يتعامل الحداثيون مع النص القرآني كنص بشري، ينزعون عنه قدسيته وينكرون إعجازه، ويطعنون في سلامة تلقيه وتدوينه، ويدعون التحرر الفكري في منطلقاتهم الفكرية، والحقيقة أنهم ببغاوات تردد ماتلقوه وتعلموه من أساتذتهم ونظرياتهم الغربية، وهم في ذلك كله يفتقدون وسائل المعرفة العميقة، وعلوم الآلة الدقيقة، وأسرار اللسان العربي.
ويدعون إلى القطيعة الكاملة مع التراث الإسلامي، بدعوى التحرر الفكري والحداثة، و هم في الوقت نفسه يدينون بالتلمذة الكاملة لأساتذتهم في الغرب، والانقياد التام لنظرياتهم، كنظرية موت المؤلف للفرنسي رولان بارت، والنظرية التفكيكية لجاك دريدا، وارتدادتها السلبية.
و تلقفوا هذه النظريات من أساتذتهم، بتبعية كاملة، واستلاب فكري مريب؛ لتطبيقها على النص القرآني؛ بهدف أنسنة النص القرآني، ووصفه بالتاريخية، ومن ثم نزع القدسية عنه، وإسقاط حقيقة الإعجاز منه، بدعوى الحداثة، و أفكارهم في ذلك كله؛ لم تنبع من روح الحداثة، ولم تشبع حداثة الروح، وإنما أخرجت لنا مسخا حداثيا غربيا غريبا، في المرجعية والتأويل!
لقد حاول المستشرقون وتلامذتهم في منتصف القرن المنصرم، الترويج لنظرية الانتحال في الشعر الجاهلي، التي دعا إليها مرجليوث؛ لأن الشعر الجاهلي هو السياج البياني للبيان القرآني، فهو من دلائل إعجازه وشواهده، والطعن فيه طعن في الإعجاز؛ لذلك تصدى لإبطالها من جذورها، وفي مهدها، جهابذة العربية، وفرسان البيان.
ومن وقت لآخر تتقمص هذه النظريات الغربية شكلا آخر، ومسمى جديدا، تجند لها أقلاما مأجورة، وعقولا معلولة؛ لتواصل مسيرة الهدم. وقد تجاوزت هذه النظريات السياج البياني للنص القرآني، وما يدلل على إعجازه من خارجه، إلى التوجه إلى النص القرآني ذاته؛ لقراءته وتأويله؛ بغية تحريف معاني مضامينه، منطلقة في ذلك من فوضى التأويل وجنونه؛ وإذا جُنَّ العقلُ فلا عقال له!