أسوأ ما يمكن أن تبتلى به أي مؤسسة أو شركة أو وزارة أو أي موقع عمل، هي عدم الاستفادة من أخطاء الماضي، بل السير في الخطأ نفسه حتى بعد معرفته.. فالإداري الناجح، سواء كان مديراً أم رئيساً أم وزيرا، هو من له القدرة على التنبه للخطأ أو الأخطاء في القسم أو الإدارة أو الوزارة، ومن ثم يعمل جهده على قطع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تكرار الخطأ.
الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يقول في سياق الموضوع :” إن ما يثير الحسرة، هو رفض دراسة الأخطاء التي تورط فيها بعضنا، ولحقت بنا من جرائها خسائر فادحة.. إنني أسارع إلى القول بأن الأخطاء لا تخدش التقوى، وإن القيادات العظيمة ليست معصومة ولا يهز مكانتها أن تجيء النتائج عكس تقديراتها.. إنما الذي يطيح بالمكانة هو تجاهل الخطأ ونقله من الأمس إلى اليوم وإلى الغد”.
مشكلتنا الإدارية على جميع المستويات، بدءاً من أصغر موظف الى الزعيم الأوحد، تتلخص في أننا لا نعترف بالخطأ، حتى لو ثبت الأمر علينا، وظهر أمر المتسبب في الخطأ.. بل يظل المرء منا يدافع عن نفسه ويحاول التنصل والتبرير إلى آخر نفس فيه، ويظل يجادل ويظل متنقلا في مواقع الدفاع من موقع التبرير إلى الجدال، ومن ثم إلى المراء حتى ينتهي به الأمر إلى العناد.
إن السبب في ذلك يعود إلى العقلية التي نحن عليها، وإلى التربية التي نشأنا عليها.. إذ لم نتعلم من خلال مناهجنا التعليمية وثقافة المجتمع أن نسمو على أنفسنا في مثل تلك المواقف، فيتعلم المرء منا وينتقل من عقلية التبرير إلى الدخول في منهج دراسة أسباب التقصير.. إضافة إلى الاتصاف بروح الشجاعة التي تأبى الكذب وتتجه إلى الاعتراف بالخطأ، من باب إن ذلك الاعتراف من الفضيلة والشجاعة.
إن غياب تلك الروح وتلك الثقافة الراقية من الأسباب الرئيسية لابتعاد التوفيق عن أعمالنا، وعدم الوصول إلى النجاح في الوقت المناسب وبالصورة المرغوبة.. قد تجد البعض يخلص في ترتيب وإصلاح ما لحق به الضرر في موقع العمل، بسبب أخطاء ماضية.. ولكن ذلك الإخلاص والحماسة نحو الإصلاح دون دراسة الأخطاء الماضية يمكن أن يؤدي إلى تكرار الخطأ من جديد ولو بعد حين..
إن ترتيب المواقع وتغيير الوجوه والصور لا يكفيان كعلاجات للمشكلة، بل إنهما جزء من العلاج فقط.. إذ إن الاهتمام بالشكليات والمظاهر الخارجية لا يجدي، بل إنها مؤقتة وسرعان ما تزول، وتعود الأمور إلى سابق عهدها، وتعود حليمة إلى عادتها القديمة!!
إن الاهتمام هنا لا بد أن يكون مركزاً على الأعماق والوصول إلى الجذور والأساسات، فإن الخلل في هذه المواضع كالسوس، ينخر فيها حتى مرحلة الخطر والانهيار، وإن التنبه إلى تلك المواضع من شأنه تدارك الأمور وعلاجها، ومن ثم ضمان أمن الموقع واستمراريته، لأن الوصول إلى الجذور وعلاج الآفات بها هي الخطوة الأولى، ومن ثم لا بأس من التحول إلى بعض الشكليات والمظاهر الخارجية، وهي التي نسميها اللمسات الأخيرة التي تعطي الموضوع كله رونقاً وبهاء.
إن السير عكس ذلك الطريق في العلاج، أشبه بمن يقاوم النهار الطالع، أو من يحاول إمساك الليل المدبر!! والإقرار بالخطأ، يزيل نصف الخطأ.