تناول الدكتور رفيق يونس المصري خلال تفسير سورة الفاتحة بعض نكت السورة نحو أهمية سورة الفاتحة وفضلها، فواصل السورة وترابطها، مقاصدها وإعجازها، وأهم دروس تستخرج من هذه السورة العظيمة.

أهمية تفسير سورة الفاتحة

– أنها فاتحةُ كتابِ الله.

۔ أنها سورة قصيرة.

۔ أنها سورة جامعة، قد لا يدرك القارئ العادي ما فيها من دقة وعمق وإحاطة.

– أنها تُقرأ في جميع الصلوات.

– (إياك نستعين) هل يعني أن نطلب المعونة من الله ولا نطلبها من البشر؟

۔ (الصراط المستقيم): هو الذي لا اعوجاج فيه ولا حيل.

– نتعلم منها فن الالتفات، والالتفات شجاعة العربية كما قال بعض علماء البلاغة، فهو يحتاج إلى شجاعة من الكاتب ومن القارئ لفهم سرّه، ألا وهو تنشيط القارئ أو السامع وإيقاظه من حين إلى آخر!

۔ أفاض المفسرون فيها وأطالوا وتباروا على استخراج دقائقها ولطائفها وتنقيبها وتثويرها! وتثوير الكلام كتثوير الأرض وحراثتها، للتنقيب عما فيها، أو لكي تصير أكثر خصوبةً وعطاءً. – أنها تعلّم الكاتب والمؤلف فنّ كتابة مقدّمة كتابه.

عن سورة الفاتحة

– لا تزيد على 7 آيات. تأتي بعدها أطول سورة في القرآن.

– هي من قصار السور. وقصار السور وردت في آخر المصحف، إلا هذه الفاتحة.

– هي فاتحة الكتاب، أو المصحف، أو القرآن. وتفتتح بها الصلوات.

 – وهي (المثاني) لأنها تثنى في كل ركعة. قال بعض العلماء: ليس هناك ما يمنع من تسمية غيرها بالمثاني أيضًا: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} (الحجر 87)، {كتابًا متشابهًا مثاني} (الزمر 23)، لأن الأخبار تُثنّى (تُكرّر) فيه.

فضلُ الفاتحة

 اشتملت على الثناء على الله، وأسماء الله الحسنى، والعبادة، والاستعانة، والهداية، والدعاء، واجتناب الشرك، وبيان عاقبة الكفار والمشركين. قال بعض العلماء: أساس الكتب القرآن، وأساس القرآن الفاتحة، وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا اعتللتَ أو اشتكيتَ فعليك بالفاتحة.

الرحمن: خاص بالله لا يوصف به غيره.

الرحيم: يوصف به غير الله. وكلتاهما صيغة مبالغة، قال بعض العلماء: هما بمعنى واحد، مثل: ندمان ونديم. وذَكَرَ أحدَهما تلو الآخر تطميعًا لقلوب الراغبين، إنعامًا بعد إنعام وتفضلاً بعد تفضل. ومنهم من فرّق بينهما، والحديث في هذا يطول.

الحمدُ لله: هل هو ثناء مِن الله على نفسه أم هو ثناء مِن العبد على ربّه؟

إيّاكَ نعبدُ: التفات من صيغة الغائب إلى صيغة المخاطب، التقدير: لا نعبد إلا إيّاك، أو إيّاك دون غيرك، أو نعبدك دون غيرك.

وإيّاك نستعين: لا نستعين إلا بك. كيف والناس يستعين بعضُهم ببعض؟

– المعنى: إياك نعبد وإياك نستعين على عبادتك. – وقد يكون المعنى: إذا استعنًا بعبادك فإننا نعتقد بأنك أنت المُعين، وأنت الذي سخّرتَ لنا من يعيننا. قال ابن عاشور : أما الاستعانة بالله فهي طلب المعونة على ما لا قِبلَ للبشر بالإعانة عليه، ولا قِبلَ للمستعين بتحصيله بمفرده. ولذلك فهي مُشعرة بأن المستعين يصرف مقدرته لتحصيل الفعل، ويطلب من الله العون عليه، بتيسير ما لا قِبلَ لقدرة المستعين على تحصيله بمفرده.

والمقصود هنا الاستعانة على الأفعال المهمة كلها، التي أعلاها تلقي الدين وكل ما يعسر على المرء تذليله من توجهات النفوس إلى الخير، وما يستتبع ذلك من تحصيل الفضائل”.

ثم قال: فالحصر في (إياك نعبد) حقيقي والقصر في (إياك نستعين) ادعائي، فإن المسلم قد يستعين غير الله تعالى، كيف وقد قال تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى)، ولكنه لا يستعين في عظائم الأمور إلا بالله، ولا يعدّ الاستعانة حقيقة إلا الاستعانة بالله تعالى.

اهدنا الصراط المستقيمَ: الصراط المستقيم أقرب صراط (طريق) إلى الله، لا لفّ ولا دوران ولا حيل. فأهل الحيل هم نقيض أهل الاستقامة. الصراط المستقيم: الطريق الواضح لا اعوجاج فيه.

صراطَ الذين أنعمتَ عليهم: أنعمتَ عليهم بالهداية والتوفيق والثبات والاستقامة: (ومَن يُطعِ اللهَ والرسولَ فأولئِكَ مع الذينَ أَنعمَ اللهُ عليهم مِنَ النبيينَ والصدّيقِينَ والشهداءِ والصالحينَ وحسُنَ أولئك رفيقًا) سورة النساء 69-70. المغضوب عليهم: 15 مِنّ الله. الضالّين: الضالّين عن الصراط المستقيم.

فواصل السورة

 (الياء والنون)، (الياء والميم). والياء من حروف المدّ. وهاتان فاصلتان شائعتان في القرآن الكريم، ومبنى الفواصل عمومًا هو على الوقف على الساكن آخر الآية، فإذا لم يقف القارئ على الساكن اختلت الفواصل، لأن أواخر الآيات بعضها مفتوح، وبعضها مكسور، وبعضها مضموم.

ترابط السورة

فاتحة قصيرة، وسورة مترابطة، لها موضوع واحد أساسي تدور حوله الموضوعات الأخرى: افتتاح القرآن بحمد الله، وبيان بعض صفاته، وذكْر المعاد، وإخلاص العبادة لله، والتضرع إليه بهداية القارئ لفهم القرآن والإسلام وسلوك الصراط المستقيم الذي يبعدنا عن غضب الله والصراط الذي يبعدنا عن الضلال والصراط الذي يقرّبنا إلى الجنة.

السورة: مقاصدها وإعجازها

قال ابن كثير : “اشتملت هذه السورة الكريمة ( … ) على حمد الله وتمجيده والثناء عليه، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد، وهو يوم الدين، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه، والتبرؤ من حولهم وقوتهم، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيدِه بالألوهية تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الدين القويم، وتثبيتهم عليه حتى يُفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة، المُفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل، لئلا يُحشروا مع سالكيها يوم القيامة، وهم المغضوب عليهم والضالون”.

وقال ابن عاشور : “تشتمل محتويات هذه السورة على أنواع مقاصد القرآن، وهي ثلاثة أنواع: الثناء على الله ثناءً جامعًا لوصفه بجميع المحامد وتنزيهه من جميع النقائص، ولإثبات تفرّده بالإلهية وإثبات البعث والجزاء، وذلك مِن قوله: (الحمدُ لله) إلى قوله: (ملك يوم الدين) ، والأوامر والنواهي مِن قوله: (إياك نعبد)، والوعد والوعيد مِن قوله: (صراط الذين) إلى آخرها. فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كلّه، وغيرُها تكملات لها، لأن القصد من القرآن إبلاغ مقاصده الأصلية، وهي صلاح الدارين، وذلك يحصل بالأوامر والنواهي. ولمّا توقفتِ الأوامر والنواهي على معرفة الآمر، وأنه هو الله الواجبُ وجوده خالقُ الخلق، لزم تحقيقُ معنى الصفات. ولمّا توقف تمام الامتثال على الرجاء في الثواب، والخوف من العقاب، لزم تحققُ الوعد والوعيد .

 والفاتحة مشتملة على هاته (هذه) الأنواع. فإنّ قوله: (الحمدُ لله) إلى قوله: (يوم الدين) حمدّ وثناءٌ، وقوله: (إياك نعبد) إلى قوله: (المستقيم) من نوع الأوامر والنواهي، وقوله: (صراط الذين) إلى آخرها من نوع الوعد والوعيد. مع أن ذِكْر المغضوب عليهم والضالين يشير أيضًا إلى نوع قصص القرآن. وقد يؤيد هذا الوجه بما ورد في الصحيح في (قْ هو اللهُ أحد) أنها تعدل ثلث القرآن، لأن ألفاظها كلها ثناءٌ على الله تعالى.

وتشتمل معاني سورة الفاتحة على جملة معاني القرآن من الحكم النظرية والأحكام العملية، فإن معاني القرآن إمّا علوم تُقصد معرفتُها وإِمَا أحكام يُقصد منها العملُ بها. فالعلوم كالتوحيد والصفات والنبوءات والمواعظ والأمثال والحِكَم والقصص، والأحكام إما عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات، وإما عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشريعة. وكلّها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام، فـ(الحمد لله) يشمل سائر صفات الكمال التي استحق الله لأجلها حصر الحمد له تعالى، بناءً على ما تدل عليه جملة: (الحمدُ لله) من اختصاص جنس الحمد به تعالى واستحقاقه لذلك الاختصاص كما سيأتي، و(ربّ العالمين) يشمل سائر صفات الأفعال والتكوين عند من أثبتها، و(الرحمن الرحيم) يشمل أصول التشريع الراجعة للرحمة بالمكلفين، و(ملك يوم الدين) يشمل أحوال القيامة، و(إياك نعبد) يجمع معنى الديانة والشريعة، (وإياك نستعين) يجمع معنى الإخلاص لله في الأعمال.

و(اهدنا الصراط المستقيم) يشمل الأحوال الإنسانية وأحكامها من عبادات ومعاملات وآداب، و(صراط الذين أنعمت) عليهم يشير إلى أحوال الأمم والأفراد الماضية الفاضلة، وقوله: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) يشمل سائر قصص الأمم الضالة، ويشير إلى تفاصيل ضلالاتهم المحكية عنهم في القرآن. فلا جَرَمَ يحصل من معاني الفاتحة، تصريحًا وتضمّنًا، علمٌ إجماليّ بما حواه القرآن من الأغراض.

وذلك يدعو نفسَ قارئها إلى تطلّب التفصيل على حسب التمكن والقابلية. ولأجل هذا فُرضت قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة، حرصًا على التذكير بما في مطاویها”.

من دروس سورة الفاتحة

 قال ابن عاشور : “سورة الفاتحة بما تَقرّرَ مُنزّلةٌ من القرآن مَنزلةَ الديباجةِ للكتاب أو المقدمةِ للخطبة. وهذا الأسلوب له شأن عظيم في صناعة الأدب العربي، وهو أعون للفهم وأدعى للوعي.

قد رسم أسلوب الفاتحة للمنشئين أربع قواعد للمقدمة:

القاعدة الأولى: إيجاز المقدمة لئلا تملّ نفوسُ السامعين بطول انتظار المقصود، وهو ظاهر في الفاتحة، وليكون سنّة للخطباء فلا يُطيلوا المقدمة، كي لا يُنسبوا إلى العيّ، فإنه بمقدار ما تطول المقدمة يقصر الغرض. ومن هذا يظهر وجه وضعها قبْلَ السور الطوال مع أنها سورة قصيرة.

 القاعدة الثانية: أن تشير إلى الغرض المقصود، وهو ما يسمى براعة الاستهلال، لأن ذلك يهيئ السامعين لسماع تفصيل ما سيَرد عليهم، فيتأهبوا لتلقيه إن كانوا من أهل التلقي فحسب، أو لنقده وإكماله إن كانوا في تلك الدرجة، ولأنّ ذلك يدلّ على تمكّن الخطيب مِن الغرض، وثقته بسداد رأيه فيه، بحيث ينبّه السامعين لوعيه، وفيه سنّة للخطباء ليحيطوا بأغراض كلامهم.

القاعدة الثالثة: أن تكون المقدمة من جوامع الكلم، وقد بيّن ذلك علماء البيان عند ذكرهم المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنّق فيها.

القاعدة الرابعة: أن تُفتتح بحمدِ الله”.