“العربية لغة العين: دراسة دلالية عرفانية” كتاب يقع في 411 صفحة، يضم  مقدمة وخاتمة و 7 فصول، في المقدمة  تحدد الكاتبة معنى العين بين أداة الرؤيا وبين المعنى الذي نسقطه على ما نرى، وهو ما يتبدى في التمييز بين “إسم عين” و”إسم جنس”. ويسميه الفلاسفة الماهية بينما يسميه المتصوفة العين، وينبثق التفاعل في لقاء ما نراه (الأعيان) بما ندركه (الاذهان).

دراسة “العربية لغة العين : دراسة دلالية عرفانية” بحث في معاني العين المتعددة بمقدار تعدد  السياقات النفسية والاجتماعية الثقافية التي ترد فيها وتتغير مع الزمن ويحتاج لفهمه مَلَكَة “عرفانية”.

بين الجسم والجسد

الفصل الأول: تُميز دراسة “العربية لغة العين” بين الجسم كمدلول فيزيائي وبين الجسد كوعاء للإنسان. وتسهب الكاتبة في تحليل ديناميكات الإدراك البصري المكاني، وتوظيف الرؤية الحسية في الرؤية اللغوية من خلال اتحاد  العين والذهن عن طريق الدماغ.

وجرى توظيف نظرية “جاكندوف” (الإسقاط) والخاصة بكيفية تمثل العالم وإدراكه عبر الذهن من خلال النظام البصري.لكن يمكن أن تتم عملية التواصل والإدراك دونه.

وتناقش دراسة “العربية لغة العين” أبعاد عدة أهمها :المقولة (كيف نتمثل العالم من حولنا وكيف نكتسب المعلومات عنه) ونظرية الطراز (المرجعية المعرفية لمقولاتنا أو أنساقنا التصنيفية)، فهناك معيار يتم على ـساسه التصنيف لكل مفردة دون نفي أن بين هذه المفردات “تشابه عائلي” من خلال تراتبية (نظرية روش) تقوم على أساس المستوى الأعلى  والقاعدي والأدنى.

ثم بُعد ملكات المعرفة من الحواس (أيها يحدد المعنى والدلالة أكثر مثلا العين أم الأذن؟ أم أن الأمر تكاملي بينهما؟ وهو ما يتضح في نموذج تضخم دور العين عند الأصم. أو في مدلول الشعار الذي هو صورة أو رسم تحوله العين إلى كلمات، وهو ما يندرج تحته مفهوم المراجع العمياء التي هي بمثاية بوابة المعاني العرفانية.

“العين في اللغة العربية”

تنتقل دراسة “العربية لغة العين” إلى تطبيق حرف العين لفظا و إبدالا وشكلا من خلال مقارنتها بالحروف الأخرى لتصل إلى أن العين هي الحرف الأعمق متوافقة في ذلك مع الفراهيدي الذي جعل العين أول الحروف بدلا من الألف لأنها “خاصية عربية”، وللعين توابع خارجية وداخلية (الأهداب والجفون والبؤبؤ..الخ) لها معان بيولوجية ومعان نفسية ومعنوية وتشرحها الدراسة بالتفصيل وبرسوم توضيحية.

العين في لسان العرب

الفصل الثاني (العين في لسان العرب) ويناقش لماذا تتعدد دلالات المفردة الواحدة؟  ، ثم تستعرض التداعيات المترتبة على كل معنى (قاعدي أو فرعي أو مشتق) بأمثلة عديدة (صفحة 92 مثلا فتح عينيه..الخ) وتنتقل إلى جزء آخر من لسان العرب في الربط بين العين والمال (وما تنطوي عليه من دلالات الحساب والجزاء..الخ) والماء (المكان ودلالاته الواسعة) والشمس (نقول عين الشمس لماذا ليس عين القمر) والحسد (العين بوابة النفس) والنظر (أي أن كل حركة للعين لها معنى مختلف (الجدول 117).

العين في النص القرآني

الفصل الثالث: العين في النص القرآني: وردت 65 مرة يتم سرد بعضها  وشرح معناها، وحصر معناها في  ثلاثة محاور: الباصرة، عين الماء، والنفس (أو القلب) وهي في تكاملها معا تعطي المعنى الثالث العرفاني النفسي-الفصل الرابع: العين في تفسير الاحلام، وهنا تستعرض التفسير بناء على طبيعة العين في وقائع الحلم من ناحية (هل كانت في الحلم عين يسرى أم يمنى مثلا) وطبيعة الفعل المتعلق بها من ناحية ثانية (وترتبط غالبا تأويلات العين بالموت والحياة في اتجاهات ثلاثة هي المال والأولاد والدين)، وهو ما يتكرر في دلالات أجزاء العين في تفسير الأحلام (الحاجب، الأهداب، لون العين، نظرة، العين..) وأغلب ذلك استنادا لتفسيرات ابن سيرين.

العين في فقه اللغة

الفصل الخامس العين في فقه اللغة. وبُني الفصل على كتاب فقه اللغة للثعالبي (صفات العين وارتباطها بالثقافة العربية مع تركيز على دلالات اللون الأسود) وربط شكل العين بدلالات معينة أو معايب العين أو ما يصيب العين من العوارض (الحوادث: الغؤور وتغير أشكال العين والكَلَل أي ضعف العين ثم ينتقل إلى أمراضها.

العين في الأمثال العربية

الفصل السادس: العين في الأمثال العربية: إذا كان المثل هو تعبير لغوي مختصر محبوك بخبرة انسانية فان علاقته بالعين طبيعية في ظل أنها هي التي توفر رؤية معطيات الحياة بالمعنيين المادي والعرفاني، وهنا تلتقي العين بالمثل، فتعطي للعين معنى لا يكشفه إلا السياق، وهنا تُبدي لنا الأمثال تباين دلالات العين الجارحة (العضو البيولوجي) والعين العرفانية التي تحول المرئي إلى تداعيات نفسية عميقة أو مباشرة كما لاحظنا في الأمثال والأحلام.

العين في الشعر العربي

الفصل السابع من دراسة “العربية لغة العين” تناول موضوع العين في الشعر العربي: هي ليست أحادية الدلالة، فهناك عين الشاعر وعين قارئ الشعر، وعين العاشق وعين المعشوق..الخ، وعين الغزل لاسيما في الشعر القديم هي الطاغية، وهي عين قد تقتل كما عند جرير، لكنها قد تحيي كما عند بشار بن برد وهو الأعمى الذي  وظف البصيرة بدل البصر.

وللعين لغاتها كما عند بهاء الدين زهير، وتتعدد المعاني لكن السياق هو معيار وعي المعنى، وفي الشعر الحديث حيث تغير السياق تتعدد الوان العين إلى حد الحيرة كما يقول محمود درويش الذي صارت العين عنده هي الوطن، وصارت أوصاف العين عنده هي أوصاف الوطن. ولكنها عند نزار قباني هي البحر الذي يبحر فيه، وعند نازك الملائكة والسياب توثيق العلاقة بين العين والأسطورة بكل ما في الأساطير من فوضى.

الخاتمة – تلخيص لمضمون الدراسة

منهجية دراسة “العربية لغة العين”

تقع دراسة “العربية لغة العين” في انتمائها العام ضمن فقه اللغة وفي فرعه الخاص علم الدلالة  بأبعاده المعجمية والسياقية الصوتية، وإذا كان لعلم الدلالة مناهج منها الفلسفية (الوجود والحقيقة والعقل) واللغوية (تحليل اللغة وتراكيبها الدلالية) والمنهج الاجتماعي (دراسة الدلالة من خلال كيفية تشكل المعنى لمفردات اللغة ومفاهيمها في سياق اجتماعي وثقافي محدد)، فإن هذه الدراسة تقع ضمن هذا السياق المعرفي.

وقد اعتنت دراسة “العربية لغة العين” بربط حرف معين (ع) بسياقات المجتمع العربي من نصوص دينية وشعر وأمثال واحلام ..الخ . وكانت الباحثة ناجحة للغاية في الغوص في الأبعاد العرفانية بشكل خاص في الربط بين الأبعاد الثلاثة لدراساتها وهي الحرف (ع) ومدلول الحرف بيولوجيا (العين الجارحة أو المبصرة) والمعاني المتغيرة لكلمة العين، وتمكنت من نبش المعاني المتوارية في كلمة عين من خلال تمرير المفردة في سياقات نفسية (العقل الباطن والمنظور الفرويدي ودلالات الحسد ..الخ) واجتماعية (القبيلة أو الذكورة والأنوثة ..الخ) أو السياق الروحي والديني (الآيات القرآنية) أو الإنتاج الأدبي (الشعر والأمثال..الخ).

ولولا استطرادات محدودة وبعض التكرار – أحيانا كان ضروريا- ، فإن الباحثة لم تخرج في مضمون مادتها العلمية عن موضوعها، ورغم أن التفرعات في موضوعات البحث في الفصول السبعة كانت قرابة 80 فرعا تغطي الأجزاء التشريحية للعين وبعض مظاهر الطبيعة والشعر والنصوص الدينية، إلا أنها بقيت تدور في محور العلاقة بين دلالة العين بين الحرف والبصر والسياق وكيف تتوالد المعاني وتتماثل وتتنافر تبعا للسياق .

لقد جمعت الباحثة في دراستها “العربية لغة العين”- وقارنت بين توجهات مختلفة وسياقات مختلفة، فنراها تحاور وتقارن بين أهل الميدان مثل دوسوسير ،والفراهيدي، والجاحظ، وابن منظور، وذي الرمة، وبشار بن برد، ومحمود درويش، ونزار قباني وغيرهم كثير، ينتمون لأزمنة مختلفة وبُنىْ ذهنية مختلفة لكنها آلفت بينهم حول العين كحرف أو كمعنى ضمني أو متواري للعين الناظرة لتقدم لنا “عجائب اللغة”.

مناقشة الدراسة

تنتمي دراسة “العربية لغة العين” إلى علم الدلالة العرفاني الذي هو مقاربة ذهنية للتفاعل النفسي مع اللغة من خلال تحديد المعنى استنادا إلى السياق الثقافي الذي أنتجه من ناحية والدلالة اللغوية من ناحية اخرى؟ ومحور الدراسة هو حرف “العين” في العربية شكلا وصوتا، فالعين هي جسر الترابط بين العين الحسية (التي تبصر) والعين العرفانية (التي تُلبس معنى لما نُبصر”.

و تتناول الباحثة هذه المسألة التي يتشابك فيها الحرف (ع) والعضو البيولوجي (العين) من خلال الأمثال والأحلام والشعر والقرآن لترجح أن العربية هي “لغة العين” لا استنادا لتحليل معجمي بل استنادا “للعرفان” كمقدمة لربطه لاحقا بالمعجم العربي الذي جعل من العين مرادفا للرؤية أو الإبصار، ذلك يعني أن لدينا عين مبصرة (الرؤية الخارجية) وعين عرفانية (رؤية داخلية)، ولكل منهما دور في بناء المعرفة.

وتربط دراسة “العربية لغة العين” بين الأشياء المرئية والنشاط الذهني في العقل والذي يتجسد في أن الذهن يتمثل المعنى من خلال وحدات لغوية، لنصل في المرحلة الثالثة إلى الربط بين دلالة الحرف (ع) معجميا ودلالته عرفانيا (المعنى ) وبوصلتنا في هذا الربط هو السياق.

وإذا كان تحليل المضمون (Content Analysis)  في العلوم الاجتماعية يحدد معنى المفاهيم من خلال سياق النص، فإن الأمر في دراسة “العربية لغة العين” أكثر تعقيدا لأن مادة البحث هي الحرف، والسعي للربط بين “شكل الحرف-وهو هنا -ع – منفردة أو مرتبطة – مع أو متوسطة سعيد- من ناحية، وتجسد الحرف في مدلول عضوي بيولوجي مناظر له في اللفظ (العين) من ناحية ثانية، ثم ربط “المعاني” لمفردة “العين” في مختلف النصوص الفكرية والفلسفية والأدبية التراثية أو المعاصرة من خلال السياق الاجتماعي والثقافي بكل من العين المبصرة (أو الجائحة كما ترد في الدراسة) وشكل الحرف منفردا أو مرتبطا من ناحية ثالثة.

وتميل الكاتبة في دراستها “العربية لغة العين” إلى دعوة لاعتبار اللغة العربية هي “لغة العين” وترى أن ذلك أكثر دقة من إطلاق صفة “لغة الضاد “على العربية.

العربية لغة العين

لا شك أن في دراسة “العربية لغة العين” لمحات ذكية في الربط بين “الحرف والعضو والدلالة العرفانية”، لكن ربط المعاني اللغوية المتعددة  “بعضو” بيولوجي ليس جديدا  فهناك دراسة : حسن ياغي”الاشتراك الدلالي في ألفاظ أجزاء الجسد: القلب أنموذجا، مقاربة إدراكية”، فهذه الدراسة تعمل على الكشف عن البنية الإدراكية التي تجمع المعاني المتعددة للـ “القلب” والكشف عن شبكة العلاقات الدلالية بين المعاني المتعددة التي يحتويها والتي تشير إلى أن التوسعات الدلالية والاستعمالات الاستعاريّة والكنائيّة لكلمة “القلب” تتصل بنسقنا التصوّري الذي هو انعكاس للسياق الثقافي والاجتماعي الفردي والجمعي.

ثم هناك دراسة أخرى لا تقتصر على دراسة حرف واحد، بل تدرس كل الحروف العربية ومن منطلق يتقاطع مع هذه الدراسة، وتحاول –ولو بايجاز- الربط بين الحرف شكلا وصوتا ثم ربط ذلك – أحيانا- بالدلالة العامة أو الخاصة: انظر : مزوز دليلة -سيميائية الحرف العربي: قراءة في الشكل والدلالة، وهي دراسة منشورة.

ذلك يعني أن هذه الدراسة (العربية لغة العين) بنت على ركائز موجودة (ويكفي النظر في مراجع دراسة مزوز دليلة التي أشرنا لها)، لكنها أثرت أدبيات الموضوع بتركيزها على حرف واحد وهو حرف “العين” وهو الحرف الذي جعله الفراهيدي أول حروف معجمه، وكانت في أغلب الأحيان مقنعة في الربط بين الحرف شكلا وصوتا وبين الدلالة لا المباشرة فقط بل والعرفانية وهو الاكثر صعوبة، إضافة إلى أن الباحثة ربطت الحرف (ع) والعضو(العين) بمظاهر الطبيعة (الماء، الشمس النخيل…الخ) وبعلم النفس (العقل الباطن وتأويلات ظهور العين في الأحلام) وفي التراث الشعبي (الأمثال) وفي الأدب (الشعر العربي القديم والحديث) وفي النص القرآني (حيث وردت: العين الباصرة والبصيرة، والحور العين، وقرة العين ..الخ)، ناهيك عن فقه اللغة.

وكل ذلك لا يعني أن الباحثة في دراستها هذه حول “العربية لغة العين”، قد أسست مشروعا بل طورت ما هو قائم، ويكفي الإشارة إلى كتاب الباحث العراقي عالم سبيط النيلي: الصادر عام 2008 في الدار البيضاء بعنوان: اللغة الموحدة والذي أكد على رفض نظرية الحروف الاعتباطية (أي أن الحروف جاءت اعتباطا) والتي تبناها بعض اليونان وأعاد التأكيد عليها العالم السويسري دو سوسير(ت.1913)، وهو ما يؤكد أن الباحثة وظفت ولم تؤسس.


ملاحظة: بعض العناوين الفرعية من صنع الموقع