يعد فضيلة الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي البنعلي- رحمه الله -، أحد رموز الدعوة الإسلامية والقضاء الشرعي في قطر طوال أكثر من نصف قرن، فقد مارس التدريس والخطابة والقضاء في رأس الخيمة ما يقرب من ربع قرن ثم تولى القضاء في قطر خمسة وثلاثين عاما.
هو أحمد بن حجر بن محمد بن حجر بن أحمد بن حجر بن طامي بن حجر بن سند بن سعدون آل بوطامي البنعلي. فقيه محقق وقاض كبير وعالم، يعد من صدور العلماء وأعالمهم وأحد رموز الدعوة والقضاء الشرعي طوال أكثر من نصف قرن، تاقت نفسه إلى طلب العلم منذ صباه، فأتجه يغرف من العلوم وهو لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره.
كان خطيبا مفوهاً بليغاً جريئاً وفصيحاً، لا يخاف في قول الحق لومة لائم، يطرق موضوعات تمس حياة الناس، كان لخطبه تأثير في اسماعهم وأفهامهم لتمكنه وتبحره في مختلف العلوم، وتضلعه من فنون الأدب، ودرايته بأخبار العرب وأشعارها وأمثالها ونوادرها.
مارس التدريس والخطابة والقضاء ما يقرب من ربع قرن، متنقلا بين العديد من الدول. درس وحفظ الكثير من المتون في مختلف العلوم والفنون، على أيدي كبار العلماء. كما بدأ نظم الشعر والتأليف ولم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره.وكانت له حافظة نادرة مكنته من حفظ العديد من المتون في علمي الشرع والتشريع.
المولد والنسب
ينتسب إلى قبيلة بني سليم، وموطنهم الأصلي هو حرة بني سليم بالقرب من المدينة المنورة، ثم انتقلوا إلى الإحساء ثم دارين، ثم انتشروا في نواح شتى في شبه الجزيرة العربية وإفريقيا والهند. أما آل بوطامي فقد استقروا في منطقة الزبارة بشمال قطر، ومنها انتقلوا إلى البحرين وساحل عمان وجزيرة قيس.
لا يعرف على وجه التحديد تاريخ ميلاده، ولكن الراجح أنه ولد حوالي سنة 1335 الموافقة 1915م، ونشأ نشأة دينية محافظة في رعاية أمه التي عُرفت بالكرم والنُّبل والصلاح، فقد توفي والده وهو صغير، وكانت أمه قد رأت في حمله رؤيا صالحة رأت طفلًا يشرب لبنًا فقيل لها تلدين طفلًا يشرب العلم كما رأيته يشرب اللبن، فكان مولودُها كذلك بأمر الله عالمًا فذًّا متبحرًا في أنواع العلوم، وقد ظهرت عليه علامات النبوغ والذكاء والنبل منذ نعومة أظفاره، فكان مذ ذاك يحب أن يجالس أهل العلم ولم يكن له توجه إلى اللعب مع الأطفال، بل كان يصاحب ويجالس من هم فوقه وأكبر منه من طلاب العلم، ويدعوهم إلى منزله.
سفره وطلبه للعلم
بدأ الشيخ تلقي العلوم الشرعية منذ صغره، حيث حفظ القرآن الكريم طفلًا، ثم درس الفقه الشافعي والعقيدة السلفية، ثم سافر إلى الإحساء سنة 1931م لاستكمال دراسته للعلوم الشرعية وعمره حينئذ حوالي 15 عامًا.
مكث الشيخ في الإحساء أربع سنوات منقطعًا لطلب العلم على أيدي علماء الإحساء. ثم انتقل إلى قطر، ومنها إلى إمارة رأس الخيمة، حيث أقام بها مدة، ودرس، وأفتى، وعمل بالقضاء، ثم انتقل إلى الرياض سنة 1956م حيث اشتغل بالتدريس في معهد إمام الدعوة.
شيوخه وتلامذته
تلقى العلوم الشرعية على أيدي العديد من العلماء، منهم:
- عبد الله محمد حنفي، وأحمد نور بن عبد الله: تلقى منهما علوم التجويد والعقائد والفقه والفرائض والنحو.
- أحمد بن علي العرفج: تلقى منه علم الفقه على المذهب الشافعي.
- عبد العزيز بن صالح العلجي: تلقى منه علوم النحو والصرف والقوافي والبلاغة والعروض والمنطق وشرح صحيح مسلم.
- محمد بن أبي بكر الملا: تلقى منه علوم النحو والبلاغة ومصطلح الحديث وشرح كتاب سبل السلام.
- عبد العزيز بن عمر بن العكاس: تلقى منه شرح كتاب عقيدة السلف أصحاب الحديث ،وكتاب “مشكاة الأحاديث”، وكتاب “بهجة المحافل” في السيرة النبوية.
كما له جمع غفير من التلاميذ من مختلف الدول يصعب حصرهم، مثل الشيخ عبد العزيز بن محمد آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية.
بين القضاء والتدريس
ولي القضاء الرسمي في رأس الخيمة نحو عشرين سنة، حيث بدأ العمل بالقضاء سنة 1937م في عهد الشيخ سلطان بن سالم القاسمي، وكان عمره لا يتجاوز 31 عامًا، وفي عام 1951م أمر الشيخ صقر بن محمد القاسمي بتعيينه قاضيًا رسميًّا للبلاد، واستمر في القضاء حتى سنة 1956م، وفي تلك السنة تلقى الشيخ دعوة من الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتى المملكة العربية السعودية آنذاك ليكون مدرسًا في معهد إمام الدعوة بالرياض فوافق الشيخ.
وفي عام 1958م عرض عليه أن يتولى القضاء في قطر، فهاجر إلى قطر، واستقر بها، وكان عمره 42 عامًا، حتى طلب الإعفاء من القضاء في عام 1991م حيث تقاعد وتفرغ للتأليف ونشر العلم.
كما مارس الشيخ التدريس إلى جانب ممارسته للقضاء، فقد قام بالتدريس لطلبة العلم في مجلسه في مدينة المعيريض، وكذلك في رأس الخيمة بمدرسة الهداية، والتي ساهم في تأسيسها.
في سنة 1954م توجه مع الشيخ حميد بن محمد القاسمي بتكليف رسمي من الشيخ صقر بن محمد حاكم رأس الخيمة آنذاك إلى حكومتي البحرين والكويت لطلب المساعدة في فتح مدارس حديثة في رأس الخيمة، فاستجابت حكومة الكويت، وأرسلت مدرسين وكتبًا، وعمل كمدرس في معهد (إمام الدعوة) بالرياض، كما كان يقوم بالتدريس لطلبة العلم في مجلسه في قطر.
علاقاته الوثيقة بالعلماء
كان الشيخ احمد بن حجر على علاقة وثيقة بعدد كبير من القضاة الأفاضل فكانت تربطه بهم علاقات أخوية متينة وكثيرا ما تدور بينهم مراسلات ومناقشات حول العديد من المسائل الفقهية ومن هؤلاء :
في رأس الخيمة: الشيخ محمد بن سعيد بن غباش، والشيخ احمد بن سيف بن بهيو، والشيخ مشعان بن منصور والشيخ عبدالله بن علي بن سلمان.
وفي دبي: الشيخ محمد الشنقيطي.
وفي الشارقة: الشيخ سيف بن محمد المدفع.
وفي عجمان: الشيخ عبدالله بن محمد الشيبة والشيخ عبدالكريم البكري.
وفي قطر: الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع والشيخ عبدالله بن زيد المحمود.
وفي الإحساء : الشيخ عبد العزيز بن بشر والشيخ عبدالله بن عمر بن دهيش.
وفي الدمام : الشيخ محمد العمود والشيخ محمد العودة.
وفي الرياض: الشيخ عبدالعزيز بن باز والذي كان زميله في الدراسة.
وفي البحرين: الشيخ جاسم بن مهزع والشيخ عبداللطيف بن سعد.
وفي الكويت: الشيخ عبدالعزيز بن حمادة والشيخ يوسف القناعي.
مؤلفاته وكلماته المضيئة
كان محبًّا للقراءة واقتناء الكتب، حتى احتوت مكتبته الشخصية حوالي عشرين ألف كتاب. وصنف العديد من الكتب في مختلف العلوم الشرعية الإسلامية، كالتوحيد، والفقه، وقضايا المجتمع الإسلامي.
وكان محبًا للشعر العربي، وألف قصائد في المسائل العلمية وخاصة الاعتقادية، بالإضافة إلى ما ألفه في المسائل الاجتماعية، ولكنه لم يرغب في أن يُعرف ويشتهر كشاعر، ولذلك لم يحتفظ من أشعاره إلا بالقليل.
امتاز الشيخ ابن حجر – رحمه الله – بإنتاجه الوافر وقلمه السيَّال، فقد خلَّف وراءه العديد من المؤلفات التي نفع الله بها المسلمين، وكانت محاور كتبه تدور حول علوم الشريعة الإسلامية، كالتوحيد، والفقه، وقضايا المجتمع الإسلامي، ونحو ذلك. وقد بلغت عدد مؤلفاته ثمانية وعشرين مؤلَّفًا، بعضها طبع أكثر من مرة، منها:
- العقائد السلفية (منظومة)، وقد شرحها في كتاب.
- الدرر السنية في عقد أهل السنة المرضية (منظومة).
- جوهرة الفرائض (منظومة).
- اللآلئ السنية في التوحيد والنهضة والأخلاق المرضية (منظومة).
- شرح العقائد السلفية بأدلتها العقلية والنقلية.
- تطهير الجَنَان والأركان عن دَرَن الشرك والكُفران.
- الإسلام والرسول في نظر منصفي الشرق والغرب.
- الرد الشافي الوافر على من نفى أمية سيد الأوائل والأواخر.
- سبيل الجنة بالتمسك بالقرآن والسنة.
- تحذير المسلمين من البدع والابتداع في الدّين.
- تطهير المجتمعات من أرجاس الموبقات.
- الخمر وسائر المسكرات تحريمها وأضرارها.
- الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد القرن الثاني عشر المفترى عليه.
- الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه.
- إعانة القريب المجيب في اختصار “الترغيب والترهيب” وشرحه “تحفة الحبيب”.
- نيل الأماني شرح مباسم الغواني في نظم عزية الزنجاني في علم الصرف.
- نقض كلام المفترين على الحنابلة السلفيين.
وقد صدر برنامج موسوعي بعنوان “مكتبة الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي” يعتني بجمع مؤلفات الشيخ – رحمة الله- .
ومن كلماته ودرره المضيئة مايلي:
- ” تأسّى أبناء المسلمين بالكفار في أسوأ العادات والتقاليد وفيما يخالف الطبع المستقيم..”.
- “فمتى ما انسلخ المرء من الإيمان أو ضعف إيمانه هان لديه ارتكاب كل فاحشة وانتهاك كل محرم، وهذا ما أراده الأعداء بنا”.
- “العقول السليمة لتحكم بتحريم الخمر والميسر لما فيهما من الأضرار التي تفوق العد والإحصاء ولو لم تأت بتحريمهما شريعة”.
- “وقد كثرت شهادة الزور في المجتمعات الإسلامية”…”.شأن المسلم أن يكون نزيهاً من الكذب والغدر والنفاق والمكر والنميمة، وسائر الأوصاف الذميمة المجانبة للإيمان والإسلام ولتعاليم القرآن والسنة النبوية”.
“قد فشى في هذا العصر تشبه الكثيرين من الشباب بالفتيات وتشبه الفتيات بالشباب”…”إن الإسلام رتب للمرأة حقوقاً لم تبلغها قبله ولن تنالها بعده، كان ذلك بغير نضال ولا صيحات ولا اجتماعات ولا مقررات، ولكنها شريعة الله التي تعطي كل ذي حق حقه بغير انتقاص ولا ضياع”..”لا يخفى أن دين الإسلام قد رفع مقام المرأة وأكرمها إكراماً لم تحلم به في الأمم السالفة”.
“وما تركتهما أمة إلاّ فشت فيها الفوضى وفساد الأخلاق والاضطراب، ونهايتها إلى الاضمحلال والزوال” أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قالوا عنه
قال عنه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في ثناء عليه ووصفه بالعلامة “ومنهم في عصرنا الشيخ العلامة أحمد بن حجر بن محمد آل بوطامي القاضي حالياً بالمحكمة الشرعية بقطر، فقد ألف كتاباً موجزاً مفيداً عنوانه: الشيخ محمد بن عبدالوهاب عقيدته السلفية ودعوتها الإصلاحية وثناء العلماء عليه، أجاب فيه وأفاد وأوضح دعوة الشيخ وعقيدته وجهاده بأسلوب مفيد”.
ومن أجمل ما كتب عنه أنه “العلامة السلفي المحقق الفقيه الأصولي، رمز من رموز الدعوة الإسلامية،قاض وحافظ للمتون، فارس من فرسان الفقه والعقيدة، مصدر للعلم والفتوى،يسعى في حوائج إخوانه، الزاهد الورع، المعلم الواعظ، خطيب محبوب، يُقبل الناس عليه،صادق ظاهره كباطنه، حمل أعباء القضاء بكل أمانة ونزاهة وإخلاص، لا يجامل صديقاً ولا مسؤولاً، ولا يجاري عامة ولا خاصة، عالم صادع بالحق،وكما كان عادلاً في قضائه كان صادقاً في فتواه،متحرياً للحق والصواب، قادراً بفضل الله على حل المشكلات في سرعة وحسم، امتاز رحمه الله بإنتاجه الوافر وقلمه السيّال، شغوف بكتب التوحيد وبكتب السنة، وباغض للبدع ومبتدعيها.
وفاته
أصابه مرض ألزمه الفراش مدة طويلة. حتى وافته المنية صباح الثلاثاء الخامس من جمادى الأولى سنة 1423هـ / الموافق 14/6/2002م عن عمر ناهز الثمانية والثمانين عامًا.
وكتبت عدة مؤلفات عن الشيخ – رحمة الله – منها:
- أطروحة للدكتوراه بعنوان “جهود العلامة أحمد بن حجر آل بوطامي في تقرير عقيدة السلف والرد على المخالفين“ للباحث إسماعيل بن غصاب العدوي.
- أطروحة ماجستير بعنوان “جهود الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في الدعوة إلى الله“ للباحث غلاب بن حماد الزائدي (1431/1432) بكلية الدعوة وأصول الدين ـ جامعة المدينة المنورة.
- أطروحة ماجستير بعنوان “ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﺦ أحمد بن حجر آل بوطامي في النوازل الفقهية جمعًا ودراسة” إعداد عبد الله بن يوسف بن نيروز بن إبراهيم؛ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1429هـ.