من الخطأ إلصاق التطرف بجماعة أو فرقة معينة لأنه يمثل عرضا لطريقة تفكير لاجدالي خارج سياق اللحظة التاريخية، ويمكن أن تقع فيه كل جماعة ذات أيديولوجيا محددة.
ولكن هذا الخطأ قد يصبح في بعض الأحيان خطأ مركبا إذا ما حاولنا جعل إطار فكري من منظومة الآراء الدينية يكون الخارج عنه متطرفا. وفي هذه الحالة يكون وضع تعريف للتطرف نفسه تطرفا مما يُدخلنا في الدور وهو باطل بطبيعة الحال، وهو ما أدخلنا في الاتهامات المتبادلة (متشدد/مرجئ) وغيرها من المتقابلات التي تجتر معارك التاريخ، إذ لابد من مطلق نعاير به درجة الانحراف والمقاربة.
ولما كان لابد من تعريف وضبط المصطلحات لظاهرة أصبحت تهدد المجتمعات نلجأ للأخلاق أو العقل العملي كما يطلق كانط لأنها تميل للإطلاق في مجموعها وكلياتها عبر النوع الإنساني، رغم أنه قد يشذ في تطبيقها فرد أو مجموعة أو أمة.
والأزمة الأخلاقية في التطرف تتمثل في الغدر وخيانة أصول الاجتماع البشري كمعيار بديهي، حيث كان الإنسان منذ قديم الأزل ككائن اجتماعي يجتمع ويتناصر ويختلف ويتمايز وفق محددات معينة وتربطه مع المجموعة التي هو عضو فيها ما يشبه العقد الذي يعتبر ضروريا ولازما لقضية الاجتماع. وهكذا يخضع الإنسان لآلية الضبط الذاتي اللازمة لتنظيم حياته مما جعل هيجل وغيره من الفلاسفة يُعرّفون الحرية نفسها بأنها ضبط ذاتي.
من حق أحد المتعاقدين إنهاء العقد أو عدم الدخول فيه من الأساس، ولكن ليس من المقبول الخضوع لشروط معينة فيه والتخلي عن أخرى. حينئذ تصبح الفوضى الخاضعة للأفكار الذاتية هي المسيطرة، مما يؤدي لتفكك المجتمعات وهو ما ترفضه كل مجموعة بشرية، وليس ثمة انتهاك للعقد مع الجماعة أكثر من استباحة دماء أفرادها بدون مسوغ متفق عليه سلفا .
ولكن الأزمة الأخلاقية للتطرف تمتد للجذور ونشأة الظاهرة، وذلك يتجلى في الإخفاء المتعمد للتعدد والتنوع في الآراء الفقهية والأصولية وحتى فروع الاعتقاد، وتبيين رأي أحادي في خطاب بعض جماعات العمل الإسلامي لأفرادها وللعامة. من الطبيعي أن تتبنى كل جماعة رأيا بعينه من التراث ولكن من الأخلاق أن تبين أنه ليس الرأي الأوحد في المنظومة.
و لابد من التنبيه لموجة إلصاق التطرف بالإسلام وحده دون غيره رغم أن التطرف في العالم الإسلامي كان لاحقا لتطرف هبت رياحه من الغرب تجاه بلاد الإسلام في محاولة استئصال وفرض هيمنة غربية على العالم.