من خلال 40 عاما بحثا وتنقيبا في ميدان الدراسات المستقبلية ، اشعر بأن اتجاهات عظمى ثلاثة تهيمن على منظومتي المعرفية الى حد الاستسلام لها في رؤيتي للمستقبل البعيد ، ويمكن أن أوجز هذه الاتجاهات (رغم الصعوبة الهائلة في ايجازها نظرا لما تخلقه من تساؤلات عميقة او ساذجة لدى القارئ) على النحو التالي:
1- ظاهرة (Ephemeralization) (طرحها. Buckminster Fuller ) : والتي تعني أن التطور العلمي سيصل الى نقطة يزداد فيه الانتاج في كل المجالات كما ونوعا ولكن باستخدام مواد أقل شيئا فشيئا الى أن نصل لصناعة كل شيء من لاشيء، وهو ما يعني الانتهاء من هواجس مالثوس ومن الخوف من ندرة الموارد ، وهو ما سيترتب علبه نتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية لا حدود لها.
2- ظاهرة ال(WEAST) التي ( طرحها Bart Van Steenbergen )أي اننا سنصل الى تصالح منطقي(وليس استرضائي او تسامحي) بين الثقافة الغربية(WEST ) بمضمونها المادي التقني ، والثقافة الشرقية (EAST) بمضمونها الصوفي الجواني لا الشعائري، وسيؤدي ذلك الى تغير عميق في مناهج التفكير باتجاه نقلات نوعية كبرى في الإدراك الانساني للظواهر المختلفة وفي نمط العلاقات بين المجتمعات الى حد صعوبة وضع حدود جيوثقافية.
3- تداخل الآلة والانسان: إن تسلل الآلة لجسد الإنسان بدءا من النظارة الطبية وسماعات الاذن وصولا للمفاصل الصناعية ومنظم القلب وفي 32 جزءا آخر من الجسم حتى الآن، يقابله دخول الانسان في الآلة بدءا من الصورة للصوت والصورة ( الكاميرا والراديو والتلفاز والمسجل ..الخ) وصولا الى التفكير ووضع النماذج وحل المسائل بعقلها هي (الكومبيوتر) طبقا للمدخلات الانسانية، وهو ما سيشكل علاقة جديدة بين الفرد وآلته وبيئته بكل ما تنطوي عليه هذه العلاقة من تداعيات على التفكير والابداع والوجدان، ولعل دراسات Ilya Prigogine بخاصة نظريته ” النظام من خلال الفوضى” تشرح هذا الاتجاه في اطار المنهج الكلاني(Holistic).
أترك الحكم على ذلك كله للأجيال القادمة وهي التي ستقول ” ربما أو لا”…..ربما.