اقرأ أيضا:
لم يقل”ألم تر إلى الظل”…الآية تنقلنا من الظاهرة الطبيعة إلى الله تعالى الذي خلقها ويسيّرها وفق السنن التي وضعها هو…من الأكوان إلى المكوّن كما يقول العلامة ابن عطاء السكندري، إذًا المؤمن لا يستغرق في الظاهرة الطبيعية – كورونا مثلا – ولكن يرتفع بإيمانه إلى الله الذي يشفي ويكشف الضرّ ويرفع البلاء…المؤمن يأخذ بأسباب الوقاية، يعالج، إذا عاش عاش مطمئنا إلى قدر الله وإذا مات مات راضيا لأن “من لم يمت بالسيف مات بغيره”…النظرة الإيمانية هي دفع قدر الله بقدر الله.
وانظروا مرة أخرى إلى قصة نوح مع ابنه فهي تفي بالغرض: كانا أمام الطوفان، وتعاملا معه تعاملا مختلفا، الإبن رأى أنه مجرد ظاهرة طبيعية يعرف كيف ينجو منها:
{قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } (هود : 43)
“سآوي إلى جبل يعصمني من الماء”، أما نوح فكانت رؤيته إيمانية- أي تجاوز التفسير العلمي إلى الحقيقة الكبرى وهي “أمر الله” -، قال “لا عاصم اليوم من أمر الله”…ما الفرق بين الأمريْن؟ النظرة المادية التي يتوقف عندها التفسير العلمي لا تتجاوز الظاهرة، أما النظرة الإيمانية فتجعل الإنسان ينتبه إلى إمكانية تحوّل الظاهرة إلى عقوبة دنيوية معجلة، اقرؤوا الآية الكريمة: { فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (العنكبوت: 40).
“فكلا أخذنا بذنبه”، أي هذه عقوبة عجلها الله لهؤلاء الأقوام، فحوّل الظواهر الطبيعية إلى جنود و أدوات ابتلاء وسحق…حدث هذا في الماضي وقد يحدث في أي زمان، وإذا كان الكفار لا يبالون بهذا فإن المؤمنين يجعلون منه فرصة للضراعة والتوبة وتجديد الصلة بالله فرديا وجماعيا، { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } ( الأنعام :43 )
“فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا”… وقد تكون الظاهرة الطبيعية ليست عقوبة ولكنها محنة تنبه الغافلين والمذنبين و تفتح أبواب التوبة من المعاصي، وقد تكون درسا لمن طغى ليعرف حجمه الحقيقي وأنه عبد ضعيف هزيل فانِ… على كل حال إنها فرصة للتصالح مع المصحف وكتب السنة والعلوم الشرعية والإقبال على الله بالصلاة والصيام والدعاء وفعل الخير…اغتنموا الخلوة لهذا الغرض.
العلم يبحث عن حلّ للوباء، وقبل كل شيء وبعده قال تعالى : { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} (التوبة : 118 )
ليس كورونا أول وباء يصيب البشرية، سنتعافى منه إن شاء الله، ويا ليت الذي يجد له علاجا يكون واحد من المسلمين، أرأيتم كيف ظهرت أهمية العلماء واختفى أصحاب الغناء والتمثيل واللعب؟
بدل الهلع والتوتّر الشديد يجب أن نأخذ بأسباب الوقاية ونعمد إلى نشر الطمأنينة والثقة بالله لمواجهة الخوف والقلق: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ( التوبة : 51) … هكذا نجمع في تناغم تام بين التفسير العلمي- نفهم الظاهرة، الوقاية، البحث عن علاج – والنظرة الإيمانية… إذا لم يظهر إيمانُنا في هذه الظروف متى يظهر؟
ونختم بالتوجيه النبوي الكريم: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال صلى الله عليه وسلم : “أمسـك عليكَ لسانكَ وليَســعْـكَ بَـيـتـُـك وابـكِ على خطــيـئـتـكَ) رواه أبو عيسى الترمذي.
” أمسك عليك لسانك”: لا للإشاعات،
“وليسعك بيتك” : البقاء في المنزل ،
“وابْكِ على خطيئتك” : التوبة والتضرع.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين