أكد البيان الختامي لمؤتمر “قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر العلامة يوسف القرضاوي” على أهمية ارتباط مفهوم التجديد في الأدبيات الشرعية والدراسات الإسلامية بالأصل واتصاله بالعصر ومزاوجته بين تراث السلف ومعارف الخلف.
وطالب العلماء والأكاديميون في بيان صدر عن المؤتمر الدولي التاسع لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر والذي جاء بعنوان : “قراءات في قضايا التجديد والترشيد في فكر العلامة يوسف القرضاوي” خلال الفترة من 15 – 19 أكتوبر 2023 م، بالانفتاح على الفكر الإنساني الواسع والاتصاف بالجهد الجماعي والتصور الإحيائي والأداء المؤسسي بما يحقق غايات مقاصد الشريعة .
وشدد المؤتمر على ضرورة إعادة التفكير في مشروع الشيخ القرضاوي وفق السياقات المعاصرة، وبتقويم ما يقبل الاستمرار والتعديل، وما يقبل التجاوز، وبالانتقال من التشكيل الكاذب والمزيف للهويات، إلى التشكيل الحقيقي لها، بما أن كتاباته تشكل أنموذجاً معرفياً جديداً في تجاوز عجز المعرفة التقليدية وتعثرها في قراءة السياقات المعاصرة، وتحريرها من أسر المقولات الحَدِّيَة، وبما أنها تعكس غنىً من حيث النظر إلى ظاهرة العلوم الإنسانية والاجتماعية، والتأسيس لأنثروبولوجيا العلاقة بين الأنا والآخر، وفق الرؤية القرآنية التوحيدية، التي تعزز عوامل التعاون الإنساني، وتحرره من إكراهات وانحيازات.
كما أكد المؤتمر على أهمية الاستفادة القصوى من الدرس العقدي لدى الشيخ القرضاوي لوجود ملامح تجديدية مهمة عنده، ومن المفيد استجلاؤها وإبرازها في منابر التعليم والدعوة، ومن تلك الملامح التجديد في مدلول العقيدة حيث شمل كلّ ما يُطلب الإيمان به من حقائق تتعلّق بالغيب أو تتعلق بما هو قطعي من الأحكام العملية، من أجل تجاوز الاقتصار على الإيمان بالغيبيات. والتجديد كذلك في توسيع دائرة المفردات العقدية لتشمل مسائل لم تكن معهودة في الدرس العقدي الموروث، والتجديد أيضا في منهجية البيان العقدي في اتجاه الاستدلال على العقيدة استدلالا بيانيا قائما على الدليل النقلي واستدلالا عقليا قائما على الدليل المنطقي والدليل النفعي، من أجل الإقناع بها ومن أجل تعميقها في النفوس ببيان منافعها في الحياة وبعد الممات، والتجديد في كيفية التحمّل الإيماني للعقيدة بحيث يكون تحمّلا يفضي إلى تكيّف النفس بحقائق العقيدة لتصبح لها حالا بدل أن تبقى على مستوى التصديق بأنها حق.
ودعا البيان الختامي إلى الاستفادة من نظريات الشيخ القرضاوي في تفسير القرآن الكريم وعلومه وفي السنة النبوية والتعامل معها وأنه صاحب نظرية معرفية في فهم القرآن الكريم والسنة النبوية، ولنظريته دعائم ومعالم أبدع الشيخ القرضاوي فيها بإبرازها بعد أن كانت مطمورة أو متفرقة ضمن مباحث أصول الفقه وقواعد التفسير، كما أبدع في حسن صياغته لها، وتوسعه في شرحها وتأصيلها، وإكثاره من الأمثلة التطبيقية عليها، حتى أضحت منهجًا جديداً قائمًا بذاته وفرض نفسه على الدارس الشرعي كي يقتفي أثره ويسهم في إثرائه، هذا فضلا عن قدرته على توظيف القواعد الأصولية والمقاصدية التي بناها الشاطبي، وحولها إلى منهج حي وفاعل ومواكب لمستجدات الحياة، وما يقذف به الواقع من إشكالات.
وأوصى البيان الختامي إلى الاستفادة من إبداعات الشيخ القرضاوي في مجال المالية الإسلامية والاقتصاد الإسلامي تنظيراً، وتطبيقًا، وإسهامه في تجديد فقه الأموال تأصيلا وتنزيلا، وتخليقا، وتقصيدا، وتقعيدا، وجمعه بين التأصيل الفقهي، وروح العصر، والتيسير ورفع الحرج، حيث كانت له توجيهات قيمة للمصرفية الإسلامية، ورؤية بضرورة إخراجها من دائرة المرابحات وتمويل الاستهلاك، إلى النهوض بالتنمية الشاملة، والمشاركة الحقيقية في الغنم والغرم، والدخول في اقتصاد حقيقي لا صوري، وذلك من أجل دفع مخاطر وأزمات تعصف بالمعاملات المالية وتؤثر سلبًا على استقرار المبادلات التجارية.
وطالب البيان بتبني فقه جديد متخصص بالأقليات المسلمة، بالرغم من التقائه مع أصول الفقه ومرتكزاته العامة، وذلك لخصوصيته التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، وبسبب اختلاف الزمان والمكان والعوائد عن سائر المسلمين المقيمين في بلادهم الأصلية اليوم وعن المسلمين السابقين الذين أفتى لهم العلماء وملأت اجتهاداتهم كتب التراث الفقهي. ويراعي هذا الفقه واقع الأقليات وخصوصياتهم، في إطار الفقه العام ومرجعياته، وعالمية التشريع وسماحته وترسيخ فقه الموازنة وفقه الأولويات في النظر للمصالح والمفاسد، والتوفيق بين الحفاظ على هويتهم الإسلامية واندماجهم في شؤون مجتمعاتهم من غير عزلةٍ ولا ذوبان، ومراعاة سنة التدرج، والاعتراف بالضرورات والحاجيات.
ووجه البيان إلى تبني النظر المقاصدي الذي اعتمده الشيخ بوصفه أنجع الوسائل في معالجة المسائل الخاصة بالمرأة والأسرة، باعتبارها أهم المحاور التي استغرقت اهتمام المفكرين والمصلحين في العصر الحاضر، والتي استطاع الشيخ وضعها ضمن الوضع الطبيعي المقصود شرعا، وتحريرها من فتاوى التعجيز والتحرر من الضوابط، إلى فتاوى الاستقامة، والرقي والوسطية.
ونبه البيان إلى تفعيل مقولات الشيخ القرضاوي الداعية إلى ضرورة ترتيب البيت الداخلي للمسلمين سواء في الحوارات البينية أو في الحوار مع غيرهم، بالبدء بانتهاج المصارحة والمكاشفة وفق السندات القرآنية والشواهد النبوية والاستنارة بالمدعمات التاريخية، واجتناب التفكير والعمل بمنطق التكفير أو بمناهج الغلاة والمتشددين، وإلى استثمار النصوص الفكرية للعلامة القرضاوي على اختلاف مجالات اهتمامها بما تملك من قوة انسيابية وترتبط بالقواعد الكلية التي استخلصها من تجربته الطويلة في العمل العلمي والدعوي.
ودعا المؤتمر في بيانه الختامي إلى دعم إنشاء موسوعة الشيخ القرضاوي الإلكترونية ومتابعتها، بهدف إتاحتها لطلبة العلم والمسلمين عامة مع إرفاق الموسوعة المطبوعة بمزايا وخدمات تقنية متقدمة، وإنشاء موسوعة القرضاوي المرئية والمسموعة، بحيث تجمع أرشيفه الضخم من الخطب والدروس والبرامج الإذاعية والمتلفزة.