من الكلمات الشائعة بين الناس إطلاقاً ومفهوماً: حالق اللحية فاسق ، المدخن فاسق .. فلان فاسق فهل مثل هذه الإطلاقات صحيحة، وما هو مفهوم الفسق من الناحية الشرعية، وماذا يترتب على الحكم بفسق الشخص، وكيف يتم التعامل معه ؟

للإجابة على هذه التساؤلات لا بد أن نبين معنى الفسق لغة واصطلاحاً وما يتعلق بذلك من  مفردات ومصطلحات.

الفسق من الألفاظ الإسلامية، لا يعرف إطلاقها على هذا المعنى قبل الإسلام، وإن كان أصل معناها الخروج، فهي من الحقائق الشرعية التي صارت في معناها حقيقة عرفية في الشرع[1].

فالفسق في أصل الوضع اللغوي وهو الخروج عن الطاعة. تقول العرب: فسقت الرطبة عن قشرها: إذا خرجت[2].

أما الفِسْق، بالوضع العرفي فهو: التّرْكُ لأمْر الله عزّ وجلَّ والعِصْيانُ والخُروجُ عَن طَريق الحَقِّ سبحانَه، قالَه اللّيث. أَو هُوَ الفُجورُ، كالفُسوقِ بالضّمِّ. وَقيل: هُوَ المَيْلُ الى المَعصِية.

قَالَ الأصبهانيُّ: الفِسْق أعمُّ من الكُفْر، والفِسْقُ يقعُ بالقَليلِ من الذُنُوبِ وبالكَثيرِ، ولكِن تُعورِفَ فِيمَا كانَ بكَثيره. وأكثرُ مَا يُقالُ الفاسِقُ لمَنْ التَزَم حُكمَ الشّرع وأقرّ بهِ ثمَّ أخلّ بجَميعِ أحكامِه، أَو ببَعْضِها. وَإِذا قيل للكافِر الأَصْل فاسِق، فلِأنّه أخَلّ بحُكمِ مَا ألزمَه العَقل، واقتَضَتْه الفِطْرَةُ. وَمِنْه قولُه تَعالى:  (أفَمَنْ كانَ مؤمِناً كمَنْ كَانَ فاسِقاً لَا يسْتَوون ) فقابَلَ بِهِ الْإِيمَان، فالفاسِقُ أعمُّ من الكافِر، والظالِمُ أعمُّ من الفاسِق[3].

الفسق اصطلاحاً : للعلماء تعاريف مختلفة للفسق تصب في معنى واحد على اختلاف فيما بينها في تحقيق المراد الاصطلاحي من الكلمة، فمنهم من قال: هو ارتكاب الكبائر أو الإصرار على الصغائر[4]، ولعل التعريف الأجود للفسق عند الفقهاء بأنه: ارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة أو صغائر ولم تغلب طاعاته معاصيه[5].

وما أختارُه لتعريف الفسق بأنه: ارتكاب المكلف المختار العالم بالتحريم ما ثبت أنه كبيرة ولم يتب منها، أو ارتكابه لصغائر بحيث تغلب هذه الصغائر على طاعته .

ويزاد عليه في الفسق الاعتقادي: مع السلامة من بدع الاعتقاد .

ولتوضيح هذا التعريف لابد من الوقوف على بعض المصطلحات الواردة فيه:

– الكبائر: عرف العلماء الكبائر بتعريفات كثيرة، تتفاوت في جودتها ودلالتها على المعنى المراد، وقد اجتهدت في صياغة تعريف جامع مانع للكبيرة فكان على النحو التالي:

الكبيرة : هي كل ذنب أوجب حداً في الدنيا أو وعيداً في الآخرة، بنص القرآن أو السنة الثابتة، أو عظمت مفسدته بما يماثل المنصوص عليه .

فالحدود كالقتل و الزنا و شرب الخمر والسرقة والقذف…

والوعيد في الآخرة  يشمل:

–  العذاب بالنار

– اللعن من الله سبحانه وتعالى أو رسوله

– عدم دخول الجنة

 – أو عظمت مفسدته بما يماثل المنصوص: مثال ذلك تعاطي المخدرات، فهي من الكبائر وإن لم يرد فيها النص، وذلك لعظم المفسدة المترتبة على هذا الفعل .

– الصغائر: للعلماء أيضاً تعاريف متعددة للصغيرة، والذي اختاره في تعريفها هو : أن الصغيرة هي كل ذنب لم يوجب حداً في الدنيا أو وعيداً في الآخرة ، وكان قليل المفسدة . مثال ذلك: النَّجْش، والخِطبة على الخِطبة، والبيع على البيع، واللعب بالنرد.

– البدعة : من أفضل تعاريفها هو تعريف الشُّمُنّي [6]: (ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله – – من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة واستحسان، وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما )[7].

مثل بدعة الخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والقدرية بالدرجة الأولى فكل من تلبس بأصل من أصول أصحاب هذه الفرق أو كثرت مفردات أصحابها عنده يعتبر فاسقاً فسق اعتقاد .

وبالتتبع لأقوال الفقهاء نجد بأنهم إذا أطلقوا فسق الاعتقاد أو أصحاب البدع فإنهم يقصدون أصحاب بدع الاعتقاد من الخوارج والشيعة والمعتزلة والمرجئة والقدرية، وقد يلحق بهم أصحاب بدع العبادات بحيث تكثر وتغلب على أعمالهم .

خلاصة معنى الفاسق : النتيجة أن الفسق يتحقق بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة، ولم تغلب طاعاته على معاصيه[8]، أو تلبس ببدعة من بدع الاعتقاد، أو كثرت لديه بدع العبادات بحيث غلبت على حاله .


[1] تاج العروس (26/ 304).

[2] مقاييس اللغة (4/ 502).

[3] تاج العروس (26/ 302).

[4] البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (6/ 284).

[5] تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي (6/ 269).

[6]الشُّمُنِّي(801 – 872 هـ) أحمد بن محمد بن محمد بن حسن ابن علي الشمني القُسَنْطيني الأصل، الإسكندري. أبو العباس، تقي الدين: محدّث مفسر نحوي. ولد بالإسكندرية، وتعلم ومات في القاهرة. من كتبه (شرح المغني لابن هشام – ط) و (مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا – ط) و (كمال الدراية في شرح النقاية – خ) في فقه الحنفية  . لأعلام للزركلي (1/ 230)

[7]الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 561).

[8] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/ 257).