الإمام الطبراني هو أحد علماء وأئمة أهل السنة والجماعة، وأحد رواة الحديث المشهورين وعلمائه ومن أشهر أهل زمانه في علم الحديث وصنعته، عالما بالتفسير فقيها جمع إلى كل هذا كثرة الحفظ وسعة العلم وشدة الذكاء، وحسن السيرة، كما أنه كان معروفًا بحلمه وجلال قدره وصلابته في الحق.

أولى المسلمون العلوم الشرعية أهمية كبيرة واشتهر عبر العصور الإسلامية نخبة من العلماء، في عدة مجالات متعلقة بالعلم الشرعي، ومنها علم الحديث حيث برع في علم الحديث الشريف كثير من علماء المسلمين ومنهم الإمامُ الطبراني، أحد أشهر علماء الأمة.


من هو الإمام الطبراني؟

هو أبو القاسم، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللَّخمي الشامي الطبراني (260 هـ / 821م – 360 هـ / 918م)،  وسمي الطبراني نسبة إلى طبرية الشام قصبة كورة الأردن. ولد في شهر صفر سنة 260 هـ (821م) بعكا بفلسطين من أم عكاوية.
وفيما يخص حياة الإمام الطبراني وأين كان مولده وكيف كانت نشأته؟ فقد كانت حياته زاخرة بالعلم فأخذ العلم وتلقَّاه وهو في سن صغيرة وأمضى حياته كلها في ذلك، فبدأَ بسماع الحديث سنة ثلاث وسبعين، وحظي باهتمام والده وكان حريصا عليه أشد الحرص، وكان من أصحاب الحديث وهو من أصحاب دحيم، وارتحل الطبراني في طلب العلم إلى عدة أماكن فكانت أول رحلاته سنة خمس وسبعين، وبقيَ في ارتحالهِ مدة طويلة، فلقي الرجال لمدة 16 عاما، وكتب عمن سبقوه ومن جاؤوا بعده، وقد تفوقَ في هذا الأمر وبرع فيه كما قام بجمع العلوم وتصنيفها، وقصده العديد من المحدثين الذين كانوا يرحلون إليه من شتى الأقطار، ليتعلموا منه العلوم الشرعيَّة ويسمعوا منه الحديث.
عاشَ الطبراني مدة طويلة من الزمن أمضاها في الارتحال لطلب العلم الشرعي ورواية حديث رسول الله – - وذُّكر أن الأمام الطبراني أصابه العمى في آخرِ أيام حياته، وتوفي في شهر ذي القعدةِ سنة ثلاثمئة وستين هجرية، قال أبو نعيم: “توفي لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستين وثلاث مائة بأصفهان”، وقيل أنّه توفي وهو يبلغ من العمر 100 عام وعشرةَ أشهر، ومنه فإن الطبراني ولد في عكا وتنقل في مناطق كثيرةً طلبا للعلم وكان من أهمِ العلماء والمحدِثين في العالم الإسلامي.

أخلاقه و مناقبه

كان من جملة ما أكرم الله تعالى الإمام الطبراني التواضع وترك التكبر في طلب العلم، مع رزانة العقل وفصاحة المنطق وعذوبة الحديث بل وأكثر من ذلك حيث أنعم عليه البارئ عز وجل برؤية النبي في المنام مرات عديدة كما روى عنه معاصروه من أهل العلم، فحاز بها البشرى بحسن الخاتمة. ورويَ عنه أنه رحمه الله قال: ورأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المنام كأنه في قصر عال وكنت مُغتمًا مُتفكرًا في بعض أموري، فكان يقول لي بكلام عال: اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به من أمور الدنيا والآخرة.

كان الإمام الطبراني رضي الله عنه على المحجّة البيضاء متمسكًا بما كان عليه النبي وأصحابه من الاعتقاد، يعرف الفضل لأهله ويُعظِّم سيدنا محمد ويعتقد أن التوسل بالأنبياء والأولياء أمر جائز مستحسن في الشرع وأنهم ينفعون بإذن الله في حال حياتهم وبعد مماتهم.

وهو واحد من الأعلام الذين رووا الحديث الذي فيه أن الرسول علّم الأعمى أن يتوسل به فذهب فتوسل به في حال غيبته وعاد إلى مجلس النبي وقد أبصر، وكان رسول الله قد علّم هذا الضرير أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي – ويسمي حاجته- لتقضى لي.

وقد قال الحافظ الطبراني رحمه الله في معجمه بعد أن ساق هذا الحديث: والحديث صحيح. مع أنه من عادته أنه لا يصحح حديثًا مع اتساع كتابه المعجم الكبير، ما قال عن حديث أورده ولو كان صحيحًا: “الحديث صحيح”، إلا عن هذا الحديث.

وروى ابن الجوزي الحنبلي في كتابه: “الوفا بأحوال المصطفى” عن أبي بكر المِنقريّ قال: كنتُ أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله وكنا على حالة، فأثَّر فينا الجوع، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرتُ قبر رسول الله وقلتُ: يا رسول الله الجوع الجوع، وانصرفت. فقال لي أبو الشيخ: اجلس فإمّا أن يكون الرزق أو الموت، قال أبو بكر: فنمتُ أنا وأبو الشيخ، والطبراني جالس ينظر في شيء فحضر بالباب رجل من آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فدقّ الباب، فإذا معه غلامان مع كل واحد منهما زنبيل كبير فيه شيء كثير. فجلسنا وأكلنا، وظننا أن الباقي يأخذه الغلام، فولّى وترك عندنا الباقي، فلما فرغنا من الطعام قال الرجل: يا قوم أشكوتم إلى رسول الله فإني رأيت رسول الله في النوم فأمرني بحمل شيء إليكم.

مشايخه

تنقل الإمام الطبراني في العديد من الأقطار والبلدان والتقى مع العديد من العُلماء وأخذ منهم العلم، كما تتلمذ على يده علماء من المسلمين، رحل الإمام الطبراني إلى أصبهان أول مرة سنة تسعين ومائتين ثم تركها مدة من الزمن وعاد إليها ثانية سنة عشر أو إحدى عشرة وثلاثمائة ليسمع الحديث من أبي بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل، وعبد الله بن محمد بن زكريا، لكنه لم يلحقهما لكونهما توفيا قبل دوله إلى أصبهان، فسمع بها ممن أدركه من شيوخها مثل إبراهيم بن محمد المعروف بنائلة، ومحمود بن أحمد بن الفرج، وإبراهيم بن متويه، ومحمد بن العباس الأخرم، ومحمد بن يحيى بن منده، وروى عن كثير غيرهم من الأكابر ممن يطول ذكرهم.

وهكذا تلّقى الإمام الطبراني العلم وسمع الحديث النبوي الشريف عن عدةٍ من الشيوخ والعلماء المسلمين الذينَ لقيَهم خلال رحلته وتنقله بين الأقطار ليكتسب العلم الشرعي، وتتلمذ على يده العديد من الشيوخ ومنهم ما يأتي:

  • هاشم بن مرثد الطبراني
  • إسحاق الدبري
  • إدريس العطار
  • بشر بن موسى
  • حفص بن عمر
  • علي بن عبد العزيز
  • أبو زرعة الدمشقي وهو أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي
  • أبو علي بشر بن موسى الأسدي
  • عبد الله بن أحمد بن حنبل
  • النسائي

وغيرهم.

كما لقي أصحاب يزيد بن هارون، وروح بن عبادة، أبي عاصم، وحجاج بن محمد، وعبد الرزاق الصنعاني، ولم يزل يكتب حتى كتب عن أقرانه، وحدَّث عن ألف شيخ أو يزيدون.

تلامذته

هناك الكثير من العلماء الذين تتلمذوا على يد الطبراني ونقلوا عنه العلوم الشرعية. فقد كان الإمام الطبراني عالما كبيرا يقصده طلاب العلم من كل مكان لاكتساب العلم الشرعي منه وسماع الحديث النبوي الشريف وتتلمذ على يده الكثير من طلبة العلم، و فيما يأتي بعض من تلامذته:

  • أبو خليفة الجمحي
  • أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى ابن منده الأصبهاني
  • أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني
  • أبو نعيم الأصبهاني
  • أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم ابن ريذة الأصبهاني وهو ممن روى معجم الطبراني الكبير والصغير
  • ابن عقدة
  • أحمد بن محمد الصحاف
  • أبو عمر محمد بن الحسين البسطامي
  • الحسين بن أحمد بن المرزبان
  • أبو بكر بن أبي علي الذكواني
  • أبو الفضل محمد بن أحمد الجارودي
  • أبو الحسين بن فادشاه
  • محمد بن عبيد الله بن شهريار
  • عبد الرحمن بن أحمد الصفار
  • أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري
  • أبو بكر البزار

وغيرهم.

كتبه ومصنفاته

ترك الطبراني الكثير من المؤلفات خلفه، ووضع العديد من المُصنفات التي نفعت الأمة وبقيت مراجعا لمن يبحر في علوم الشريعة الإسلامية، واشتهرت كتب الطبراني شهرة واسعة، وتنوعت في عدة مواضيع ما بين الحديث والتفسير وغيرها، ولعلَ أشهر هذه المؤلفات هي المعاجم الثلاثة وموضوعها هو علم الحديث، كان الطبراني رحمه الله واسع العلم كثير التصانيف ومن أشهر ما صنف من المؤلفات ما يأتي:

  1. كتاب المعجم – مائتا جزء
  2. كتاب المعجم الأوسط – أربعة وعشرون جزءًا.
  3. كتاب المعجم الصغير – سبعة أجزاء
  4. مسند العشرة – ثلاثون جزءًا
  5. مسند الشاميين – عشرة أجزاء
  6. كتاب النوادر – عشرة أجزاء
  7. كتاب الفوائد – عشرة أجزاء
  8. كتاب دلائل النبوة – عشرة أجزاء
  9. كتاب الطوالات – ثلاثة أجزاء
  10. كتاب التفسير
  11.  كتاب الرد على المعتزلة
  12.  كتاب الرد على الجهمية.
  13. كتاب المناسك.
  14. كتاب الأوائل.
  15. كتاب السنة.
  16. كتاب الطوالات.
  17. كتاب الرمي.
  18. كتاب النوادر.
  19. مسند أبي هريرة.
  20. كتاب التفسير المشهور بـتفسير الطبراني.
  21. كتاب دلائل النبوة.
  22. معرفة الصحابة.
  23. فضل العرب.
  24. كتاب الفرائض.
  25. كتاب الأولوية في خلافة أبي بكر وعمر.

وغيرها كثير فقد بلغ عدد ما وُجِد من تصانيفه ما يزيد على مائة مُصنف في علوم مختلفة وفنون شتى.

ألقاب الطبراني

ما هي الألقاب التي أطلقَت على الطبراني والتي اشتهر بها خلال حياته؟

لا بد من الإشارة إلى أن الإمام الطبراني كان ممن اشتهر من المحدثين المسلمين وهو من كبار رجال الحديث الذين عُرفوا في عصره وإمام من أئمة التفسير وكان من العلماء الذين عاشوا عمرا طويلا، وانتشر حديثه في مختلف أقطار البلادِ الإسلاميّةِ، وقد أُطلق على الإمام الطبراني عدة من الألقاب ومنها ما يأتي:
الإمام
الحافظ
الثقة
الرحال
الجوَّال
محدّث الإسلام
علَمُ المعمَّرين
صاحب المعاجم الثلاثة.

بعض من روى عنه وثناء العلماء عليه

الذين أخذوا عن الطبراني كثر، قال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن رحمه الله: “حدّث سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني بأصبهان ستين سنة، فسمع منه الآباء ثم الأبناء فالأسباط حتى لحقوا بالأجداد”، وروى عنه جماعة من كبار المحدثين كابن عقدة، وأبي علي الصحاف، وأبي عبد الله بن خفيف، والقاضي أبي أحمد العسال، وإبراهيم بن محمد بن حمزة، وأبي الشيخ وغيرهم كثير، ومن المتأخرين ما يصعب حصرهم.

وقد قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام: “الحافظ المشهور مُسْنَد الدنيا وكان من فرسان هذا الشأن مع الصدق والأمانة” وقال عنه في سير أعلام النبلاء: “الإمام، الحافظ، الثقة، الرحال الجوال، محدث الإسلام. وقال: “ولم يزل حديث الطبراني رائجاً، نافقاً، مرغوباً فيه، ولا سيما في زمان صاحبه ابن ريذة، فقد سمع منه خلائق، وكتب السّلفي عن نحو مئة نفس منهم”.

وقال عنه أبو بكر بن أبي علي المعدل: “الطبراني أشهر من أن يدل على فضله وعلمه، كان واسع العلم كثيرا التصانيف”.

وقال أبو نعيم: “سمعت أحمد بن بندار يقول: دخلت العسكر سنة ثمان وثمانين ومائتين، فحضرت مجلس عبدان، وخرج ليملي فجعل المستملي يقول له: إن رأيت أن تملي علي فيقول: حتى يحضر الطبراني قال: فأقبل أبو القاسم بعد ساعة متزراً بإزار مرتدياً بآخر، ومعه أجزاء، وقد تبعه نحو عشرين نفساً من الغرباء من بلدان شتى حتى يفيدهم الحديث”.

قال أبو بكر بن أبي علي: سأل والدي أبو القاسم الطبراني عن كثرة حديث[؟]ه فقال: “كنت أنام على البواري (يعني الحصير) ثلاثين سنة”.

قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: “ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتهما، ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه، فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هات، فقال: حدثنا أبو خليفة الجمحي، حدثنا سليمان بن أيوب، وحدث بحديث، فقال الطبراني: أخبرنا سليمان بن أيوب، ومني سمعه أبو خليفة، فاسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك، فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه”، أو كما قال.

وفاته

قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه: توفي سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في ذي القعدة يوم السبت، ودفن يوم الأجد لليلتين بقيتا منه سنة ستين وثلاثمائة بباب مدينة أصبهان إلى جنب قبر حممة الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله ، وقبره معروف يزار، وله ابن يسمى محمدًا ويكنى أبا ذر، وبه بنت تسمى فاطمة، أمها أسماء بنت أحمد بن محمد بن شذرة الخطيب، وذكر أنها كانت تصوم يوما وتفطر يوما وكانت لا تنام من الليل إلا قليلا رحمها الله.

رحم الله الإمام الطبراني وجزاه عن أهل الإسلام خيرا.