يعتبر الدكتور أحمد الريسوني، الذي انتُخب رئيسا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واحدا من أهم فقهاء الأمة المشهود لهم بالعلم والفقه، وهو فوق أنه فقيه أصولي، فهو مقاصدي اهتم بعلم مقاصد الشريعة من حيث هو الميزان الذي توزن به الأحكام الفقهية..حسب تعبيره في كثير من مؤلفاته وأدبياته، حيث ألّف الريسوني نحو 30 كتابا، أبرزها: “نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي” الذي ترجم إلى 4 لغات.

في ختام المؤتمر السنوي لاتحاد العلماء المسلمين الذي انطلق في اسطنبول التركية تحت عنوان “الإصلاح والمصالحة” بالتزامن مع اجتماع الجمعية العمومية بدورتها الخامسة، تم انتخاب أحمد الريسوني رئيسا للإتحاد خلفا للشيخ يوسف القرضاوي، الذي تولى المنصب منذ تأسيس الاتحاد عام 2004.

وقال الاتحاد في تغريدة على تويتر إن الريسوني انتخب بنسبة تصويت تجاوزت ٩٣%، كما اختار الريسوني كلا من المفتي العام لسلطنة عمان، أحمد الخليلي، والعلماء، خير الدين قهرمان، وحبيب سالم سقاف الجفري، وعصام البشير، نوابا له، وتم إقرارهم بعد موافقة الجمعية العمومية للاتحاد.

المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من 1500 عالما من أكثر من 80 دولة، فضلا عن 50 جمعية إسلامية، عقدت فيه على مدى ثلاثة أيام مناقشات وجلسات تطرقت لكيفية الإصلاح داخل الأمة الإسلامية في الجوانب السياسية والاقتصادية وغيرها. كما بحث المؤتمرون طرق ووسائل تحقيق المصالحة بين جميع مكونات الأمة بين الحكام وشعوبها، وبين الحكام بعضهم وبعض، وبين أفراد وجماعات الأمة، واختيار الطريق الكفيلة بإنهاء الخلافات القائمة.

لكن أهم حدث خلال مؤتمر الإتحاد العام للعلماء المسلمين هذا العام هو انتخاب الريسوني رئيسا له.

من هو أحمد الريسوني؟

شغل الريسوني، الذي ولد في 1953 بإقليم العرائش شمال المغرب، منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ العام 2013. كما تولى الريسوني قبل ذلك مناصب دعوية عدة بينها رئيس “رابطة المستقبل الإسلامي” بالمغرب (1994 ـ1996)، إلى غاية اندماجها مع حركة “الإصلاح والتجديد”، وتشكيل حركة “التوحيد والإصلاح” في أغسطس (1996 ـ2003)، والتي تمثل الذراع الدعوية لـ”حزب العدالة والتنمية” قائد الائتلاف الحكومي بالمغرب.

وكان العالم المغربي أول رئيس لحركة “التوحيد والإصلاح”، في الفترة ما بين 1996 و2003، كما انتخب أول رئيس لـ”رابطة علماء أهل السنة”.

ويعتبر الشيخ الدكتور أحمد الريسوني عالم مغربي متخصص في علم المقاصد، وعضو مؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو أمين عام سابق لجمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا، والمدير المسؤول لصحيفة  “التجديد” اليومية (2000 ـ2004).

ولد بناحية مدينة القصر الكبير، بالمملكة المغربية، وبهذه المدينة تابع تعليمه الابتدائي والثانوي. حصل على الإجازة في الشريعة من جامعة القرويين بفاس سنة 1978 ، أتم بعدها دراسته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية “جامعة محمد الخامس” بالرباط، فحصل منها على: شهادة الدراسات الجامعية العليا سنة 1986 ودبلوم الدراسات العليا (ماجستير) سنة 1989 م ودكتوراه الدولة سنة 1992.

عمل عدة سنوات بوزارة العدل (1973 ـ 1978) وعمل بعدها أستاذا بالتعليم الثانوي الأصيل (1978 ـ 1984) وأستاذا لعلم أصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة محمد الخامس، وبدار الحديث الحسنية ـ بالرباط، (1986 إلى سنة 2006) وكخبير أول لدى مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

كتب ودراسات ومؤلفات

قام الريسوني بتدريس أصول الفقه ومقاصد الشريعة منذ سنة 1986، كما أشرف على أكثر من خمسين أطروحة جامعية، أكثرها يندرج في إطار مشروع متكامل وشامل في مجال مقاصد الشريعة والفكر المقاصدي.

له بحوث كثيرة منشورة في المجلات العلمية وضمن أعمال الندوات. من مؤلفاته المنشورة:

  • نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي (ترجم إلى الفارسية والأردية والإنجليزية)
  • نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية.
  • من أعلام الفكر المقاصدي.
  • مدخل إلى مقاصد الشريعة.
  • الفكر المقاصدي قواعده وفوائده.
  • الاجتهاد: النص والمصلحة والواقع (ضمن سلسلة حوارات لقرن جديد).
  • مقاصد المقاصد (الغايات العلميّة و العمليّة لمقاصد الشريعة).
  • الأمة هي الأصل (مجموعة مقالات).
  • الوقف الإسلامي، مجالاته وأبعاده (نشرته منظمة الإيسيسكو وترجم إلى الإنجليزية والفرنسية).
  • الشورى في معركة البناء
  • فقه الثورة مراجعات في الفقه السياسي الإسلامي
  • الأمة هي الأصل

ونشر الريسوني بحوثا كثيرة في المجلات العلمية، وشارك في عشرات الندوات والمؤتمرات العربية والدولية، وكتب مقالات في عدد الصحف والمواقع الإلكترونية.

آراء وأفكار ومواقف

يرى الريسوني أن قضية الشريعة وتطبيقها في جزء منها تعود إلى ما تعيشه النخب الثقافية والسياسية من انقسام إلى تيارين كبيرين يتجاذبان الساحة الثقافية والسياسية، يمكن وصفهما حسب تعبيره بالتيار الديني والتيار المدني (أو ما يعرف بالتيار العلماني الحداثي)، لكنه يؤكد أيضا أن جزءًا من هذا الصراع يرجع إلى الالتباس الحاصل في مفهوم الشريعة وتطبيقها.

وبالتالي فإن الفقيه المغربي يلفت إلى أن هناك مفاهيما وتصورات قاصرة أو مشوهة لمفهوم الشريعة أو لمفهوم تطبيق الشريعة، وهو ما تترتب عنه – بحسبه – مشاكل وصراعات عدة، يمكن تلافيها أو تقليصها بالمعرفة الصحيحة للشريعة ومضامينها.

ويعتبر الريسوني رائد التنوير الفكري في الحركة الإسلامية، وفي الدولة المغربية، بل في العالم أجمع. وقد سبق له أن طرح واجتهد في العديد من القضايا الشرعية والمسائل السياسية والاجتماعية. فقد سبق له أن اجتهد في قضية الردة، وهو من العلماء القلائل جدا الذين قالوا بأن حد الردة ليس حدا شرعيا، أما فيما يتعلق بموقفه من معاملة غير المسلمين فيدعو الريسوني لـ”فتح حوارات وعلاقات مع الديانات الأخرى، وفي مقدمتها الديانة المسيحية، بمختلف مذاهبها وكنائسها، للتفاهم والتعاون على تثبيت المعتقدات والقيم المشتركة، وعلى إنجاز الأهداف المشتركة، ومواجهة الأخطار المشتركة”. حيث يقول :” التيارات الإسلامية والغرب مدعوون – منطقيا – إلى فتح مرحلة جديدة من الحوار الجدي المثمر، ولست أعني الحوار الديني، أو الحوار الإسلامي المسيحي فقط، بل أعني بالدرجة الأولى الحوار السياسي والثقافي، فهو أهم وأفيد وأولى”.

كما يدعو الريسوني علماء الدين إلى التحرر من التبعية لتجاوز الخطوط الحمراء، مؤكدا أنه “لا خطوط حمراء في الفقه الاسلامي”، وأن “الاجتهاد الفقهي يعاني من الخطوط الحمراء مما يجعله معاقا ولا يؤدي وظفيته”، مشيرا إلى أن “معظم الفقهاء اليوم يؤمنون بهذه الخطوط”.