يُقِرُ الكاتب في الصفحة 187 تحت عنوان “اشارة” بأن ما ورد في الكتاب –في معظمه- هو تجميع لمقالات صحفية كان قد نشرها في صحف ومواقع الكترونية( الحياة اللندنية والخليج الإماراتية والدستور الأردنية والعربي الكويتية ويتفكرون المغربية وألف المصرية)،اما الملحق في الدراسة فهو ورقة بحثية باللغة الانجليزية القاها المؤلف في مؤتمر ثم ترجمها للعربية في هذا الكتاب.
يشكل الكتاب نوعا من المزج بين الأدب( تحليل روايات وأدب رحلات) والتاريخ( الاسلامي كما يراه مفكر غربي) والسياسة( كما يتخيلها مفكر سياسي غربي ايضا)، وطغى على الدراسة نوع من ” المراجعات ” التي تنتشر في الدوريات العربية والاجنبية(literature Review)، فهي عرض وتحليل لجوانب مختارة من دراسات برنارد لويس،وصموئيل هنتينغتون و فيديادر سوراجبراساد نايبول، لكن الكاتب ركز على الفكرة التي تجمع الثلاثة وهي ” كراهية الاسلام والمسلمين” ، ثم الربط بين الكُتاب الثلاثة وصُناع القرار في الدوائر الغربية لاسيما الامريكية من خلال المساهمة في خلق ” عدو جديد” بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتقديم الحضارة الاسلامية او الاسلام السياسي كخطر على الحضارة الغربية، ويمكن القول أن الكاتب إتكأ على استنتاجات إدوارد سعيد في كتابه المشهور ” الاستشراق” بخاصة في تحليله للمنظومة المعرفية الغربية من زاوية صورة الشرق في تلك المنظومة، وحاول ان يجعل من هذه الصورة الاساس الفكري للتبرير الغربي لاحتلال العراق وافغانستان وكل ما ترتب على المواجهات مع تنظيمات الاسلام السياسي.
بناء على ما سبق، أرى ان الكتاب لا ينطوي على أي جديد، فكل من برنارد لويس وصموئيل هنتينغتون قُتلا بحثا وتفنيدا واتهاما في الدراسات العربية،بل وأُعدت سلسلة من الاطروحات الجامعية حولهما وحول أدوارهما السياسية المباشرة-بخاصة هنتينغتون- او غير المباشرة كما هو الحال في روايات نايبول والذي يميل كاتبنا للقول بأن أحد اسباب حصوله على جائزة نوبل كان بسبب موقفه من الاسلام والمسلمين.
لذا، لا أرى ان الكتاب الذي بين أيدينا يشكل مساهمة أو يكشف عن بعد غير مطروق في الكتابات العربية لمضامين الكُتاب الثلاثة ، فحتى بعض روايات نايبول مترجمة للعربية منذ ما يقرب من ربع قرن( مثل رواية منعطف النهر(دار الهلال-1992 أي بعد 15 سنة من صدور الرواية) التي اشار لها كاتبنا ب” منحنى النهر(صفحة 120) الامر الذي اثار شكي في عدم اطلاعه على الترجمة العربية.ويكفي وضع اسم الرواية”منعطف النهر” على غوغل سنجد عشرات المواقع التي قامت بتحليل هذه الرواية التي تعد من أهم ما انتجه نايبول، بل إن الاستنتاجات التي يصل لها كاتبنا لا تختلف في أي بعد عن استنتاجات الكتاب العرب الآخرين حول نايبول، ويكفي النظر في المقال التالي – كمثال- : محمد القصبي: أفكار هذا الرجل- الوطن- ديسمبر 2001
لذا ارى ان أفكار ” الاحساس الاسلامي والعربي بالدونية تجاه الحضارة الغربية، او مشاعر”الحسد والغيرة الاسلامية للغرب، او الشعور بأن من كان المسلمون يحكمونهم اصبحوا هم المتحكمين في العالم، او الايحاءات المباشرة او الضمنية بان المسلمين هم من قسم الهند وسلخ السند (نايبول)…الخ هي كلها افكار متداولة منذ عقود، كما ان تغييب الكتابات الغربية لدعم الغرب للديكتاتوريات العربية والاسلامية او الدور الغربي في وجود وتطور اسرائيل متداولة هي الاخرى منذ عقود…لا أرى في الكتاب أكثر من تجميع ” لمراجعات فكرية متداولة”.
في حوالي 181 صفحة تتوزع على فصول ثلاثة وملحقين ومقدمة تشير الى الصورة النمطية المعاصرة للإسلام والمسلمين في العالم الغربي ، وهي صورة أقل عمقا وتبصرا من الصورة التي كتبها المستشرقون الأوائل، وقد مهدت هذه الصورة المعاصرة للاعتداء على الدول الاسلامية وتبرير لنزعة التفرد الامريكي بالقرار الدولي، وتشير الدراسة لمقارنة بين هذه الصورة الغربية للاسلام وبين مستوى التسامح الاسلامي نحو الغرب كما وقع في تجربة الحكم العربي في اسبانيا.
اما الجزء الاول- تمهيد- من الدراسة فيخصصه الكاتب للمؤرخ الامريكي البريطاني برنارد لويس مؤكدا على صلته بالمخابرات البريطانية(الصفحات 23 و53) ناهيك عن علاقاته الحميمة مع السياسيين الاسرائيليين ودوره في خلق اطار فكري لتبرير الاعتداءات الامريكية على العراق وافغانستان( ينفي الكاتب معرفته بخريطة تقسيم المنطقة على اسس اثنية والتي نسبها البعض للويس).
ويبدي الكاتب في البند الثاني من هذا الجزء حيرته من صورتين متناقضتين رسمهما لويس للاسلام، احدهما ايجابية بخاصة في فترات معينة وأخرى سلبية تتبدى في الاحساس العربي والاسلامي العميق بالدونية تجاه الغرب.
وفي الجزء الثالث من هذا القسم يشير الكاتب الى تحليلات لويس لآثار انهيار القومية العربية وتراجع اهمية النفط وانهيار الاتحاد السوفييتي ، وكل ذلك يترافق- حسب لويس- مع تراجع قوة السلطة المركزية في الدول العربية-مستثنيا مصر- مما يمهد لتفكك الدول العربية على اسس اثنية ومذهبية وفروع الثقافات الفرعية.
وفي البند الرابع ينتقل الكاتب لعرض أفكار لويس الخاصة “بالاحباط التاريخي للعرب،والذي يؤرخ بدايته من معاهدة كارلوفيتز عام 1699(صفحة 44) وما تلاها من هزائم ،وكيف تبين المسلمون تفوق النموذج الغربي وتحديدا بسبب غياب الحرية في العالم العربي وبين المسلمين(ويعقب الكاتب بتنبيه لويس لدور الاستعمار في هذه المسألة)، وينتقد الكاتب برنارد لويس في قبوله توظيف معرفته التاريخية لأغراض سياسية ، وهو ما يتضح في مدحه للامبراطورية البريطانية وتعاطفه مع اسرائيل وعلاقاته مع الادارة الامريكية بخاصة في عهد جورج بوش الابن وفريق المحافظين الجدد.
ينتقل الكاتب في الجزء الثاني من دراسته الى عالم السياسة الامريكي صموئيل هنتينغتون وبخاصة نظريته حول صراع الحضارات، وبعد ان يعرف على اهم افكار ودراسات وأدوار هنتينغتون، يعود لعرض نظرية صراع الحضارات مؤكدا على فكرة ان السياسة الكونية لا تفسر في قسماتها الكبرى الا من خلال الصراع بين الحضارات،وان جوهر الكتل المتصارعة هو “هوياتها الثقافية” مؤكدا في الوقت ذاته على ان الغرب في طريق الانحدار بينما تتمدد الحضارة الآسيوية(الكنفوشية) ويتزايد المسلمون في نسبتهم السكانية عالميا.ويحدد هنتينغتون نقاط الصراع في “الخطوط الفاصلة بين الحضارات الثمانية(واحيانا السبع)، لكن الصراع سيتمحور حول 3 حضارات مؤكدا على تقارب الحضارة الاسلامية والكونفوشية ضد الغرب.
ويقارن الكاتب بين ما يراه انحياز هنتينغتون وموضوعية توينبي(البريطاني) وشبنغلر(الالماني) وبروديل(الفرنسي) في النظرة للحضارة الاسلامية. ثم يستعرض الكاتب اهم الانتقادات لنظرية صراع الحضارات مثل فؤاد عجمي (اتهمها بالتبسيط) وكيشور محبوباني(تجاهل الضعف البنيوي في النظام الغربي ومنظومته القيمية) وجيم كيركباتريك(الصراع داخل الحضارات لا يقل عن الصراع بينها).
وينتقل في النهاية الى هوية امريكا في القرن الحادي والعشرين ويحددها في” نشوء امريكتين بروتستنتية بلغة انجليزية وهسبانية بلغة اسبانية مناديا بالعودة للعقيدة الامريكية كما طرحها جيفرسون، وفي الجزء الاخير، يعرفنا بالروائي نايبول(التريندادي ذي الاصول الهندية والثقافة الغربية) مما خلق لديه عقدة المثقف الكوزموبوليتاني المتحرر من محليته، ويركز على الصورة السلبية لديه عن المسلمين بخاصة دورهم في الهند، وموقفه من السعودية واعتباره الاسلام “امبريالية دينية” زاعما ان الاسلام تمدد بدوافع”اقتصادية” ويرى في كل من اعتنق الاسلام من غير العرب “مرتدا”، وتنتهي الدراسة بملحق مكتوب عام 2011 حول صورة العرب في الاعلام الغربي مستعرضا الى جانب من سبق كلا من توماس فريدمان وفوكوياما ودراسات الاقاليم في الجامعات الامريكية،محاولا الرد على الافكار الغربية بعرض موجز لأفكار البعض مثل سلمان رشدي ورشيد الخالدي الذي فسر العداء للغرب بتدخلاته في المنطقة ومساندته الكبيرة لاسرائيل، ناهيك عن تكرار افكار كل من هنتينغتون وبرنارد لويس.
من العسير البحث عن منهجية في هذا الكتاب بسبب طبيعة الموضوع المُختار، فنحن امام ” انتقاء” لثلاثة من النخبة الفكرية الغربية(او المتشبعة بالفكر الغربي) وعرض لمواقفهم السلبية من الاسلام والمسلمين، ويمكن لباحث آخر أن يأخذ عينة مقابلة من المفكرين الغربيين ممن لهم رؤية مخالفة، ويكفي ان ننظر في انتاج روجيه غارودي(الفرنسي) او تشومسكي(الامريكي) أو جون اسبوسيتو (John Esposito) بخاصة كتابه الموسوم “The Islamic Threat Myth or Reality) والذي راى ان صورة الاسلام في الفكر الغربي هي صورة لا تستند لمعرفة بمقدار استنادها لترسبات واعية وغير واعية صنعها التاريخ والاعلام او كتاب الاسلام المتخيل للفرنسي Thomas Deltombe))..الخ، مع الاقرار أن الصورة الطاغية للاسلام هي الصورة السلبية.
لو أن الباحث جعل الكتاب عرضا لعينة من المفكرين الغربيين ذوي النظرة السلبية وعينة أخرى من ذوي النظرة الايجابية – او لنقل النظرة الموضوعية- ثم قارن بين عمق وقوة حجة كل من الطرفين لكانت الصورة أكثر جدوى وأكثر توازنا.
من جانب آخر، أرى ان الكاتب في عرضه لكتاب صراع الحضارات كان اقل دقة من عرضه لكتابات برنارد لويس ونايبول، لا سيما في الاجزاء الخاصة بتنبؤات هنتينغتون المستقبلية(أؤكد العلاقة المستقبلية ) للعلاقة بين المسلمين والغرب(والتي لم يتنبه لها الكاتب رغم دلالتها الهامة)، وتفسير هنتينعتون لإشكالية موضوع الدولة المركز في الحضارة الاسلامية (وبخاصة المقارنة بين ايران والسعودية ومصر واندونيسيا..الخ)(صفحة 85).
كذلك، إذا كان احد الانتقادات الموجهة لبرنارد لويس هي عدم التمييز بين تنوعات المجتمع الاسلامي وتعميم النظرة ، فإن الكاتب لم يوضح لنا حدود النظرة للعرب من ناحية وبقية الشعوب الاسلامية من ناحية اخرى (وهو ما كان واضحا في تمييز نايبول لماليزيا عن بقية المجتمعات الاسلامية).
لا شك ان عنوان الدراسة متسق مع مادة الكتاب، فالعنوان حول كراهية الاسلام، والكتاب الذين اختارهم الكاتب هم من عتاة المنظرين لهذه الكراهية، لكني لا ارى في الكتاب أكثر من “إعادة عرض الكتب” ولكن تلك التي بُحثت بشكل كبير.