من المقاصد الشرعية حفظ المال وعدم إتلافه وضياعه؛ لأن المال قِوام الحياة، وهو دُولةٌ بين الناس لتُقضى به حاجاتهم، ويتعايشون به، ومع كونه مقصداً إسلامياً فهو جِبلَّة بشرية، فكل إنسان يود أن يكون ذا مال وبنين، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: 8].
المال نعمة من نِعَم الله على عباده، ونِعَم الله كلها تستحق منا الشكر والتقدير والاحترام والعناية والرعاية، وقد أجمع العلماء على أن “حفظ المال” هو أحد الضروريات الخمس الكبرى، التي عليها مدار الشريعة ومقاصدِها.
وحفظ هذه الضروريات يكون من جانب الوجود، ويكون من جانب العدم.
قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله: “والحفظ لها يكون بأمرين: أحدهما: ما يُقِيم أركانها ويُثَبِّت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.
والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم”.
والذي يُقِيم أركان المال ويُثَبِّت قواعده، هو اتخاذ الأسباب لتنميته وحسن تدبيره. ومن أهم شروط ذلك ووسائلِه: الادخارُ والاستثمار، أو الاستثمار المنطوي على الادخار. فالادخار الرشيد للمال لا ينفك عن استثماره وتنميته.
وأما حفظ المال من جانب العدم فمن أهم أحكامه في الشريعة الإسلامية: تحريمُ التبذير والإسرافِ في الاستهلاك. قال تعالى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26-27]
وفي صحيح البخاري: أن النبي ﷺ قال: ” كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مَـخِيلة. وقال ابن عباس: كلْ ما شئتَ والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سَرَفٌ أو مَـخِيلة.
المال في الإسلام يعتبر عصب الحياة ولا يمكن أن تتقدم الحياة بدونه، وقد حرصت الشريعة على حفظ المال كأحد مقاصدها الأساسية؛ لأنه من خلال الثروة يستطيع الإنسان أن يحقق الخير لنفسه ولمجتمعه لذلك يجب التصرف فيه على نحو سليم.
لقد أولى الإسلام المال اهتماما واضحا لا يخفى على عاقل، فاعتبره القرآن قوام الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: 5]
قال الإمام ابن القيم: (وأعلم الله سبحانه أنه جعل المال قواماً للأنفس وأمر بحفظها، ونهى أن يأتي السفهاء من الرجال، والنساء، والأولاد وغيرهم، ومدحه النبي ﷺ بقوله: ” نعم المال الصالح للمرء الصالح .
قال ابن سعدي: “السفهاء جمع سفيه، وهو من لا يحسن التصرف في المال، إما لعدم عقله كالمجنون والمعتوه ونحوها، وإما لعدم رشده كالصغير وغير الرشيد، فنهى الله الأولياء أن يؤتوا هؤلاء أموالهم خشية إفسادها وإتلافها، ولأن الله جعل الأموال قياماً لعباده في مصالح دينهم ودنياهم، وهؤلاء لا يحسنون القيام عليها وحفظها، فأمر الولي أن لا يؤتيهم إياها، بل يرزقهم منها ويكسوهم ويبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية، وأن يقولوا لهم قولاً معروفاً، بأن يعدوهم إذا طلبوها أنهم سيدفعونها لهم بعد رشدهم ونحو ذلك، ويلطفوا لهم في الأقوال جبراً لخواطرهم”.
وهذا ما قرره القرآن الكريم وأمر به الإسلام بالاعتدال والاقتصاد في كل الأمور حتى في العبادة؛ فقد جعل الإسلام الأمر بالاقتصاد عنصرًا من عناصر حفظ المال؛ فالمقصد الشرعي أن تكون أموال الأمة عدة لها وقوة لبناء أساس مجدها والحفاظ على مكانتها غير محتاجة إلى من قد يستغل حاجتها فيبتز منافعها ويدخلها تحت نير سلطانه.
وقد عالج الإسلام قضية الاعتدال وترشيد الاستهلاك – حفاظاً على المال – في شكل كلي واضح وترك للناس وضع الجزئيات لتحقيق المبدأ الكلي؛ ويتضح ذلك في عدة آيات من القرآن الكريم منها قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67]
ويوجد في العصر الحالي العديد من أنواع الإسراف والتبذير التي نهى عنها الإسلام منها:
الإسراف في المناسبات الاجتماعية في الفرح أو الحزن إسراف لا مبرر له فيما ينفق عليها سواء من قبل الأفراد أو الجماعات، ومن صور الإسراف فيها الإسراف في الأفراح وما يتبعها من مغالاة في المهور، والأثاث، والاحتفال، والإسراف في حفلات أعياد الميلاد والسبوع وما يصاحبها من مأكولات وشموع وموسيقى، والإسراف في الجنائز وما يقام فيها، وغير ذلك من مناسبات اجتماعية.
ومنها أيضًا: الإنفاق اللامحدود على الفنانين واللاعبين فعوض أن يكون الإنفاق والصرف على العلماء والبحث العلمي أصبحنا نرى الإسراف والبذخ والرواتب الفلكية على اللهو بأنواعه..
مَنَعَ الإسلام إنفاقَ المال في الوجوه غير المشروعة، وحثَّ على إنفاقه في سُبل الخير، وذلك مبنيٌّ على قاعدة من أهمِّ قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي، وهي أنَّ المال مالُ الله، وأنَّ الفردَ مستخلفٌ فيه ووكيلٌ؛ قال تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: 7]
إنَّ مِن أخطَر القضايا التي تُهدِّد الأمنَ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الاعتداء على المال العام، والتي أخَذتْ صُوَرًا شتَّى؛ منها: صرفه في غير أوجهه المشروعة، فالله – عزَّ وجلَّ – حَذَّرنا من هَدْره وصَرْفه في غير حِلِّه؛ كما في الحديث؛ عن المغيرة بن شُعْبة رضي الله عنه قال: قال: النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: “إنَّ الله حرَّم عليكم عقوقَ الأُمَّهات ووَأْدَ البَنَات، ومَنْعًا وهَات، وكَرِه لكم قِيل وقَال، وكَثرة السؤال، وإضاعة المال”.