مع ازدياد العناية بالاقتصاد الإسلامي خاصة مع تلك الأزمات الاقتصادية العالمية الكبرى، التي تؤثر في اقتصاديات الدول على مستوى العالم، برزت العناية بالفكر الاقتصادي الإسلامي، باعتباره يقدم حلولا لكثير من الإشكاليات الاقتصادية، على أن كثيرا من العلماء يقدمون الاقتصاد الإسلامي في غالبه في صورة ( فقه المعاملات المالية)، ويقتصر الحديث فيه عن المحرمات في المعاملات المالية ، مثل: الربا وبيان أثره السلبي على الاقتصاد، وكذلك بعض المحرمات الأخرى، كالغش والتدليس والغرر، وكذلك الحديث عن التمويل الإسلامي والعقود التي تعتمدها المصارف الإسلامية، وعلى رأسها: التمويل، والمضاربة والمرابحة، والمشاركة والإجارة، بأنواعها، والتركيز على وجوب اتباع الأحكام الفقهية التي تتعلق بهذه القضايا الكبرى.
تعريف الاقتصاد الإسلامي
على أن رؤية الإسلام للاقتصاد الإسلامي لا تقتصر على فقه المعاملات المالية، والاقتصار عليه إضرار بنظرية الاقتصاد الإسلامي، فالمعاملات المالية وفقهها جزء من أجزاء الاقتصاد الإسلامي، لكنه أشمل منها بكثير.
فيعرف الاقتصاد الإسلامي بأنه:
دراسة الحوافز المؤثرة في اختيارات الإنسان لإشباع احتياجاته بالاستخدام الأمثل للموارد وفق تعاليم الإسلام.
وقد قدم الإسلام في الاقتصاد مبادئ وقيما وأسسا تحفظه من الانحراف والخروج عن مقاصده من تحقيق مصالح الناس وإشباع الحاجات والعيش السعيد وتوظيف الموارد لسد الخلات، لكنه لم يأت ببرامج عملية، وذلك لمرونة الإسلام في التعامل مع الظواهر الاجتماعية ومنها الظاهرة الاقتصادية، لتكون تلك البرامج متطورة ومتغيرة حسب الأزمنة والأمكنة والأعراف والتقاليد، ومن هنا يأتي دور الاقتصاديين المسليون ليضعوا البرنامج المناسبة لكل بيئة في عصرهم، فيجمع الإسلام في الحركة الاقتصادية بين الثبات والمرونة، ثبات في الأهداف والغايات، ومرونة في الوسائل والإجراءات، وتلك واحدة من عظمة الفكر الإسلامي في مجالات الحياة، بما فيها المجال الاقتصادي.
فالاقتصاد الإسلامي يعتني – كما يعتني الاقتصاد التقليدي بما يلي:
الاقتصاد الجزئي: الذي يهتم بدراسة اقتصاد الأفراد والجماعات المؤسسات، وكيفية اتخاذ القرارات الاقتصادية المناسبة
والاقتصاد الكلي: الذي يهتم بدراسة الاقتصاد على المستويين: المحلي والعالمي، خاصة فيما يتعلق بسعر الفائدة، والضرائب، والتضخم، والنمو، والبطالة وغيرها من القضايا الكبرى.
لكن بناء على الرؤية الإسلامية والضوابط الشرعية وبناء على تعاليم الإسلام في مجال الاقتصاد الإسلامي.
ثم إن غالب فقه المعاملات المالية يعنى بجانب المال والنقود وكيفية استثمارها، لكن الاقتصاد الإسلامي نظرته أوسع من استثمار النقود – كما في المصارف الإنسانية-، فهو يهتم بجوار هذا بالموارد الطبيعية وكيفية الاستعمال الأمثل لها، كما يهتم بالعمل والإنتاج والتوزيع.
أهداف الاقتصاد الإسلامي
يهدف الاقتصاد الإسلامي إلى تحقيق جملة من المقاصد، من أهمها:
1 – تحقيق النمو الاقتصادي على المستويين: المحلي والعالمي:
2 – ضبط حركة السوق، وعدم التلاعب بالأسعار.
3 – تحقيق الكفاءة الاقتصادية.
4 – تأمين فرص عمل للأيدي العاملة.
5 – زيادة الإنتاج.
6 – تأمين الحرية الاقتصادية والأمن الاقتصادي للأفراد والمجتمعات.
7 – توزيع الدخل والثروات بشكل عادل.
موضوعات الاقتصاد الإسلامي
ومن أهم الموضوعات التي يناقشها الاقتصاد الإسلامي ما يلي:
1– الحرية الاقتصادية: المسلم له الحرية في اتخاذ قراراته الاقتصادية التي تتعلق بمعاملاته المالية بكافة أنواعها، وكذلك في العمل والإنتاج والاستثمار والاستهلاك وغيرها، لكنها حرية منضبطة بما يحقق مقصد حفظ المال من جهة، وبما يمنع الضرر على الآخرين من جهة أخرى، بما يحقق (النظرية الاقتصادية في الإسلام)، باعتباره قدم للبشرية نظاما اقتصاديا شموليا.
2– السوق: اعتنى الإسلام بدور السوق في الحركة الاقتصادية في المجتمع، وذلك من خلال تخصيص الموارد وتوزيعها على أفراد المجتمع، وتوفير البيئة المناسبة لتحقيق أهداف السوق من التنافسية وزيادة الإنتاج والعرض والطلب..
وتقوم رؤية الاقتصاد الإسلامي على أن عوامل الإنتاج الثلاثة ( العمل- رأس المال- الأرض) كلها تدخل في عملية توزيع الإنتاج، لكن يبقى العمل له النصيب الأكبر،
شكل المشاركة:
ويحدد الاقتصاد الإسلامي شكل المشاركة بين عوامل الإنتاج على نحو من الاختيار:
أ- المشاركة الربحية، فيكون النصيب هو جزء من الناتج.
ب- الأجرة، وهو ما يتقاضاه الفرد مقابل العمل.
3– الإنتاج: وهو مجموعة السلع والخدمات التي تشبع حاجات الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وعناصره أربعة: الأرض والعمل والتنظيم ورأس المال.
وامتاز الإنتاج في الاقتصاد الإسلامي عن غيره بعدة أمور، من أهمها:
أولا – الدعوة لزيادة الإنتاج وتلبية احتياجات الناس من السلع والخدمات المتنوعة.
ثانيا – الحلال: فيمتاز المسلم في الإنتاج بأنه ينتج ما أحله الله تعالى، ويبتعد عما حرم عنه
ثالثا – الكفاءة الاقتصادية:
يقصد بالكفاءة الاقتصادية الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، بحيث تقدم الكفاءة مزيدا من السلع والخدمات بأقل قدر من الموارد.
4– الإنفاق: هو صرف الأموال في الأوجه المتنوعة.
أنواع الإنفاق:
أولا – الإنفاق الاستهلاكي: وهو الإنفاق لشراء السلع والخدمات اللازمة لإشباع احتياجات الإنسان.
ثانيا – الإنفاق التطوعي أو التعاوني: وهو الإنفاق في وجوه الخير تطوعا دون عوض.
ثالثا – الإنفاق الاستثماري: وهو صرف المال في أوجه زيادته واستثماره ونمائه. وهذا الشق هو أكبر الجوانب التي يعنى بها فقه المعاملات المالية.
5– توزيع الثروات والدخل:
أولا – توزيع الثروات:
قسم الفقهاء الملكية إلى نوعين:
أ – الملكية العامة: وهي التي لا يجوز للأفراد تملكها، ولا يجوز للدولة بيعها لا للأفراد، ولا المؤسسات، وهي الثروات الطبيعية، كالأنهار والبحار والمحيطات، والمناجم، والبترول والغاز، والغابات، وهي ما يعود نفعها على الجميع.
ب– الملكية الخاصة: وهي الموارد التي يسمح للأفراد والمؤسسات امتلاكها، وقد وسع الإسلام من وسائل الملكية الخاصة، وعلى رأسها العمل والتجارة، أو ما يعرف في الفقه بـ ( عقود المعاوضات)، وكذلك أيضا عن طريق ( عقود التبرعات) كالصدقة والهبة والزكاة والوقف والوصية، أو ما كان انتقال ملكية كالميراث.
6– العدالة الاجتماعية: يقصد بها تحقيق العدالة في توزيع الثروات والاستفادة من الموارد بين أفراد المجتمع دون محاباة أو طبقية.
وتنقسم العدالة الاجتماعية إلى قسمين:
القسم الأول: التكافل العام – يقصد به توفير الاحتياجات الأساسية لأفراد المجتمع، من المأكل والمشرب والملبس، وهذا الدور منوط بالفرد أولا في المقام الأول من خلال وسائل الكسب بما فيها العمل، كما أنه دور الدولة، ثم هو دور الأفراد فيما بينهم، من باب تحقيق أخوة الإسلام، كما ورد في الحديث الذي أخرجه الطبراني والحاكم وصححه الذهب، عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ﷺ: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.”
ولا يقف الأمر عند حد الكفاف، الذي هو: ” ما كان بقدر الحاجة ولا يفضل منه شيء ، ويكف عن السؤال.
ثانيا– التوازن الاجتماعي، ينقسم التوازن الاجتماعي إلى قسمين:
الأول: التوازن الطبيعي – تزعم النظرية المادية أن الاختلاف بين الناس سببه التركيب الطبقي، بخلاف الرؤية الإسلامية التي ترى أن الاختلاف سببه تفاوت البشر في القدرات الفردية، ولهذا قرر القرآن طبيعة الاختلاف بين الناس في أكثر من موطن، من ذلك قوله: ( ليسوا سواء)، وقوله سبحانه: ( ولا يزالون مختلفين).
الثاني: التوازن الكسبي – يقصد به تفاوت الناس حسب أعمالهم واجتهادهم، فيكون توزيع المال والثروة حسب بذل الطاقة والاجتهاد من كل فرد من الأفراد.
هذه جملة من الأفكار والرؤى التي تتعلق بالاقتصاد الإسلامي، التي تبين أن الحديث عن الاقتصاد الإسلامي ليس هو الحديث عن فقه المعاملات المالية، فالاقتصاد أوسع دلالة ومجالا ونشاطا من فقه المعاملات المالية الذي هو جزء منه، غالبه يقع تحت الحديث عن الإنفاق الاستثماري..