إن أهم إيحاءات قصة آدم عليه السلام هي القيمة الكبرى التي يعطيها التصور الرباني الذي يرسمه الله للإنسان حتى يسير على هداه في رحلة الأرض، والذي يتضح في قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [البقرة:38-39]؛ إنها كانت وصية إلهية لآدم وزوجه حين أخرجهما من الجنة وأهبطهما إلى الأرض. وقد جاء في سورة طه قوله عز وجل: ﴿قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ﴾ [طه: 123].
لقد أعلنت الخصومة في الملأ الأعلى بين آدم وذريته وبين إبليس وقبيله وشاءت رحمة الله بعباده أن يرسل إليهم رسلهم بالهدى قبل أن يأخذهم بما كسبت أيديهم. وقد قال تعالى: ﴿قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ، وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرا، قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ، وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ يُؤۡمِنۢ بَِٔايَٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ ﴾ [طه:123-127].
كانت هذه وصية إلهية لأبوي البشر حين أهبطهما إلى الأرض، فهي من أقدم الوصايا لذلك كانت خليقة بأن تكون سنة كونية لا يتخلف مدلولها عن أحد من خلقه في أي حال من الأحوال، والقرآن الكريم مليء بالسنن الكونية التي لا تتبدل ولا تتحول، قال تعالى: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا﴾ [فاطر: 43]. فهذه السنن ماضية، فمن اتبع هدى الله وآمن برسله وكتبه واهتدى بهم وذلك بتصديق جميع أخبار الرسل والكتب والامتثال للأمر والاجتناب للنهي، فقد اهتدى وأفلح، قال تعالى: ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة: 38]، وقال تعالى: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ﴾ [طه: 123].
لقد ترتب على اتباع هذه السنة أربعة أشياء: نفي الخوف والحزن والضلال والشقاء.
وبالنسبة لنفي الخوف والحزن فإن الفرق بينهما: أن المكروه إن كان قد مضى أحدث الحزن، وإن كان منتظراً أحدث الخوف. فنفاهما عمن اتبع هداه وإذا انتفيا ثبت ضدهما وهو الهدى والسعادة فمن اتبع هداه حصل له الأمن والسعادة الدنيوية والأخروية والهدى وانتفى عنه كل مكروه، من الخوف والحزن والضلال والشقاء، فحصل له المرغوب واندفع عنه المرهوب.
الوصية الإلهية والهُدى بالأنبياء والرسل وما يبلغونه عن الله ويبينوه للناس يجعل اتباعهم سعادة ومخالفتهم شقاء، قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَى﴾ [طه:124].
الصراع بين الحق والباطل
إن الناس في موقفهم من هدى الله فريقان:
– الفريق الأول: المؤمنون الصالحون، الذين اتبعوا هدى الله، وصدّقوا رسله، واستقاموا على طاعة الله فهؤلاء سعداء في الدنيا لا يضل أحدهم ولا يشقى وهم في أمان الله لايخافون ولا يحزنون. قال تعالى: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ﴾ [طه:123]. ﴿قُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ مِنۡهَا جَمِيعاۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُون﴾ [البقرة:38].
– الفريق الثاني: الكافرون المكذبون بآيات الله الذين أعرضوا عن ذكر الله ورفضوا هداه، وحاربوا رسله واتبعوا الشيطان، هؤلاء خاسرون هالكون، وفي الأخرة معذبون بالنار وهم الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ﴾ [طه:124]. وقال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [البقرة:39]؛ فالذين يقودون المؤمنين المهتدين هم الأنبياء والرسل ثم اتباع الرسل من العلماء والدعاة، بينما يقود الكافرين المكذبين إبليس وأعوانه من مردة الشياطين الإنس والجن.
إن هذا الأمر يؤكد حقيقة مطردة، وهي الصراع بين الحق والباطل، والمواجهة بين الخير والشر، هذا الصراع الذي بدأ منذ المشاهد الأولى من قصة آدم التي حدثت في الجنة، عندما رفض إبليس السجود لآدم، ثم زيَّن له الأكل من الشجرة وقد كان آدم أبو البشر يمثل جانب الحق، وكان إبليس يمثل جانب الباطل.
وسيبقى الصراع بين الحق والباطل قوياً محتداً مستمراً حتى قيام الساعة، وسيبقى الناس منقسمون في هذا الصراع إلى قسمين: أصحاب الحق وأصحاب الباطل.
وأصحاب الحق هم حزب الله الذين قال الله عنهم: ﴿لَّا تَجِدُ قَوۡما يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوح مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾[المجادلة:22].
وأصحاب الباطل هم حزب الشيطان الذين قال الله عنهم: ﴿ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾ [المجادلة:19].
والسعيد الموفق هو الذي يأخذ هدى الله ويتبعه، وينحاز إلى الحق ويكون من حزب الله من المفلحين والخاسر الهالك هو الذي يرفض هدى الله ويكفر بالحق، وينحاز إلى حزب الشيطان من الخاسرين.
المصادر والمراجع:
• أحمد فائز الحمصي، قصص الرحمن في ظلال القرآن، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1/579.
• صلاح الخالدي، سيرة آدم عليه السلام، ص 174
• علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، ص 592- 594.