الفقيه الأصولي أبو الطيب مولود السريري السوسي هو واحد من علماء المغرب البعيدين عن الأضواء، وقامة علمية انبعثت بين سفوح جبال الأطلس الصغير، أوتي نصيبا من العلوم النقلية والعقلية، وهو متمرس ومتفنن في جملة من العلوم سيما أصول الفقه،كما لديه اطلاع كبير بالفلسفة، وله مؤلفات أصولية وفقعية عديدة منها “تجديد علم أصول الفقه” و”معجم الأصوليين”.
هو العلامة الفقيه المالكي الأديب الشاعر الأصولي المجتهد الزاهد أبو الطيب مولود بن الحسن السريري السوسي، واحد من علماء المغرب المخلصين في مسيرتهم الدعوية، تعلموا العلم ليعملوا به ويعلموه، عرف الحق فلزم، وعلم بأن الدنيا فانية، فجد واجتهد في نشر العلم وبثه.
مولده وحياته العلمية
ولد أبوالطيب مولود بن الحسن السريري السوسي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 1383 هـ الموافق لـ 3 غشت 1963 في أسرة علمية ودينية بإقليم “شتوكة، أيت باها”. التحق بمدرسة “تعلات” وذلك زمن تدريس والده بها، وعلى يديه أتم حفظ القرآن الكريم صغيرا وجمع مبادئ العلوم الشرعية والأدبية واللغوية وعمره لم يتجاوز السادسة عشرة.
بدأ أبو الطيب مولود السريري حياته العلمية طالبا في المدارس العتيقة في المغرب بعد أن حفظ القرآن الكريم، كما درس الفنون العربية والإسلامية بالمدارس العتيقة بسوس وخارجها،على يد زمرة من العلماء.
أثناء اشتغاله بالتعلم والنهل من أعلام طنجة كان أبو الطيب مولود السريري يُقدم دروسا لزملائه الطلبة، ولما عاد إلى سوس اشتغل إماما بمسجد “تا مضلوشت” بقبيلة “أيت يحيى” الصوابي، ليلتحق بعدها بالمدرسة العلمية العتيقة بتنكرت مدرسا وقيما عليها سنة 1994، حيث لقن للطلبة الذين يقصدون هذ المدرسة الضاربة في عمق التاريخ من كل الأقطار، العلوم الشرعية وعلوم الفقه والأصول واللغة والأدب العربي على نهج المدارس العتيقة بالاعتماد على شرح ودراسة الكتب الفقهية، فتخرج على يده فقهاء وأئمة وأدباء.
وفي غمرة انشغال الفقيه أبي الطيب مولود السريري بأعباء التدريس كانت قضايا الأمة حاضرة بقوة في اهتماماته، وما دخوله إلى ميدان التأليف إلا تأكيد على هذا الاهتمام.
شيوخه
بدأ أبو الطيب مولود السريري حياته العلمية طالبا في المدارس العتيقة، ونهل من الفنون العربية والأصول الإسلامية على يد علماء أجلاء بسوس العالمة فتتلمذ على يد الشيخ حسن الشلحي، بمدرسة “إذاو كثير”، والشيخ إدريس التوزويني بمدرسة “توزوين”، ووالشيخ محمد الكُمَّثري بمدرسة “أيت إعزا” الهشتوكية، والشيخ الحاج صالح الصالح الإلغي بمدرسة “الدوو ادرار” الرسموكية، لينطلق لإتمام دراسته في عمر العشرين إلى أقصى المغرب بطنجة، فأخذ العلم على يد كل من الأعلام الشيخ عبد الله التليدي، والشيخ عبد الله بن الصديق الغماري، والشيخ الزمزمي.
أخذ أبو الطيب جملة من العلوم على عدد من مشايخ سوس العالمة ومشايخ شمال المغرب أبرزهم :
- الشيخ حسن الشلحي
- الشيخ إدريس التوزويني
- الشيخ محمد الكُمَّثري
- الشيخ الحاج صالح الصالح الإلغي
- الشيخ عبد الله التليدي
- الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري ، أخذ عنه فقه الحديث ونيل الأوطار وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين
- الشيخ محمد الزمزمي أخذ عنه الحديث .
عزلته أعماله ومؤلفاته
بإحدى المدارس العتيقة المشهورة بجنوب المملكة المغربية، وبين سفوح جبال الأطلس الصغير بجماعة إفران ضواحي مدينة كلميم، على الضفة الشرقية لوادي الأدباء انزوى الشيخ أبو الطيب مولود السريري العلامة الفقيه الأصولي والشاعر الأديب، بعيدا عن الأضواء ومغرياتها والمدن وضوضائها.
عزلة الشيخ ونشأته وسط الضواحي القروية مكنته من ولوج ميدان التأليف والتصنيف، فبرز نجم أبو الطيب كعالم وفقيه وشاعر، فأثرى المكتبة بعدد من الكتب آخرها كتاب “تجديد علم أصول الفقه والقانون في تفسير النصوص” ، وكتاب “مصادر التشريع الإسلامي وطرق استثمارها عند الإمام الفقيه المجتهد علي بن أحمد بن حزم الظاهري” ثم “معجم الأصوليين” وهو مجلد يحتوي على علماء أصول الفقه وأصحاب الآراء فيه والمؤلفين فيه.
كما جمع السريري مناظرات ومحاورات الفقهاء والأصوليين في كتاب بذات الاسم، وطبع له كتاب منهج الأصوليين في بحث الدلالة اللفظية الوضعية، وغيرها من المؤلّفات المطبوعة، كما أنّ للشيخ مؤلفات وشروحات لجملة من المتون طبع له منها مؤخرا كتاب: “شرح نيل المنى في نظم الموافقات للشاطبي“.
وفيما يلي قائمة بمؤلفات الشيخ أبو الطيب مولود السريري:
- منهج الأصوليين في بحث الدلالة اللفظية الوضعية
- معجم الأصوليين
- تجديد علم أصول الفقه
- القانون في تفسير النصوص
- إستثمار النص الشرعي على مدى التاريخ الإسلامي
- شرح مفتاح الوصول
- مصادر التشريع الإسلامي وطرق استثمارها عند الإمام ابن حزم الظاهري
- مناظرات ومحاورات فقهية وأصولية
- الصناعة الفقهية
- شرح نيل المنى في نظم الموافقات للشاطبي
وغيرها من المؤلفات المطبوعة ، كما أنّ للشيخ مؤلفات وشروحات لجملة من المتون لم تطبع أو بعضها لم ينته الشيخ من شرحها كنظم مرتقى الوصول و شرح نظم الموافقات وغير ذلك.
وكل كتب الشيخ مطبوعة لدى “دار الكتب العلمية بـبيروت”، إلا “شرح مفتاح الوصول” فإنه طبع طبعته الأولى من طرف “وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية”، والطبعة الثانية المجودة بدار الكتب العلمية.
و للسريري كتب تحت الطبع:
- الإحكام في المراقي الموصلة إلى بناء الأحكام
- الرسائل العلمية في فنون مختلقه.
- موسوعة المناظرات والمحاورات “جزآن
- إتحاف أهل الألباب بالضروري من علم الحساب
- منهج المتقدمين في التأليف.
- أحكام الصفة.
وكتب مازالت مخطوطة:
- رضاب الأقلام في تراجم من لقيتهم من الأعلام، “أرجوزة تزيد عن 1000 بيت.
- إتحاف الأذكياء بكرامة الأولياء.
- نظم القاموس المحيط.
أصول الفقه وعلم النظر
يتحدث أبو الطيب مولود السريري حول كتابه ”تجديد علم أصول الفقه”عن علم النظر، فبقول أن النظر أساس بناء الأحكام وعمدة الاستنتاج للمعارف والعلوم، وهو مركوز في طبيعة الإنسان، لكنه يصيبه ما يصيب ما تتركب منه طبيعة الإنسان من مكونات، فهو يصيبه الضعف والانحراف، وربما ذبل فمات، فهو يقوى بالتنمية، ويشحذ باستمرار إعماله على الوجه المطلوب، ويموت إذا أهمل وترك، فهو كسائر الغرائز. ويؤكد أنه بذلك كان الاعتناء بالحديث عنه أمرا واجبا، ثم إن التذكير به في أول الكتاب على الوجه الذي ذكر به فيه تنبيه إلى أنه ما لم تحترم قواعد النظر وتستعمل على الوجه الصحيح لا يمكن أن يأتى بأي تجديد حقيقي في علم أصول الفقه، بل ولا في أي علم صحيح المبنى والمضمون.
وعن تغير صورة علم أصول الفقه على النحو الذي تبنى به قواعد جديدة، يقول أبو الطيب مولود السريري أنه لا ريب أن في كل علم ما يجب أن يغير على الدوام، وفيه ما يجب أن يبقى لأنه قوام ذلك العلم، وبذهابه تذهب ماهية ذلك العلم. والسعي إلى إنشاء مسالك وطرق، والبحث عن أدوات لإثراء علم ما ومد الاستضاءة به إلى مواطن لم يتمدد ضوءه إليها أمر محمود، بل واجب، ومثل ذلك عجم أعواد ما فيه من أسس ومسائل وطرق بناء الأحكام، كل ذلك مطلوب وواجب، لأن العلم هو الحركة العقلية، فإن همدت هذه الحركة، وغلب الجمود في علم ما، مات ذلك العلم.
أما عن المواطن التي يطالها التجديد، يرى أبو الطيب مولود السريري أن التجديد يجب أن يطال كل موطن استبان أنه قد طرأ عليه ما يصيره متخلفا عن المقصود منه، ولا يقصد منه إلا خدمة المقاصد الشرعية، وكذلك كل موطن اقتضى الواقع أن يجدد، ويعاد مصوغا ليستوعب قضايا العصر ومشاكله. والرأي الذي أراه هو أن التجديد في علم أصول الفقه يجب أن يكون على مراحل، وكل مرحلة تهدي إلى التي بعدها، والأمور يهدي بعضها إلى بعض.
كما يؤكد في كتابه “تجديد علم أصول الفقه” أن التجديد يجب أن يفعل في المرحلة الأولى (المرحلة التأسيسية) في هذا الشأن، ولا حاجة إلى اجتراره. ويقول “أظن أنني في هذا الكتاب أسمعت صوت من يقول: إن هذا التسيب والانحلال من ربقة قواعد النظر، ومقتضيات العقول، ودس تغيير العلوم الشرعية في اسم التجديد أمر مرفوض، فإن التجديد رد الجدة (أي القوة) إلى الشيء، لا تغييره وإزالة ماهيته. وإن التجديد يجب أن يكون من أجل تقوية الثوابث الدينية والشرعية وترسيخها في النفوس والعقول والمجتمعات الإسلامية، لا أن يتوسل بها إلى مسخ معالم الدين وتمييع الشريعة الإسلامية الغراء”.