عنوان الكتاب: الإسلام والإنسان: من نتائج القراءة المعاصرة، المؤلف: محمد شحرور، سنة النشر: 2016- دار الساقي- بيروت. يقع هذا الكتاب في 207 صفحات موزعة على أربعة فصول ومقدمة وتمهيد وخاتمة، يقر الكاتب في مقدمته بان كتابه “تجميع لما ورد في كتبه الأخرى” ،وفي التمهيد يشير إلى ذهابه المباشر للقرآن والتعامل معه من خلال العقل والبحث عن شواهد مادية تعزز ما يراه العقل.
أما الفصل الأول (من هم المسلمون) من كتاب “الإسلام والإنسان” فيستعرض فيه سلسلة من الآيات القرآنية المتتابعة تاريخيا ليستدل منها على أن المسلمين هم اتباع كل الديانات، وأن الإسلام هو “الايمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح” محددا العمل الصالح في الالتزام بالقيم الإنسانية التي تمثلها الفطرة وتغير الظروف، ويربط بين هذه القيم وبين “المحرمات وعددها 14” والأوامر والنواهي(وهي عشرة). ثم ينتقل الكاتب ليحدد ما هو نقيض الإسلام وهو الإجرام وهو شيء يختلف عن الإلحاد.
في فصله الثاني (من هم المؤمنون) يميز الكاتب بين المؤمنين (أتباع الرسالة المحمدية) والمسلمين (أتباع كل الديانات التي تؤمن بالله واليوم الآخر والعمل الصالح) مما يعني في رأيه أن الإسلام هو الأعم “مستندا للنص”: “إن الدين عند الله الاسلام”.
ويميز الكاتب في كتابه “الإسلام والإنسان” بين الرسول والنبي، فالثاني لا يعلم الغيب بل يبلغ عنه وليس له معجزات مادية، وعليه يرى أن اجتهاد النبي محمد (صفحة90)كان لتنظيم مجتمعه، ولا تلزم طاعته فيها لمن جاء بعد عصره” وأقواله ليست وحيا فهي ليست ملزمة لمن جاء بعده. أما عصمة الرسول فهي مقترنة بالإبلاغ عن الوحي ولا تمدد هذه العصمة إلى تكوينه(بشريته)، وبناء على ذلك يرى ضرورة التمييز بين السنة النبوية والسنة الرسولية، فالأولى هي اجتهادات النبي كقائد وقاض تصلح لزمانه، أما السنة الرسولية فهي واجبة الطاعة ابدا خلافا للنبوية الواجبه الطاعة في عهد النبي، وهو ما ينزع عن كل ما ورد في كتب الحديث طابع القداسة، ويبقى صحيحا بمقدار تجاوبه مع الواقع الموضوعي(صفحة 109).
في الفصل الثالث (لا إكراه في الإسلام) يميز الكاتب بين الطاعة (بالإرادة الحرة) والإكراه (الإجبار)، ويرى أن اعتناق الإسلام مسألة فردية بحتة بين الفرد وربه وهو ما يميز الفرق بين “العبادية والعبودية”(صفحة 128) مشيرا لجانب لغوي في هذا الجانب بأن جمع عبد (عبيد حيث الإكراه) وعباد (حيث الاختيار)، ويرى أن الأولي تكون في الآخرة حيث لا اختيار أما الثانية ففي الدنيا.
كما يسترسل الكاتب في التمييز بين العبيد والعباد من خلال تعامل النص القرآني مع مصطلح عبد في الجنة والنار، حيث الحرية تامة في الأولى بينما هي خضوع تام في الثانية، وهو ما يوظفه للتأكيد على فكرة الحرية في الدنيا وتقوم على الاختيار، أما الطغيان فيقسمه إلى أنماط يناقش كلا منها(العقائدي والاجتماعي والفكري والعلمي والسياسي والاقتصادي)، ويأخذنا الكاتب بعد ذلك إلى موضوع الذنب والمغفرة ،فالذنب له صلة بعلاقة الفرد مع الله، والمغفرة لها صلة بإساءة الفرد للآخرين، رابطا ذلك بمفاهيم اخرى كالإحسان للآخر والوطن والمكان والحيوان والنبات والطبيعة وللذات، ثم يناقش مفهوم الشرك بنوعيه (الظاهر والباطن) ويميزه عن الكفر، ويرى أن الكفر هو الشرك العلني وأن الله وحده صاحب الحق في معاقبة الكافر، ولا يجوز معاقبته من الآخرين إلا إذا أجبر الناس على اتباعه في كفره كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي ،أما إذا بقي الكفر مجرد رأي فيرد عليه الرأي بالرأي.
وفي فصله الرابع (المواطنة والولاء للاسلام)، من كتاب “الإسلام والإنسان” يقدم تمييزا لمفهوم الأمة(سمات مشتركة) والقومية (عمادها اللغة) والشعب(قوميات مختلفة في كيان واحد) مستندا لنصوص قرآنية، ورتب مفهومه للولاء والبراء استنادا لهذا التمييز القائم على التمسك بالقيم الإنسانية ورأس هذه القيم هي الحرية، وهو ما يؤسس لرفض فكرة التعصب وضرورة احترام القانون لمن هم ضمن وطن (ديار) واحدة، وينتهي الفصل بموضوع الشهادة (لا سيما في القضاء وموضوع الرجل والمرأة في هذا السياق) والشهيد (وهو مفهوم يرى أنه دخل على الثقافة الإسلامية من المسيحية، ويختتم الباحث دراسته بالتأكيد على قواعد منهجه الذي اعتمده في كتابه.
مناقشتي للكتاب:
يسعى الكاتب (وهو أستاذ الهندسة في جامعة دمشق سابقا(توفي 2019) في هذه الدراسة (الإسلام والإنسان: من نتائج القراءة المعاصرة) التي نال عليها جائزة الشيخ زايد عام 2017، إلى تأصيل القيم الانسانية بخاصة ما كان منها له ظلال سياسية (الحرية والتسامح والمواطنة..الخ) في التراث الإسلامي استنادا للوحي فقط كما ورد في النص القرآني، ويبدأ الكاتب من نقطة يراها جوهرية وهي التمييز بين “المسلمين والمؤمنين”، فينطبق المفهوم الأول لديه على اتباع كل الديانات بينما يقتصر المفهوم الثاني على اتباع الرسالة المحمدية.
واستنادا لهذا التقسيم لا يجوز تكفير أي فرد، ثم يندفع الكاتب في اتجاه آخر وهو قصر مهمة الرسول محمد على “الإبلاغ”،وعليه فإن واجب الطاعة للرسول في سنته النبوية يكون في “عهده وزمانه فقط”، وعليه ينفي أي قدسية أو أبدية الطاعة عن الأحاديث النبوية. ذلك يعني أن الباحث ينتمي لتيار يطلق عليه “القرآنيون”، وهو تيار قديم (يعيده البعض للخوارج)، وتجدد في العصر الحالي بدءا من كتابات أحمد خان (الهند) وعبدالله جكرالوي (باكستان)، بل يعيد بعض الباحثين هذا التيار في العصر الحديث إلى الشيخ محمد عبده.
ذلك يعني أن باحثنا لم يأت بجديد في كتابه هذا من ناحيتين:
أ- يقول الكاتب في صفحة 9 (السطر الأول-الفقرة الثانية) حرفيا: “جمعنا الأفكار الواردة في هذا الكتاب من كتبنا المنشورة سابقا”، فقد أصدر الكاتب أول كتبه في هذا المجال تحديدا (تخصصه وعمله الأكاديمي هو الهندسة المدنية) عام 1990 بكتاب عنوانه “الكتاب والقرآن-قراءة معاصرة “، وكان آخرها كتاب “السنة الرسولية والسنة النبوية ” عام 2012.
وأكاد أجزم بعد مطالعة كتاب “الإسلام والإنسان: من نتائج القراءة المعاصرة” أن الكتاب ليس إلا فصولا من كتبه السابقة بخاصة الكتابين المشار لهما إضافة لكتاب الإسلام والإيمان – منظومة القيم، عام 1996 وكتاب الدولة والمجتمع عام 1994، مع بعض التحرير لهذه الكتب في بعض الجوانب، أما إذا نظر للكتاب كأفكار رئيسية، فالكتاب يخلو من أي جديد.
فمثلا التمييز بين المسلمين والمؤمنين، والفرق بين العبيد والعباد، والشهادة والشهيد ،والذنب والسيئة، والتي تمثل الجزء الرئيسي من هذا الكتاب هي فصول كاملة في كتابه الإسلام والإيمان الصادر عام 1996. أما الفصل الثاني في كتابنا هذا، فهو إعادة إنتاج لما ورد في كتابه السنة الرسولية والسنة النبوية الصادر عام 2012 بخاصة الصفحات من 83-140..أما موضوع الولاء والبراء الوارد في كتابنا فهو تكرار لما ورد في كتاب الباحث “تجفيف منابع الإرهاب” الصادر عام 2008 بخاصة الفصل الخامس…وهكذا.
ب- أما الفكرة الجوهرية التي اعتمدها الكاتب وهي “تفسير القرآن بالقرآن”، فهي فكرة يعتمدها القرآنيون بشكل صريح (القدامى منذ القرن الثاني للهجرة من الخوارج أو معتزلة البصرة، والمعاصرون منذ كتابات أحمد خان وغلام أحمد برويز(1903-1985) بخاصة كتبه الثلاثة المتعلقة بالقرآن)، وهو ما يعني أن الباحث في هذا الكتاب “يقتات” على نفسه أو على غيره، مما جعل أمر التجديد والإبداع غير متوفر في هذا الكتاب.
ولا ننكر على الكاتب نزعته “الإنسانية” واحترامه للأديان الأخرى، لكنه تجنب في أكثر من 95% من كتابه “الإسلام والإنسان” مناقشة من يخالفونه الرأي بخاصة أنه يطأ أرضا وعرة يتنازع عليها كثيرون، وهو أمر أفقد الكتاب “حرارة القراءة”.
من جانب آخر، حدد الباحث منهجيته في نهاية بحثه، فهو تفسير القرآن بالقرآن، من خلال ترتيب تنظيم الآيات حسب الموضوع في نسق واحد (الترتيل)، ورفض الترادف وإسقاط النصوص على الواقع الراهن استنادا لمعارفنا المعاصرة . وهنا لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:ف
1- في اسقاط الباحث للسنة النبوية كمرجعية دينية –تفسير القرآن بالقرآن- تحدٍ لأرث فكري ضخم، بخاصة أن تمييزه بين السنة النبوية والسنة الرسولية أمر يستحق منه مناقشة أكثر عمقا، لا سيما أن ردود الفعل على هذا المنهج وأصحابه (القرآنيون) لم يلق من الباحث العناية الكافية، علما بأن خصوم هذا المنهج يحتجون عليه من خلال نصوص قرآنية (القرآن بالقرآن).
2- ميز الكاتب في دراسته حول “الإسلام والإنسان” بين مسألتين هما “المُحرم” و “المنهي عنه”، وأعدت قراءة هذا التمييز (الصفحات 53-55) ووجدت بأنه تمييز ملتبس، ويزداد الالتباس عندما أضاف للمحرم والمنهي عنه موضوع “العرف” (الفقرة الثانية من صفحة 62)، وعرف الباحث العرف بأنه “ما عرفه الناس ثم تعارفوا عليه فأصبح مألوفا للذوق والقبول الاجتماعي”(السطرين الآخرين من صفحة 62)، فكيف نوفق بين هذا الرأي وبين “ظاهرة ما أسماه الكاتب “الآبائية”( السطر الأخير صفحة 139)،(اشتقاقا من الآية: ما وجدنا عليه آباءنا)، وهي ظاهرة (الآبائية) يعتبرها الكاتب بأنها مثال على ما أسماه “الطغيان الاجتماعي” (الصفحات 138-139)، في حين اعتبر أن العرف له معنى أيجابي (السطر الأخير من صفحة 62 وأول صفحة 63).
3- لفت انتباهي تمييز الكاتب بين “الصلاة والصلوة (صفحة 68) فالأولى (بالألف) تعني (الصلة مع الله)، بينما الثانية (بالواو) تعني الشعيرة بالركوع والسجود، وهنا لا بد من الناحية المنهجية طرح ما يلي:
أ- لماذا أغفل الباحث وجهات نظر النحويين وعلماء اللغة في هذا المجال، فهم يرون أن الواو في الصلاة هي من باب التفخيم (المراكشي) أو إنها من بقايا تأثيرات اللغة السريانية (كمال بشر) أو الرسم على الأصل (ابن قتيبة) أو الرسم النبطي( الصولي) أو الترتيب الهجائي (الخليل بن أحمد)..فالباحث له حق الاجتهاد، لكن اغفاله لآراء الآخرين سمة واضحة في هذه الدراسة، وهو ما أراه عيبا منهجيا.
ب- لو أردنا ان نطبق قاعدة الكاتب في تمييزه بين الصلاة والصلوة، فعلى أي من المعنيين سيفهم النص القرآني “واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى” (الآية 125 –البقرة)، فهل المقصود هنا مكان الركوع والسجود أم مكان الصلة مع الله؟
4- تأويل الكاتب لكلمة “عرض” في معرض تناوله لآية “وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” (الصفحات 155-156)، واعتبرها إشارة إلى (exhibitionكتبها بالانجليزية خطأ بدون حرفh) السطر الأول من صفحة 156)،وهو ينفي بذلك معنى السعة(width)،وينفي معنى المساحة(area)، ولكن الباحث عندما ينتقل لتفسير الآيات الخاصة بجهنم، يأخذها من زاوية “المساحة ” تحديدا، وهو أمر يجعل التأويل لدى الباحث فضفاضا بقدر يساعده على جر المفردات لمعانٍ حددها مسبقا.
5- ما ورد أعلاه من ملاحظات هو للتأكيد على نقطة ملفتة في هذا الكتاب، فقد خلا الكتاب تماما من الإشارة لأي مرجع أو مصدر، فبدأ البحث كما لو أن الكاتب “يحاور نفسه”، ولعل هذا عائد لمنهج “التأويل-الهرمنيوطيقا ” الذي نهجه الكاتب حيث يتضح ذلك في التأويلات التي أشرنا لها أعلاه.
6- لغة الباحث من حيث الصياغة سليمة لا لبس فيها، وأسلوبه في عرض وجهة نظره واضح لا يعتريه غموض، لكن تأويلاته تبقى موضع مناقشة بخاصة أنه حدد إطار رؤيته في جعل الحرية مقياس كل شيء، وعليه راح يبني تأويلاته كلها لخدمة هذه الفكرة، وهو ما جعلني أشعر بمشكلة المنهج التأويلي (الهرمنيوطيقا). وفي بعض الأحيان بدت لي بعض الصفحات غير مترابطة من حيث الموضوع، فمثلا ينتقل الكاتب بدءا من صفحة 194 لمناقشة موضوع الشاهد والشهيد مركزا على الفرق بين الرجل والمرأة في هذا المجال، ولم أجد الصلة بين هذه الشروح وبين أنماط الطغيان التي جاءت في سياقها هذه الشروح.
وفي صفحة 32 (السطر السادس والسابع) من الفقرة الثانية، يناقش موضوع الامتناع عن الشهادة ضد الأقارب،ويقول أن ذلك “مذكور في كل دساتير العالم”، وهذه العبارة (كل دساتير العالم) تشير لقدر من الاستهانة الشديدة، فقانون أصول المحاكمات الجزائية هو المعني وليس الدساتير، كما أن دولا مثل بريطانيا أو سويسرا وغيرهما لا تنص على هذا الحق، وإذا ورد النص في بعض الدول فإنه يحدده أحيانا في إجراءات ما قبل المحكمة أو خلال المحاكمة، وليس على اطلاقتها كما تبدو في كتاب الدكتور شحرور.