ما هوالوعي؟ مامعناه؟ هل يمكن تعريفه؟ ما مفهومه في الفلسفة؟ وما مفهوم الوعي واللاوعي؟ وما العلاقة بينهما؟ قد تبدو هذه الأسئلة بسيطة وسهلة الإجابة، لكنها ليست كذلك، فالوعي هو أكثر الأشياء التي يمكننا بحثها وضوحا، وأكثرها غموضا في الوقت نفسه.
لقد بذل العديد من الفلاسفة والعلماء جهودا مضنية على مدى قرنين من الزمان من أجل الوصول إلى مفهوم الوعي، ولا عجب أيضا أن العلماء رفضوا الفكرة برمتها لفترات طويلة، بل رفضوا أيضا دراستها، النقطة الإيجابية أن “الدراسات الخاصة بالوعي” أخذت في الازدهار بدءا من القرن الحادي والعشرين.
وعلى الرغم من ذلك، لم ينجح أحد بعد في سد الهوَّة السحيقة أو الفجوة الكبيرة بين ما هو داخلي وما هو خارجي، أو بين العقل والدماغ، أو بين ما هو ذاتي وما هو غير ذاتي. تلك المسألة ليست إلا تجسيدا معاصرا لمسألة “العقل-الجسد” الشهيرة التي حيَّرت الفلاسفة على مدى أكثر من ألفي عام. المشكلة أنه فيما يتعلَّق بالتجربة الإنسانية العادية، يبدو أن هناك نوعين من الأشياء مختلفَيْن تمام الاختلاف، دون وجود وسيلة واضحة لربطهما معا.
الوعي في اللغة
الوعي كلمةٌ تدلُّ على ضمِّ شيء. وفي قواميس اللغة العربية وَعَيْتُ العِلْمَ أعِيهِ وَعْياً، ووعَى الشيء والحديث يَعِيه وَعْياً وأَوْعاه: حَفِظَه وفَهِمَه وقَبِلَه، فهو واعٍ، وفلان أَوْعَى من فلان أَي أَحْفَظُ وأَفْهَمُ.
والوعي بموضوع ما يتضمن معرفته والتفاعل سلبا أو ايجابا معه بحسب هذه المعرفة. وبالمحصلة فإن الوعي : هو ما يُكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم عن الحياة والطبيعة من حوله.
والوعي كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس. كما يمثل عند العديد من علماء علم النفس الحالة العقلية التي يتميز بها الإنسان بملكات المحاكمة المنطقية، الذاتية (الإحساس بالذات ) (subjectivity، والإدراك الذاتي (self-awareness ، والحالة الشعورية (sense) والحكمة أو العقلانية (sensibility) والقدرة على الإدراك الحسي (perception) للعلاقة بين الكيان الشخصي والمحيط الطبيعي له.
وقد يكون الوعي وعيا زائفا، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله ، ويكون أيضا وعيا غير واقعي وقد يكون وعيا جزئيا، وذلك عندما تكون الأفكار والمفاهيم مقتصرة على جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب والمستويات المترابطة والتي تؤثر وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة.
الوعي في الفلسفة
اعتبرت الفلسفة بأنّ الوعي هو جوهر الإنسان وخاصيته التي تميزه عن باقي الكائنات الحيّة الأخرى، حيث إنّه يصاحب كل أفكار الإنسان وسلوكه، وهو ما يطلق عليه اسم (الوعي التلقائي)، كما أنه مرتبطٌ بمجموعة الأحاسيس والمشاعر التي تكمن في أعماق الذات وهذا ما يطلق عليه (وعي سيكولوجي)، ويظهر هذا الوعي في الحياة العمليّة الذي يتجسد على شكل وعي سياسي أو أخلاقي على سبيل المثال.
وللوعي مظاهر وأشكال عديدة، بيد أنّ الدراسات النفسيّة والفلسفيّة قامت بوضعه موضع نقدٍ، حيث إن اعُتبر من خلال تلك الدراسات كغطاءٍ خارجي لا يمثل الجهاز النفسي العميق، بل هو يمثل فقط سطح الذات، أما اللاوعي فهو يمثل أعماق الذات الإنسانيّة. وبنظرةٍ للوعي من ناحية فلسفيّة فإن الفيلسوف الإنجليزي جون لوك قد ربط حالة الوعي بالحواس الجسديّة الخمس.
ما هو الوعي؟
الوعي قد يكون وعياً حقيقياً بطبيعة القضايا المختلفة المطروحة حول الإنسان، إلّا أنّه قد يكون وعياَ مُضللاً زائفاً، فالوعي الزائف هو الذي لم يدرك الأمور على حقيقتها التي تجري عليها، مما سيجعل حكمه على مختلف القضايا والأمور التي تجري من حوله حكماً خاطئاً لم يستطع مقاربة عين الصواب بأيّ شكلٍ من الأشكال.
أنواع الوعي
1- الوعي العفوي التلقائي
وهو ذلك النوع الذي يكون أساس قيامنا بنشاط معين، دون أن يتطلب منا مجهودا ذهنيا كبيرا، بحيث لا يمنعنا من مزاولة أنشطة ذهنية أخرى.
2- الوعي التأملي
وهو على عكس الأول يتطلب حضوراً ذهنياً قوياً، ويرتكز على قدرات عقلية عليا، كالذكاء، والإدراك، والذاكرة… ومن ثمة فإنه يمنعنا من أن نزاول أي نشاط آخر.
3- الوعي الحدسي
وهو الوعي المباشر والفجائي الذي يجعلنا ندرك أشياء، أو علاقات، أو معرفة، دون أن نكون قادرين على الإتيان بأي استدلال.
4- الوعي المعياري الأخلاقي
وهو الذي يجعلنا نصدر أحكام قيمة على الأشياء والسلوكات فنرفضها أو نقبلها، بناء على قناعات أخلاقية. وغالباً ما يرتبط هذا النوع بمدى شعورنا بالمسؤولية تجاه أنفسنا والآخرين. انطلاقاً من هذا التصنيف الدلالي، يمكن أن نترجم الإشكالية الفلسفية لهذا الدرس من خلال الأسئلة التالية: كيف يمكن أن يحيط الوعي بالذات؟ كيف ينفتح عن العالم وعن الآخرين؟ ما هي حدوده؟
الفرق بين الوعي واللاوعي
مفهوم اللاوعي
يمكن اعتبار العقل اللاواعي هو العقل الذي يكون مصدر الأحلام والأفكار التلقائية -تلك التي تظهر دون أي سبب واضح-، ومخزن الذكريات المنسية -التي قد لا تزال في متناول الوعي في وقت لاحق-، وموقع المعرفة الضمنية -الأشياء التي تعلمناها جيدًا بحيث نقوم بها دون تفكير-. تجدر الإشارة إلى أنّ الوعي يتأثّر بأجزاء أخرى من العقل، ومن هذه الأجزاء هو اللاوعي باعتباره عادة شخصية، كونه غير مدرك من قبل الأفراد وباعتباره جزء من الحدس، تشمل بعض الظواهر المرتبطة بين الوعي واللاوعي ظواهر مثل؛ شبه الصحوة والذاكرة الضمنية والرسائل المموهة والهدوء والتنويم المغناطيسي، في حين أن النوم، والسير أثناء النوم، والحلم، والهذيان والغيبوبة قد تُشير إلى وجود عمليات غير واعية، فإنّ هذه العمليات تعدّ أعراضًا وليست عقلاً فاقدًا للوعي نفسه؛ وقد شكّك بعض النُقّاد في وجود اللاوعي.
مفهوم الوعي
يُشار إلى أنّ الوعي هو تجربة أوليّة، مثل تحريك الأشياء ورؤية الأشكال والإحساس بالأصوات والأحاسيس والعواطف والمشاعر في جسم الإنسان كما ترد من مصدرها وتسمّى هذه التجارب التي تعدّ مستقلة عن أيّ تأثير على السلوك بالوعي؛ لكن ومن ناحية أخرى يمكن أن يعدّ ظاهرة يمكن من خلالها الوصول إلى المعلومات في ذهن الأفراد من أجل الإبلاغ الشفهي عناها، والمنطق، والسيّطرة على السلوك، لذلك، عندما يقوم الإنسان بالتفكير فإنّ المعلومات حول ما يدّركه الفرد هي المعلومات الواصلة إلى وعيه؛ وعندما يقوم الفرد بالتأمّل، فإنّ المعلومات المتعلّقة بالأفكار تكون مدركّة وواعية وعندما يقوم الفرد بالتذكر فإنّ المعلومات المتعلّقة بالماضي تكون واعية، وهكذا، وقد أشار بعض الباحثين إلى أنّه يمكن التعرّف على ثمانية أنواع مختلفة بوضوح من الوعي .
حدود الوعي لدى بعض الفلاسفة والمفكرين
كثيرا ما ننسى أن معالجة الفلاسفة والمفكرين لإشكالية الوعي ترتبط بلحظات تاريخية تنعكس فيها هموم ودرجات المعرفة البشرية، ومن هذا المنطلق تختلف تمثلاتهم لحدوده.
يرى فريديريش نيتشه أنه بالإمكان أن يعيش الإنسان حياته في استقلال عن الوعي تماما. لما كانت الحياة البشرية معرضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من أجل البقاء اضطر الإنسان أن يعبر عن نفسه في كلمات، ومن ثمة يكون نمو اللغة ونمو الوعي متلازمين. هكذا اختلق الإنسان لنفسه أوهاما أصبحت تؤطر حياته وأضفى عليها صبغة حقائق تقنن واقعه (كالواجب والمسؤولية، والحرية …إلخ). فالحقائق في العمق ليست إلا أوهاما منسية.
أما فرويد فينظر إلى حياتنا نظرة مخالفة تماما. فالحياة الإنسانية عنده أشبه بجبل الجليد iceberg (ما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي)؛ ومن ثمة نكون مخطئين جدا إذا نسبنا كل سلوكاتنا إلى الوعي، لأن “كل هذه الأفعال الواعية، سوف تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى الزعم بأنه لا بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا …”(فرويد)، فكثير من السلوكات لا تفهم إلا إذا أرجعناها إلى الجانب الأساسي من حياتنا النفسية وهو اللاشعور. وكتمثل توفيقي نستطيع القول بأن الحياة الإنسانية حياة مركبة، حيث يلعب فيها كل من الوعي واللاشعور دورا مركزيا. فإذا كان اللاشعور ضروريا لتفسير كثير من السلوكيات خصوصا منها المنحرفة والمرضية والشاذة، فإنه لا يجب أن ننسى بأن الحياة الإنسانية حرية وإرادة ومسؤولية، حيث يختار الإنسان كثيرا من سلوكاته بكامل الوعي.
التجارب المخبريّة حول الوعي
يعود تاريخ أول تجربةٍ مخبريّة على ظاهرة الوعي إلى سنة ألفٍ وثمانمئةٍ وتسعٍ وسبعين، وهو تاريخ أوّل أبحاثٍ مخبريّة لعالم النفس الألماني ويلهم ماكس وينديت، وكان يهدف من تلك الأبحاث دراسة بنيته وتركيبته، بكل مافيه من عناصر حسيّة وتصوّر وشعور وخيال وذاكرة وحركة وانتباه …الخ من عناصر تعتبر امتداداً لهذه الحالة. كان يعتمد في تلك الأبحاث على عددٍ من التقارير الناتجة عن تجارب أفرادٍ في حياتهم اليوميّة، وقام العالم الأميركي إدوارد برادفورد تشنر بتطوير هذا النوع من الأبحاث، حيث توصّل إلى توصيف بنية العقل عن طريق اعتماده على تلك الطريقة، واستطاع من خلالها تحديد أنواع التذوّق ومناطقها في اللسان، إضافةً إلى تقسيمها لأربعة أقسامٍ هي: الملوحة، والحموضة، والمرارة إضافة إلى الحلاوة.
كيف يكون الحال لو كنتَ خفَّاشًا؟
كيف يكون الحال لو كنتَ خفَّاشًا؟ احتلَّ هذا السؤالُ الغريب أهميةً في تاريخ دراسات الوعي، وقد طُرِح لأول مرة في خمسينيات القرن العشرين، ثم نال الشهرةَ على يد الفيلسوف الأمريكي توماس ناجيل عام ١٩٧٤. استخدم ناجيل هذا السؤالَ لتحدِّي مذهب المادية، ولاكتشاف ما نعنيه بهذه الكلمة، وليرى لماذا يجعل الوعي مشكلةَ “العقل-الجسد” معقَّدةً إلى هذا الحد. إذا كان هناك حالٌ معيَّن يكون عليه الكائن إذا أصبَحَ خفَّاشًا – حالٌ يشعر به الخفَّاشُ نفسه- إذن فالخفَّاش كائن واعٍ، وإذا لم يكن هناك حالٌ معيَّن عندما يكون الكائن خفَّاشًا، إذن فالخفاش غير واعٍ.
فكِّرْ على سبيل المثال في كوبٍ أو إناءٍ أو قطعةٍ بلاستيكية على مكتبك، اسأل نفسك الآن: كيف يكون الحال لو كنتَ كوبًا؟ من المرجَّح أنك ستُجِيب بأنه لا يوجد أيُّ حالٍ على الإطلاق؛ لأن الأكواب لا تشعر، ولأن الخزف جماد … وهكذا. على الأرجح لن تواجِهَ مشكلةً في القول إن الأكواب والأواني ليسَتْ واعيةً، لكن انتقِلْ إلى الديدان أو الذباب أو البكتيريا أو الخفافيش، وسوف تجد المشكلة؛ فأنت لا تعرف- أو بالأحرى لا يمكنكَ أن تعرف- كيف يكون الحال لو كنتَ دودةَ أرض. مع ذلك، فإنك – مثلما يقول ناجيل – إذا فكَّرْتَ أن هناك حالًا معيَّنًا تكون عليه لو كنتَ دودةً، فأنت تعتقد أن الدودة كائنٌ واعٍ.
المشكلة الصعبة هي: كيف تنشأ تجاربُ ذاتيةٌ من دماغ ماديٍّ موضوعيٍّ؟
ضرب ناجيل بالخفاش مثلًا لأن الخفافيش مختلفةٌ تمامًا عنَّا؛ فهي تطير، وتعيش معظم حياتها في الظلام، وتتدلَّى رأسًا على عقب من الأشجار أو في كهوف رطبة، وتستخدم نظامَ سونار – بدلًا من الإبصار- لرؤية العالم؛ فهي تُطلِق أصواتَ صرير حادة متلاحِقة أثناء طيرانها، ثم تحلِّل الأصداءَ التي تعود إلى آذانها الحساسة، وهكذا تعرف طبيعةَ العالَمِ حولها.
كيف سيكون الحال إن كنتَ تدرك طبيعةَ العالم حولَكَ هكذا؟ لا فائدةَ من تخيُّلِ نفسِكَ خفَّاشًا، لأن الخفَّاش الناطق المثقَّف لن يكون خفَّاشًا طبيعيًّا على الإطلاق. وفي المقابل، إذا أصبحتَ خفَّاشًا طبيعيًّا، فليس في مقدورك التفكير أو الكلام، فلن تستطيع الإجابةَ على سؤالِكَ.
وعي الزومبي!!
تخيَّلْ شخصًا يُشبِهك تمامًا، يتصرَّف مثلك، ويفكِّر مثلك، ويتحدَّث مثلك، لكنه غير واعٍ على الإطلاق. ذلك الشخص الآخَر الذي يشبهك ليست لديه تجارب واعية شخصية، وكل أفعاله تحدث دون أي وعيٍ؛ ذلك الكائن اللاواعي – وليس الجثة نصف الميتة المتداولة في الفلكلور الهاييتي – هو ما يُطلِق عليه الفلاسفةُ اسمَ زومبي.
من المؤكَّدِ أنه من السهل تخيُّل الزومبي، لكن هل هم موجودون حقًّا؟ ذلك السؤال الذي يبدو بسيطًا يقودنا إلى عالَمٍ كامل من التعقيدات الفلسفية.
مَن يجيبون على السؤال ﺑ “نعم” هم مَن يؤمنون بإمكانية وجود نظامين متكافئين وظيفيًّا؛ أحدهما واعٍ والآخَر غير واعٍ، وفي هذا الجانب نجد تشالمرز الذي يقول إن الزومبي ليسوا كائنات متخيَّلة فقط وإنما وجودها وارد؛ في عوالم أخرى إن لم يكن في عالمنا هذا. إنه يتخيَّل توءمه الزومبي الذي يتصرَّف مثله تمامًا لكن بلا تجارب واعية، وبلا عالم داخلي ولا تجارب واعية ذاتية؛ فالظلام يملأ عقلَ الزومبي تشالمرز. فكَّرَ فلاسفةٌ آخَرون في تجارب فكرية تتضمَّن كوكبَ أرضِ زومبي مأهولًا بأفراد من الزومبي، أو فكَّروا في أن بعض الفلاسفة الأحياء هم في الحقيقة زومبي يتظاهرون بالوعي.
أما مَن يجيبون على السؤال ﺑ “لا”، فهم الذين يرون فكرةَ الزومبي برمتها مستحيلةً، ومنهم تشيرتشلاند والفيلسوف الأمريكي دانيال دينيت. إنهم يرون الفكرةَ عبثيةً؛ لأن أيَّ نظامٍ يمشي ويتكلَّم ويفكِّر ويلعب ويختار ما يرتديه ويستمتع بعشاء طيب، ويفعل كافةَ الأشياء الأخرى التي نفعلها، يتعيَّن بالضرورة أن يكون واعيًا، المشكلة على حدِّ قولهم أن الناس عندما يتخيَّلون وجودَ الزومبي، فإنهم يتحايلون ولا يأخذون تعريف الزومبي بما يكفي من الجِد. إن كنتَ لا تريد التحايُلَ، تذكَّرْ أنه لا مفرَّ من تعذُّر التمييز خارجيًّا بين الزومبي وبين شخص طبيعي، ومعنى ذلك أنه لا جدوى من سؤال الزومبي عن تجاربه أو اختبار فلسفته؛ إذ لا بد أنه يتصرَّف مثلما يفعل الشخص الواعي تمامًا. يقول منتقدو هذه الفكرة إنك إذا كنتَ تريد اتِّبَاع القواعدِ حقًّا، فستختفي الفكرةُ وسط ما يحيط بها من عبثية.
من المفترض الآن أن يكون مفهومًا أن الزومبي مجرد وسيلةٍ واضحة للتفكير في السؤال الأساسي: هل الوعي سمة خارجية خاصة حالَفَنا الحظُّ – نحن البشرَ -بامتلاكها، أم أنه شيء يأتي بالضرورة مع كلِّ المهارات الأخرى مثل الإدراك الحسي والتفكير والشعور؟ إذا كنتَ تعتقد أنه سمة خارجية، فربما تصدِّق أننا تطوَّرنا جميعًا إلى كائنات زومبي لا أفراد واعين، بل ربما تصدق أن جارك قد يكون واحدًا من الزومبي. لكن إذا كنتَ تعتقد أنه مهارة أساسية لا تنفصل عن المهارات البشرية الأخرى، إذن فلن يكون من المعقول وجود الزومبي، وتصبح الفكرة برمتها عبثيةً.
الفكرة برمتها عبثية، وعلى الرغم من ذلك، فإنها تظلُّ جذَّابةً إلى حدٍّ بعيدٍ؛ لأنه من السهل للغاية تخيُّل الزومبي. لكن مدى سهولة تخيُّل شيءٍ ما لا يقودنا بالضرورة إلى التأكُّد من وجوده، لذا دَعْنا نفكِّر في جانبٍ مختلفٍ تمامًا من المشكلة نفسها؛ وهو إن كان الوعي يفيد في شيء أم لا.