وتمنع بمدلولاتها أخذ الربا والتعامل به، والتعقاد عليه، ووقف كل السبل أو الوسائل التي توصل إليه، وشدد النكير فيه، وكان من هذه الآيات، ما جاء في سورة الروم، قوله تعالى: ﴿‌وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون﴾ [الروم: 39]. وقد وقعت هذه الآية في سياق الإحسان لذوي القربى والمساكين والفضل المترتب على هذا العمل الحسن، وذلك ليدل على أن الإنفاق على غير وجه الإحسان خطأ ويترتب عليه الوزر، وهذا  يشمل الربا وما يؤدي إليه من النوايا للأعمال الظاهر منها الإحسان، ولكنها في الحقيقة تنطوي على الربا، وهو إساءة في موضع إحسان.

يقول في هذا الصدد ابن عاشور «التحرير والتنوير» (21/ 105):

«لما جرى الترغيب والأمر ببذلك المال لذوي الحاجة وصلة الرحم وما في ذلك من الفلاح أعقب بالتزهيد في ضرب آخر من إعطاء المال لا يرضى الله تعالى به، وكان الربا فاشيا في زمن الجاهلية وصدر الإسلام وخاصة في ثقيف وقريش. فلما أرشد الله المسلمين إلى مواساة أغنيائهم فقراءهم أتبع ذلك بتهيئة نفوسهم للكف عن المعاملة بالربا للمقترضين منهم، فإن المعاملة بالربا تنافي المواساة لأن شأن المقترض أنه ذو خلة، وشأن المقرض أنه ذو جدة فمعاملته المقترض منه بالربا افتراض لحاجته واستغلال لاضطراره، وذلك لا يليق بالمؤمنين».

ما معنى الربا في قوله تعالى (وما آتيتم من ربا)؟

ذهب أكثر المفسرين إلى حمل الربا في هذه الآية الكريمة على الزيادة في مال لغيره، أي إعطاء المال لذوي الأموال قصد الزيادة في أموالهم تقربا إليهم، فيشمل هبة الثواب والهبة للزلفى والملق. [التحرير والتنوير (21/ 105)].

قال القرطبي: الربا هنا هو ربا حلال، وهو الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه، لا له ولا عليه، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم. قال ابن عباس:” وما ‌آتيتم ‌من ‌ربا” يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه. وقد تابع ابن عباس على هذا المعنى أكثر تلاميذه. قالوا جميعا: هذه آية نزلت في هبة الثواب. [تفسير القرطبي: 14/36].

قال ابن عطية: وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسلام وغيره، فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى.

قال رفيق المصري: تجدر الإشارة هنا إلى أن الثواب قد يكون بقدر الهدية فيكون ثوابا مكافئا، وقد يكون أكثر، وهو المقصود هنا، فيكون الثواب ربويا. وهدية الثواب تحتمل المعنيين. أعني أن الثواب أعم من المكافأة، فقد يعني المكافأة العدل، وقد يعني الزيادة عليها، فقد يكون من شأن لفظ الثواب مقابلة الإحسان بإحسان أكبر منه. وقد عبر الفقهاء عن هذا المعنى عندما استخدموا عبارة هبة الثواب… فلما أضيفت الهبة إلى الثواب قصد بهذه الإضافة الزيادة على التكافؤ، لا مجرد التكافؤ[1].

وهذا المعنى الأخير وهو حكم من يهب هبة يطلب ثوابها، اختلف في حكم هذا النوع من هبة الثواب، ذكر هذا الاختلاف القرطبي:

قال الإمام مالك: ينظر فيه، فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك، مثل هبة الفقير للغني، وهبة الخادم لصاحبه، وهبة الرجل لأميره ومن فوقه، وهو أحد قولي الشافعي.

وقال أبو حنيفة: لا يكون له ثواب إذا لم يشترط، وهو قول الشافعي الآخر. قال: والهبة للثواب باطلة لا تنفعه، لأنها بيع بثمن مجهول.

واحتج أبو حنيفة بأن موضوع الهبة التبرع، فلو أوجبنا فيها العوض لبطل معنى التبرع وصارت في معنى المعاوضات، والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة، فجعلت لفظ البيع على ما يستحق فيه العوض، والهبة بخلاف ذلك[2].

أما دليل المالكية فما رواه مالك في موطئه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته حتى يرضى منها.

وعن علي رضي الله عنه قال: المواهب ثلاثة: موهبة يراد بها وجه الله، وموهبة يراد بها وجوه الناس، وموهبة يراد بها الثواب، فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب منها.

وترجم البخاري رحمه الله (باب المكافأة في الهبة) وساق حديث عائشة قالت: كان رسول الله يقبل الهدية ويثيب عليها، وأثاب على لقحة. ولم ينكر على صاحبها حين طلب الثواب، وإنما أنكر سخطه للثواب وكان زائدا على القيمة[3].

أما إذا طلب الواهب في هبته زائدا على مكافأته، فإن كانت الهبة قائمة لم تتغير، فيأخذ ما شاء أو يردها عليه. وأما إذا نفذت الهبة فليس له إلا القيمة اتفاقا.

ويكون التقدير في هذه الآية: «{وما آتيتم من ربا} أي ما فعلتم من ربا، وهو الزيادة، والمراد بها الهبة أو الهدية التي يقصد بها الوصول إلى أكثر منها. {ليربوا في أموال الناس} المعطين أي يزيد. {فلا يربوا عند الله} لا يزكو عنده، ولا يبارك فيه، ولا ثواب فيه للمعطين»[4]. ذلك لان الواهب لم يرد به وجه الله تعالى، وإنما أراد المكافأة.

وهناك معنى آخر ذكره البغوي[5] أن الربا هنا هو الربا الحرام الذي يربو في أموال الناس، والقصد منه اختطاف أموال الناس واجتذابها. وهو هنا بمعنى ربا القرض،  فهذا لا يعترف الله بهذا الربا لأنه مال حرام فيحكم به للمأخوذ منه، ولا يحكم به لآخذه، والمعنى الآخر هو أن الله لا يثيب عليه دليلا على حرمته.

قال الدكتور رفيق يونس المصري: وسواء كان المقصود هدية الثواب أو غيرها، فإن الآية تلفت أنظار المؤمنين من الربا إلى الزكاة، إما من هبات الربا إلى هبات الزكاة، وإما من قروض الربا إلى قروض الزكاة  وهي (القروض الحسنة).  


[1]  الجامع في أصول الربا (30).

[2]  العناية في شرح الهداية (9/57).

[3]  تفسير القرطبي (14/38)، وأحكام القرآن لابن العربي (3/523).

[4]  التفسير المنير – الزحيلي (21/ 92)

[5]  تفسير البغوي (3/579).