قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}  [الرعد: ٢٨].

وقال الله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً }  [الفجر: ٢٧، ٢٨].

وقال صلى الله عليه وسلم -: «البر ما اطمأنّ إليه القلب» (أخرجه أحمد)، أي سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقَلقه.

الطمأنينة: سكون القلب إلى الشيء، وعدم اضطرابه وقلقه. فالصدق مثلاً يطمئن إليه قلب السامع، والكذب يوجب له اضطرابا وارتيابا.

وذكر الله هو القرآن، وبه تحصل طمأنينة القلوب، فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين، ولا سبيل إلى حصول الإيمان واليقين إلا من القرآن.

الفرق بين السكينة والطمأنينة

الطمأنينة هي سكون القلب مع قوة الأمن، والسكينة تصول على الهيبة الحاصلة في القلب فتخمدها في بعض الأحيان، فيسكن القلب في بعض الأوقات.

أما سكون أهل الطمأنينة فهو دائم، ويصحبه الأمن والراحة بوجود الأنس.

والطمأنينة أعم، فإنها تكون في العلم والخبر به واليقين والظفر بالمعلوم، ولهذا اطمأنت القلوب بالقرآن، لما حصل لها الإيمان به.

وأما السكينة فهي ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه وسكونه، وزوال قلقه واضطرابه.

قال تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} (الفتح : 4)

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} أي: الطمأنينة، والوقار، والرحمة، والهدوء في قلوب المؤمنين لئلا تنزعج نفوسهم. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: كل سكينة في القرآن طمأنينة إلا التي في سورة (البقرة) . وقد تقدّم تفسيرها في موضعها. وقد ذكرت في سورة (التوبة) برقم [٢٦ و ٤٠] بمعنى الطمأنينة، كما هنا. {لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ} أي: يقينا مع يقينهم، وذلك بما فرض الله من فروع الشريعة مقرونا بالتوحيد، والإيمان، والإخلاص.

ذكر الإمام ابن القيم أن بين الطمأنينة والسكينة فرقين:

أحدهما: أن السكينة صولة تورث خمود الهيبة أحيانا، والطمأنينة: سكون أمن في استراحة أنس.

والثاني: أن السكينة تكون نعتا، وتكون حينا بعد حين، والطمأنينة لا تفارق صاحبها، ومن ثم تكون الطمأنينة موجب السكينة وأثرا من آثارها وكأنها نهاية السكينة.

والطمأنينة على ثلاث درجات

الأولى: طمأنينة القلب بذكر الله عزَّ وجلَّ، وهي طمأنينة الخائف إلى الرجاء، فالخائف إذا طال عليه الخوف واشتد به، وأراد الله عزَّ وجلَّ أن يريحه ويحمل عنه، أنزل عليه السكينة، فاستراح قلبه إلى الرجاء واطمأن به

الثانية: طمأنينة الروح إلى الطريق الموصل إلى المطلوب، ومعرفة عيوب النفس، وآفات الأعمال، ومعرفة المطلوب المقصود بالسير، وهو معرفة الأسماء والصفات، والإيمان والتوحيد.

فتسكن النفس لذلك، وتطمئن إليه، كما يطمئن الجائع الشديد الجوع إلى ما عنده من الطعام، ويسكن إليه قلبه.

الثالثة: طمأنينة القلب إلى لطف الله عند شهوده ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، فلولا الطمأنينة لمحقه الشهود، فقد خر موسى – صلى الله عليه وسلم – صعقا لما تجلى ربه للجبل.

قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في بيان حال من هجر القرآن: “في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد فهذا من ضنك المعيشة .. وجاء أيضاً في تفسير الضنك بأنه الكسب الحرام، والعمل السيئ، والرزق الخبيث، وأنه عذاب القبر وضمته” .

الآيات الواردة في الطمأنينة

1- { وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (البقرة :260)

2- { وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (آل عمران :126)

3- { فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً} ( النساء: 103 )

4- { إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ * قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (البقرة : 112 – 114)

5- { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال :9- 10)

6- { إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ * أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} ( يونس: 7 -8)

7- { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد : 28)

8- { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} (النحل : 106)

9- { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل : 112)

10- { قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا } (الإسراء : 95)

11- { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ } (الحج : 11)

12- { يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر : 27 -30)

من فوائد الطمأنينة

1- أثر من آثار هداية القلب.

2- ركن من أركان الصّلاة لا تتمّ إلّا بها.

3- ثناء الله على النّفوس المطمئنّة ورضاه عنها.

4- سبب من أسباب سعادة الإنسان ودليل فلاحه.

5- طريق موصل إلى الجنّة.

6- دليل اليقين وصحّة الدّين.

7- دليل الوقار.

8- الطّمأنينة دليل اتّصاف المرء بالحياء وكفى بالحياء خلقا حميدا.

9- الطّمأنينة عند الموت دليل رضا الله- عزّ وجلّ- وبشرى لصاحبها بدخول الجنّة.


مصادر :

نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم، عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي ، دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة

تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه، محمد علي طه الدرة، الطبعة الأولى، ١٤٣٠ هـ – ٢٠٠٩ م، دار ابن كثير – دمشق

فتح الرحمن في بيان هجر القرآن، محمود بن محمد الملاح، دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ١٤٣١ هـ – ٢٠١٠ م ، الرياض – المملكة العربية السعودية

مدارج السالكين في منازل السائرين، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية ، دار ابن حزم -بيروت