الشريعة الغراء نصت على الكثير من القيم التي لا يمكن حصرها كلها هنا، لذلك سنركز على القيم التسع الآتية:
- نية الخير والحرص على نقاء السريرة: نية الخير تعني حبه، وتعني التطلع إليه، والطموح إلى تحقيقه، والتطلع إلى الخير يدل على خيرية المتطلع وكرمه ونبله، وإن ذلك يشكل شيئا أساسيا في حياة الأسرة المسلمة. فالمسلم يعمل الخير، ويمضي في طريقه، فإذا لم تساعده الظروف، فإنه ينويه، ويسأل الله أن يهيئ له السبيل إليه، فيكون له أجره ، وقد قال ﷺ: «إنَّ اللهَ كتب الحسناتِ والسَّيِّئاتِ ثمَّ بيَّن ذلك ، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً ، فإن هو همَّ بها وعمِلها كتبها اللهُ له عنده عشرَ حسناتٍ إلى سبعِمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ ، ومن همَّ بسيِّئةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده حسنةً كاملةً ، فإن هو همَّ بها فعمِلها كتبها اللهُ له سيِّئةً واحدةً» (رواه البخاري ومسلم). إلى جانب ذلك لا بد من تطهر القلب من الرياء والحسد وسوء الظن، فيجب أن نجعل العفو والصفح والمسامحة منهجا في التعامل مع كل مسلم، يقول ﷺ: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تناجشوا..» (صحيح مسلم).
- التطوع هو مصدر الرفاهية الروحية: إن الناس اليوم يعانون من جدب روحي بسبب الحياة المادية الصاخبة؛ ويحاولون تندية أرواحهم وإنعاش أحاسيسهم عم طريق ترفيه أجسادهم بالفاخر من الملبس و المأكل والمسكن والمركب… لكنهم لا يشعرون بالتحسن؛ لأن القحط الروحي سببه الغفلة والمعصية والأنانية؛ ولا يمكن القضاء عليه إلا من خلال مزيد من التطوع والتعبد والتنفل، وهذا ما على أسرنا أن تجعله ضمن اهتماماتها. فهناك أحاديث كثيرة تشير إلى أشكال التطوع الذي يجب أن نغرسه في أبنائنا، مثل: إماطة الأذى عن الطريق. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، التبسم في وجوه من نقابلهم، والمبادرة بإلقاء السلام ، التبكير إلى المسجد، صلة الرحم.
- المروءة وسمو الذات: سمو الأسرة وارتقاؤها هو المقدمة لسمو المجتمع والأمة، فالخصال الحميدة والأخلاق الرفيعة تنمو وتتشكل برعاية الأسرة، والمنهج الرباني يوفر لنا كل الآداب التي تساعد الأسر على تربية أبنائها تربية سامية ونبيلة. والأخلاق والأفعال التي ترفع الإنسان ليكون من أصحاب المروءة والسمو الشخصي كثيرة جدا، نذكر بعضها: ترك المرء التدخل في الأمور التي لا تعنيه، قال ﷺ: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (سنن الترمذي). المزاح، وعدم الإسراف في مباسطة الناس. نظافة البدن وطيب الرائحة والعناية بالمظهر. التأدب بآداب الطعام مثل عدم الإسراف في الأكل، والأكل مما يليه.
- نتحرى الصدق في كلامنا: الصدق من أعظم القيم، وهو أساس متين لشيء في غاية الأهمية وهو الثقة. قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (صحيح مسلم). فيجب على الأسرة أن يصدق الكبار أولا فيما يتحدثون، حتى يعرف الصغار فضيلة الصدق وخطورة الكذب.
- نحرص على الكسب المشروع: في زماننا هذا تعقدت المصالح وكثرت أشكال المعاملات كما كثرت طرق الكسب والدخل وبما أن أكثر الذين يديرون الاقتصاد العالمي ويضعون قوانين العمل والمعاملات المالية لا يدينون بدين الإسلام أو يهتمون بأحكام الشريعة في مسألة الكسب وتحصيل المنافع فإن كثيرًا من طرق الحصول على المال صار ملوثًا أو مشبوهًا، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]، إن المراد بالطيب هنا هو الحلال الذي يحصل عليه صاحبه من طريق مشروع. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -ﷺ- ذكر «الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» (صحيح مسلم). إن هذا الحديث يدل على أن الله تعالى لا يقبل دعاء من غذي بالحرام وهناك من يقول: إن الله تعالى لا يقبل عمله أيضًا، وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال: “لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام”. وعن النبي -ﷺ- أنه قال: «ما تصدق عبد بصدقة من مال طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيده» (صحيح مسلم).
- لا نساوم على مبادئنا ولا على كرامتنا: عصرنا هذا هو عصر المساومة , فالعولمة فتحت وعي الناس على مصالحهم الشخصيّة على نحوٍ لم يسبق له مثيل ..! وفي سبيل الحصول على أكبر قدر ممكن من المنافع الماديّة صار كل شيء قابلاً للتفاوض والمساومة و قابلاً لدى كثير من الناس للبيع، والتمسك بالمبدأ شرط أساس للاستقامة والمضي في طريقها، وقد أوصى الله نبيه – ﷺ – بذلك حين قال: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الزخرف:43]. إن جوهر التدين يكمن في الحقيقة في قدرتنا على التضحية بالعاجل حتى نحصل على الآجل، وحين يكون الإنسان مستعدًّا للتنازل عن بعض ما يؤمن به من أجل مصالحه ؛ فإنه يكون قد خسر الكثير من ذلك الجوهر. إذا استطعنا أن نربي أنفسنا وأطفالنا على مبدأ يقول: “الله هو الرزاق” “الأعمار والأرزاق بيد الله” “لا معطي لما منعه الله، ولا مانع لما أعطى”. ومبدأ: “من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه” وبذلك لن نقبل أخذ الرشوة، ولن نقبل الإهانة، ولن ندخل في أخلاق تآمرية ضد بعضنا البعض، ولن نذل أنفسنا لأحد…. لماذا؟ لأن مبادئنا تحول بيننا وبين الاندفاع إلى ذلك، فإذا رأينا أننا لا نبدي أي مناعة تجاه هذه الأمور أو بعضها، فإن هذا يعني أننا لم ننجح في تربية أنفسنا على النحو المطلوب. إن الذي يتمسك بمبادئه وقيمه، ويحرص على صون كرامته، قد يخسر بعض الأشياء على المدى القريب، لكنه يكسب نفسه على المدى البعيد، والمحن والشدائد تشكل دائمًا تحديًّا وامتحانًا لأصحاب المبادئ، وحتى تكون مبادئهم راسخة وموضع إعزاز ؛ فإنهم يستطيعون التضحية من أجلها وإلا ؛ فإنها تتهاوى ويتهاوون معها..!!إن التمسك بالمبدأ والمحافظة على القيم يعني الآتي: الاعتقاد بأننا في هذه الدنيا لن نحصل على كل شيء، ولا بد من التنازل عن بعض الأشياء من أجل صون المبدأ والكرامة. لكل شيء ثمن، فإذا أردنا التمتع بكل مباهج الدنيا، فهذا يعني أننا سنتنازل عن بعض مبادئنا وقناعاتنا، وهذا ما نرفضه. تشجيع أفراد الأسرة بعضهم البعض على الصبر والمقاومة للرغبات والشهوات. التذاكر المستمر في الأمور التي لا يجوز لأحد من أفراد الأسرة التنازل عنها. كل الخطايا التي ترتكب يكون سببها حب الدنيا، والأسرة المسلمة تحاول استحضار هذا المعنى، وتؤكد على أن العيش هو عيش الآخرة.
- لا نصبر على الظلم: هذه قيمة مهمّة على طريق تحقيق العدل .. والذي هو قيمة من أعظم القيم التي تقوم عليها الحياة الأسريّة و الاجتماعية في العالم أجمع {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. فلا شيء يفسد العلاقة بين أفراد العائلة الواحدة مثل الظّلم و الجور و محبّة بعض الأبناء على حساب بعضهم الآخر.. ومن ثم فإنّ الوقوف في وجه الظّالم و الوقوف إلى جانب المظلوم من الأمور العظيمة للمسلم في هذه الحياة لأن الظلم إذا فشي أفسد كلّ شيء.. و ما تفشّى الظلم في المجتمع إلا لأنه لم يجد من يقاومه داخل الأسرة، كما أنّ كثيراً من النّاس يظلمون غيرهم عندما يكبرون حتّى ينتقموا لأنفسهم من المجتمع الذي لم يساندهم حين تعرضوا للظلم.. كلّنا مطالبون بالوقوف في وجه الظّالم كائناً من كان بالأسلوب المناسب و بالحكمة و الحِنكة المطلوبة و الله لا يُضيع أجر المصلحين..
- نحترم النظام: يميل البعض إلى الفوضى ويكرهون التقيد بالنظم ؛ لأنهم يظنون أن الفوضى هي الحرية أو تشبه الحرية ونحن نرى أن بين الفوضى والعشوائية والتخلف علاقة وثيقة جداً وإن كثيراً من تحضُّر الأمم يتجلى في تنظيم شئون حياتها الخاصة والعامة. الأطفال الصغار لا يعرفون هذا المعنى لأن إحساسهم بالوقت والربح والخسارة والمرونة وسيولة الحركة ضعيف أو منعدم على عكس الكبار، فهم يدركون أن الحياة من غير نظام ستكون صعبة وعقيمة ومليئة بالمشكلات. ومما يحتاج إلى تنظيم داخل الأسرة: أوقات تناول وجبات الطعام. أوقات النوم والاستيقاظ. توزيع أعمال المنزل على الأولاد. أوقات الدراسة وكتابة الواجبات. مشاهدة التلفاز والبرامج المختلفة. الاجتماعات الأسبوعية أو الشهرية للأسرة. الرحلات أو الخروج إلى المنتزهات. زيارة الأرحام والأقرباء.
- نرتقي بلغتنا: إن الإنسان لا يُعرف إلا إذا تكلم، ولهذا فان النمط الذي يتبعه أفراد الأسرة في كلامهم يعبر عن تدينهم وتهذيبهم ووعيهم ودرجة تمدّنهم والمفردات التي تساعد على ارتقاء لغة الأسرة وخطابها كثيرة جدا، منها:
– تجنب الغيبة والنميمة والهمز واللمز والتنابز بالألقاب.
– الإقلال من الحلف قدر الإمكان.
– البعد عن المزاح الذي يحوي معانٍ مخلة بالأدب.
– هجر الكلام الفاحش والبذيء.
– عدم تشبيه أي ولد أو إنسان بالحيوان.
– البعد عن اللعن والسب والشتم.
– الإكثار من الدعاء أثناء الخطاب.
– مخاطبة الناس بأحب الأسماء إليهم.
– البعد عن السرعة في الكلام ورفع الصوت.
– التثبت والتبيّن من صحة ما نسمع قبل نقله.
– البعد عن مديح الذات.
إن الصغار يكتسبون اللغة على فترة طويلة فيجب أن لا يملّ الأهل من توجيههم إذا وإرشادهم وتصحيح أخطائهم.