اقرأ أيضا:
وفي الآية الأخرى: “إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”، نلحظ استشعار النبي صلى الله عليه وسلم لمعية الله سبحانه وتعالى، فرغم خوف أبي بكر من المشركين الذين عبر عنهم بقوله: “يا رسول الله، لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا”، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر، ما ظنك باثنين، اللــــه ثالثهما، يا أبا بكر، لا تحزن، إن الله معنا”، إن المسلم الذي يسير في طريق الله يجب أن يستشعر بأن الله معه، فينزل هذا على قلبه الطمأنينة والسكينة على قلبه، وهذا ما طمأن الله تعالى به موسى حين خاف الذهاب إلى فرعون، وقال لله: ” قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى”، وتعلم موسى الدرس حين خاف بنو إسرائيل من فرعون حين جاء وراءهم بخيله ورجاله، وقال بنو إسرائيل: “إنا لمدركون”، فرد عليهم موسى: “كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ”.
وحين يكون المؤمن على حق، فليوقن أن الله تعالى سيحفظه بما يحفظ به عباده الصالحين، فلله جنود السماوات والأرض، وقد حفظ الله تعالى رسوله بملائكته، لا كما ورد في الروايات الضعيفة من حكاية الحمامتين والعنكبوت، وأصبحت معلما من معالم السيرة، فظاهر القرآن يقول: “وأيده بجنود لم تروها”، وهي الملائكة، فقد حمى الله رسوله بملائكته حين خرج من بيته، وحماه في الغار، فكانت الملائكة تحرس المكان، وتمنع المشركين من الوصول إليه، مع كونهم وصلوا إلى المكان، ومع كون الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ بكل الأسباب الممكنة، ولكن كانت الحماية بملائكة الله تعالى، وهو تعليم للمسلمين الذين يأخذون بالأسباب، ويبذلون كل ما في وسعهم، فإن الله تكفل بحمايتهم من كل شر، فقد يكاد للمرء في عمله، لأنه مخلص، أو لأنه يحارب الفساد والحرام، ويتكالب عليه الناس، ويكيدون له،ٍ فعليه بالأخذ بالأسباب، مع الاستعانة بالله تعالى، فإن الله تعالى سيحميه كما حمى رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولا يظن أن حماية الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالملائكة خاصة به وحده، فإن من أهم وظائف الملائكة حماية المؤمنين الصادقين، وقد قال تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ } الرعد:11، وقد ورد أن المرء إذا قرأ آية الكرسي قبل أن ينام لا يزال عليه حفيظ من الله حتى يستيقظ.
{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا}، فدائما ما تكون كلمة الباطل واهية، وكلمة الحق ثابتة راسخة، وإن الحق دائما يحمل في طياته أسباب قوته واستمراره، وإن الباطل يحمل في جنباته أسباب انهياره، مهما بدا عظيما، فإنه كغثاء السيل، يهيج في البحر بلا شيء يفعله.
ومن العجيب ذلك الارتباط بين الهجرة والفتح، الذي قد نلمحه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا هجرة بعد الفتح”، فيفهم منها أن الهجرة كانت فتحا، وكل هجرة يفعلها المسلم يكون بعدها فتح له من الله سبحانه وتعالى، فالذي يهجر الكسب الحرام، فليبشر بفتح من الله تعالى رزق واسع منه، ومن ترك وظيفة لأنها حرام، فإن الله سيبدله فتحا؛ وظيفة خيرا منها، ومن ترك الزنى المحرم، رزقه الله تعالى الزوجة الصالحة، خيرا مما كان فيه، وهكذا، وذلك لأن الإنسان إن كان يترك الشيء لله، فليس هو بأكرم من الله، فإن الله مبدله خيرا، وقد قال تعالى: {وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} الطلاق: 2- 3.
وفي الهجرة نحن في حاجة أن نوقن بمعية الله تعالى لنا، وأن نوقن أن الملائكة جنود لله، يحمي بها عباده الصالحين على مر العصور والدهور، وأن الهجرة إن كانت تعني الترك، فإن كل ترك لله، سيبدله الله تعالى بخير منه لعباده الصالحين، ومصداق هذا تجارب الصالحين في وظائفهم، وعلاقتهم مع الناس في البيت والشارع والمسجد والجامعة والحقل وفي كل مكان.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين