‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌﴿ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171) إنهم لهم المنصورون (172) وإن جندنا لهم الغالبون﴾ [الصافات: 171-173] 

ورد التعبير المعجز في هذا النظم القرآني الحكيم في الحديث عن وعده سبحانه لرسله والمؤمنين بالغلبة والنصر المبين، بأسلوب القسم المقدر المؤكد في السياق” والله لقد سبقت” الذي أفصحت عنه اللام المؤكدة الواقعة في جواب القسم المقدّر، مقترنة بحرف التأكيد والتحقيق ” قد.

وزاد الأسلوب تأكيدا مجيء الفعل” سبقت” بصيغة الماضي، الدال على تحقق هذا الوعد منذ الأزل، فوعد الله متحقق ثابت، كأنه ماض في تحققه وحصوله، ووعده سابق غير مسبوق ولا ملحوق، قد سبق الزمان والمكان؛ ليشمل مسيرة الرسل المبلغين وأتباعهم المؤمنين عبر أجيال التاريخ، بل هو وعد التمكين السابق في القدر الإلهي الأزلي.

 وهذا أسلوب يغمر نفوس المؤمنين باليقين المنزل منزلة التحقيق والمشاهدة، وأسند الفعل إلى الفاعل كلمتُنا  “سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِینَ ” مجردا عن متعلقه؛ للتركيز على قوة الفعل واختصاصه لعباده المرسلين وجنده المؤمنين، وساقه مبهما، ثم فسره بعد الإبهام؛ على سبيل التشويق للنفوس في السياق نفسه من اللٍحاق  {إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ (١٧٣) }  وفي سياق آخر من قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ ‌لَأَغْلِبَنَّ ‌أَنَا ‌وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 21]  وذلك بصيغة الماضي الدال على التحقيق والحصول.

وغاير النظم الحكيم في المقامين؛ فحشد المؤكدات في آية الصافات دون آية المجادلة؛ لأنه عرض مسيرة تكذيب الرسل في سورة الصافات، من عهد نوح فإبراهيم وموسى وهارون، وإلياس ولوط ويونس، عليهم السلام أجمعين، وذكر من حالهم مع تكذيب أقوامهم لهم ونصره رسله؛ بإنجائهم وإنزال العذاب بأقوامهم، وذلك على سبيل التهديد والوعيد للمشركين المكذبين لرسوله – ، وتصديقا لوعده من قوله: ﴿‌وَلَقَدْ ‌سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 171-173]

وقد ناسب التعبير في السياق القرآني الحكيم أن يورد الخبر المؤكد بصيغة الجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار إذ قال: ﴿.. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ .. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات: 171-173]”

وهو أسلوب تأكيد وحصر وقصر بإيراد المبتدأ والخبر معرفتين، مع التأكيد باللام والضمير” لهم ” إشارة إلى استمرار النصر والغلبة في امتداد الزمان والمكان للرسل وجند الله الأتباع المؤمنين.

ومن بديع دقائق النظم أنه قال: “وَإِنَّ جُندَنَا ” ولم يقل: جنودنا؛ لأنّ الجند اسم جنس جمعي، يطلق على الواحد والاثنين والجمع، كما هو معلوم في اللسان، فهو عام للقليل والكثير؛ فلم يربط الغلبة بالكثرة؛ فيأتي بصيغة الجمع” جنودنا” وإنما أراد العموم؛ فالغلبة لا علاقة لها بالكثرة والجمع.