طارق ديلواني

   مهرجان صاخب ومشبوه كان في كل جمعة يدعى “البرايم” أفسد عقول فتياتنا قبل شبابنا.. أسماء غربية لفتيات لا يجدن إلا التحدث بالفرنسية باتت تحفظها فتياتنا عن ظهر قلب.. هذه تتمنى فوز “لاميتا”، وتلك تبكي لخروج “صولانج”، وأخرى تتغزل بجسد “إلين” بلباس البحر.

24 ساعة من التسمر أمام شاشة التلفزيون لا لشيء إلا لمتابعة حركات وسكنات فتيات “مس لبنانون 2004”.. نستيقظ معهن صباحا ونغفو على أحاديثهن الساذجة ونرقص على جراح أمتنا كما يرقصن هن بكل احتراف.

نشاهدهن مرة بلباس النوم وأخرى بملابس الرياضة وثالثة بدون ملابس!!

شبان يتبادلون صورهن عبر الموبايل.. وفتيات يقلدونهن في كل شيء.. فتاة في عامها الثامن تتمايل كما يتمايلن؛ لاعتقادها بأن على الفتيات أن يمشين بهذه الطريقة، وأخرى تحاول إظهار بطنها لشعورها بأنها تزيدها جمالا..

هوس مسابقات ملكات الجمال هذا طال كل بيت تقريبا في الأردن بفضل إحدى الفضائيات اللبنانية التي تكفلت مشكورة أيضا بنقل حفل “مس وورلد 2004”.

هوس محوره المرأة وجسدها وهدفه جيل ينشأ عنه ثقافة ستار أكاديمي وسوبر ستار وعولمة “الجسد”.

الجمال.. أردنيا

قبل نحو 5 سنوات فشلت محاولة أردنية يتيمة لتنظيم أول مسابقة لملكة جمال في

الأردن فرُدَّ المنظمون على أعقابهم واصطدموا بكم هائل من المعتقدات والتحفظات والمعارضة من قبل مجتمع مغرق في المحافظة والتدين والموروث الاجتماعي إلى عهد قريب.

إعلانات في الصحف فاجأت الشارع الأردني ذلك اليوم تتحدث عن اختيار ملكة جمال الأردن خلال مسابقة جرى التكتم عليها وحصرها في أحد المطاعم بعد أن رفضت فنادق كثيرة إقامة المسابقة خوفا من رد فعل الشارع وحضرها عدد محدود من الأردنيين.

وكانت تلك المسابقة الأولى والأخيرة على ما يبدو في تاريخ الأردن، وفازت بها فتاة أردنية لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها من بين ست فتيات فقط شاركن في المسابقة غرر بهن وتم إفهامهن أنها ليست مسابقة للجمال، وإنما لعرض بعض الأزياء التراثية، وهكذا ذهبت محاولات تنظيم عرض مواصفات “الجمال” الأردني إلى غير رجعة.

وقد دفعت الضجة التي أحدثها الإعلان عن المسابقة الحكومة الأردنية إلى تأكيد عدم مسئوليتها عن هذه المسابقة.

لكن في المقابل دفعت هذه المسابقة آنذاك بمعظم الفتيات اللاتي سجلن أسماءهن ووصل عددهن إلى 120 فتاة للانسحاب من المشاركة؛ الأمر الذي يعني وجود عدد من الأردنيين ممن يتقبلون فكرة إقامة مسابقات الجمال في الأردن.

بين الإهانة والتكريم

تذهب الكثير من الآراء للقول بأن إقامة مسابقات ملكات الجمال إهانة واضحة للمرأة، بينما يرى البعض الآخر -وهم قلة- أنها فرصة للاحتفال بالجمال، كانت مصر ولبنان -وما زالتا- الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين تقام فيهما مسابقات ملكات الجمال بشكل سنوي، وفي سنوات انحسار المد القومي وبدء المد الإسلامي وبعيد النكسة بقليل توجت اللبنانية العربية جورجينا رزق بلقب ملكة جمال الكون في عام 1971.

لكن مسابقات الجمال ظلت محظورة شعبيا حتى يومنا هذا رغم كل المحاولات لتمريرها، فدفع انتقاد مسابقات انتخاب ملكات الجمال منظميها إلى التركيز أكثر على المؤهلات الثقافية والفكرية للمتسابقات، والابتعاد عن الاعتماد الكامل على جمال شكلهن الخارجي خلال عملية التصويت في محاولة لإقناع الآخرين بفكرة الاحتفاء بالجمال.

ويرى “محمد عدنان” أن هذه المسابقات تقلل من قيمة المرأة، وتنتقص من دورها العظيم، وتجعلها مجرد تسلية ولهو، وهذا برأيه سبب كافٍ لرفض هذه المسابقات. كذلك يعتقد “عمرو جبارة” أننا يجب ألا نسير وراء كل دعوى هدامة وإن ادعى أصحابها المدنية والتحضر.

وفي رأي أكثر نضوجا تعتقد “سامية خليف” أن ملكات الجمال هي نتاج للترف الفكري الذي ينتشر في الدول الغربية بعدما أتخمها التقدم العلمي والتكنولوجي وعصر المعلوماتية.

وبينما يعتبر “سائد” أن توقيت عرض هذه المسابقات مقصود تماما، يتساءل “أسعد حجاج” عن الفائدة التي نجنيها كعرب ومسلمين من هذه المسابقات التي تعرض الأجساد ويصفها بأنها محاكاة عمياء لمجتمعات غربية تسعى دائما إلى استنزاف الشباب العربي بشتى الوسائل.

لكن محمد سعد بريزات يرى أنه لا ضير من الاحتفاء بالجمال، ولكن ضمن حدود، بحسب رأيه.

مواصفات خيالية

إن مسابقات ملكات الجمال خلقت نوعا جديدا من المقاييس الجمالية التي بات يحلم بها كل شاب وهو ما قد يخلق أزمة مواصفات لدى المقبلين على الزواج.

وهذا مما وسعته علينا وسائل الإعلام، والشبكات العنكبوتية، حتى اتسع الخرق على الراقع، فأصبح الشباب على خبرة كبيرة بأنواع النساء ومواصفاتهن والمفاضلة بينهن في أدق التفاصيل.

فإذا بالشاب يضع لزوجته المنتظرة مواصفات ومقاييس تشبه المقاييس التي تضعها لجنة اختيار ملكات الجمال.. فهو يريدها شقراء، هيفاء خصراء، زرقاء العينين، مزججة الأنف، صغيرة الفم، مليحة الوجه، أسيلة الخد، رشيقة القد، ممتلئة القوام..

صناعة “ملكات الجمال”

ومن ملكة جمال العالم مرورا بملكة جمال الكون وملكة الجمال الدولية وانتهاء بملكة جمال المغتربين وملكة جمال الإنترنت وملكة جمال العارضات تتنازع شركات عالمية للتكسب من مشاهدة أجساد الفتيات بلباس البحر فلم تبق مناسبة ولا مرفق ولا حتى فاكهة بمنأى من تتويج ملكة جمال لها، حتى البشاعة ثمة ملكة جمال لها والأحلام أيضا كما الشواطئ كما الاستقلال والسياحة والرقص والثانويات والجامعات والمدارس.

لكن تعقب أطوار صناعة ملكات الجمال في لبنان ووظائفها المتعددة في مستهل تسعينيات القرن المنصرم يوضح كنه هذه الصناعة.

في منتصف الثمانينيات وفي وقت لم يكن قد مضى على انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية سوى فترة وجيزة وقفت إحدى الفتيات المتباريات على لقب ملكة جمال لبنان في حفل انتخاب متلفز، لتجيب على سؤال وجهه إليها أحد أعضاء لجنة التحكيم يستفسر فيه عن مبتغاها من سعيها للفوز بلقب ملكة جمال لبنان… نظرت المتبارية ناحية الكاميرا، وكان التوتر بادياً عليها، وأجابت بأنها إنما تبغي من سعيها هذا تحسين صورة لبنان التي شوهتها سنوات الحرب، والقول للعالم بأن لبنان بلد سلام ولديه “بنات حلوين”!!.

أنهت الفتاة إجابتها وتقدمت خطوتين على المسرح باتجاه لجنة الحكم ووقفت حيث يتسنى لهم تفحص جسدها ووضع علاماتهم لها، لتعود وتغادر بعد ذلك المسرح إلى الكواليس. غادرت الفتاة المسرح إلى الكواليس من غير أن يستوقفها أحد ليسألها عن الرابط بين “البنات الحلوين” وبلد السلام.  

ولا ندري أيضا ما الذي يربط بين الإعلام وملكات الجمال؟.. ففي السنوات الأخيرة درجت موضة تحول ملكات الجمال إلى العمل الإعلامي في التلفزيون والفضائيات وسيطرن على الساحة الإعلامية على الرغم من ضعف مستوى وسطحية ثقافة هؤلاء الجميلات.

ومن لبنان إلى مصر التي توقفت فيها مسابقة ملكة الجمال طوال ثلاثة عقود بسبب

صعود المد الإسلامي فيها خلال سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم بعد أن كانت قد عرفت تلك المسابقة فترة طويلة امتدت من العام 1943 حتى العام 1969 وحين أقيم أول حفل علني لهذه المسابقة في العام 1999 لم يمر من غير احتجاجات كثيرة رافقته، وصلت إلى أروقة مجلس الشعب وتدخل فيها الأزهر مصدراً فتوى بتحريم المسابقة في وقت تخلفت جميع الفائزات المصريات عن الاشتراك في المسابقات الجمالية العالمية بسبب وجود فقرة في هذه المسابقات تتضمن مرور المتسابقات بلباس البحر.

أما في البلدان العربية الأخرى التي عرفت مسابقات الجمال في وقت متأخر، أواخر التسعينيات مثل المغرب، فلا زال حفل الانتخاب يتم في إطار مغلق وشبه سري، وباستثناء هذه البلاد العربية الثلاثة لم تعرف مسابقات الجمال طريقها إلى دول عربية أخرى.

وقد يحسب المتابع أن غاية مسابقات الجمال في كل عام إنما تنتهي بتسمية ملكة العام في الحفل الختامي. لكن غايات “عولمة الجسد” هذه كثيرة وعديدة وأولها أن دور عرض الأزياء التي تكاثرت في الآونة الأخيرة بشكل مضطرد تتخذ من هذه المسابقات الكثيرة مناسبة للعثور على الفتيات المؤهلات لعرض الأزياء.

وعموما يشرف على تنظيم مسابقات ملكات الجمال في عالمنا العربي على الأقل

العديد من شركات التجميل والدعاية بداية من أواخر الثمانينيات من القرن الماضي تبث منتجاتها عبر إعلانات مزوية في الصحف وباللغة الإنجليزية وبإشراف من مندوب أمريكي من منظمة ملكة جمال الكون.

أسلمة.. مسابقات الجمال!

قبل عام تقريبا أطلت فتاة فلسطينية محجبة من عرب 48 تدعى “منى خلايلة” على شاشات التلفزيون للمشاركة في مسابقة ملكات الجمال بعد أن أصدرت إحدى المجلات النسائية التي تصدر لعرب 48 إعلانا عن مسابقة لملكات الجمال بين الفتيات، وكان شرط المواصفات الشكلية آخر شروط المسابقة بعد عدة شروط وضعها المنظمون منها: التفوق في أي من مجالات الرياضة أو الأدب أو الفن أو الدراسة، ثم الموهبة في المجالات المختلفة، ثم الطموح في الحياة العملية والإعداد لذلك، وجاء في نهاية الشروط: “الطلّة الجذابة”..!

وحاول القائمون على تلك المسابقة المزج بين فكرة مسابقات ملكات الجمال الغربية التقليدية، ومسابقة ملكة الأخلاق التي نظمتها جمعية “نهضة المرأة” برأس الخيمة في الإمارات عام 2001 والتي اعتمدت فكرتها على قياس مدى التزام المشاركة بتعاليم دينها، ومدى مساهمتها في تنمية مجتمعها حسبما يدعوها دينها، مع عدم الاهتمام بجسد الفتاة ومفاتنها.

ويتم اختيار الفائزة بالمسابقة وفق معايير منتقاة تلزم المتقدمات باجتياز جملة من الاختبارات التحريرية والشفوية، وعمل مشروع عن إمارة رأس الخيمة، إضافة إلى سبر أغوار شخصية الفتاة ومدى إلمامها بالدور الحضاري لبلدها.

وقد أثارت فكرة ملكة جمال الأخلاق في حينها الكثير من ردود الفعل الإيجابية كبديل لدعاوى الانحلال والابتذال.

وكانت “جمعية نهضة المرأة” في إمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات قد عقدت مسابقة مماثلة لمسابقة ملكات الجمال، ولكن من نوع مختلف تمامًا لا تولي اهتماما بجسد الفتاة ومفاتنها بل تهتم بقياس مدى التزامها بتعاليم دينها ومشاركتها في تنمية مجتمعها حسبما يدعوها دينها، ونظمت جمعية نهضة المرأة المسابقة تحت رعاية حرم حاكم رأس الخيمة، بهدف تشجيع المنافسة بين الفتيات، من خلال تشجيعهن على الالتزام بتعاليم دينهن، وتوعية الفتيات بأهمية العمل التطوعي من أجل خدمة الوطن واكتشاف المبدعات والمميزات، والعمل على صقل إبداعهن ومواهبهن وتطويرها للأفضل.


  مراسل إسلام أون لاين.نت