يحتفل العالم باليوم العالمي للمسنين وذلك في مطلع شهر أكتوبر من كل عام، وهي مناسبة يجدر فيها أن نعرف هدي الإسلام في رعاية المسنين ومعرفة منزلتهم فيه، وحثه على العناية بهم، والقيام بحقهم، والسعي لتيسير الحياة بعد عجزهم، وإدخال السعادة في قلوبهم، والتسارع في خدمتهم؛ وفاء بما قدموا لأبنائهم وذويهم ومجتمعهم في شبابهم وفتوتهم.

وإن كانت المؤسسات تكرم من أنهى خدماته فيها، وهي نظرة مصلحية محمودة، فإن الإسلام قد راعى الجهود التي بذلها المسنون في شبابهم وحياتهم، وأنهم أحق بالتكريم والإحسان، ولم يقف عند هذا الحد، باعتبار المجتمع المسلم حاضنا لكل أطيافه، فليست هناك طائفة في المجتمع المسلم مهملة أو لا قيمة لها، وهو مما يدل على قوة الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم، باعتبار ذلك أحد دعامات الحضارة الإسلامية .

والمسن في المجتمع المسلم، قد يكون أبا أو أما، فيكون حقهما أكبر، والرعاية لهما أوجب، والسعي لخدمتهما من القربات إلى الله تعالى.

وقد يكون المسن ليس قريبا، بل هو فرد من أفراد المجتمع، مسلما أو غير مسلم، والمسن – ولو كان غير قريب، أو غير مسلم- جعل الإسلام له حقوقا، ووضع للتعامل معه منهجا.

وإن كان البعض يرى أن تقدم السن هو نهاية الإنسان الذي يعد معه مهملا، فإن نظرة الإسلام للمسنين كانت نظرة إيجابية.

المسن في المجتمع المسلم، قد يكون أبا أو أما، فيكون حقهما أكبر، والرعاية لهما أوجب، والسعي لخدمتهما من القربات إلى الله تعالى

فتقدم السن عده الإسلام خيرا للإنسان وليس شرا له، ففي حديث مسلم بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا يتمنى أحدكم الموت، و لا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا. فزيادة العمر في حياة الإنسان تزيده خيرا، وهو مما يرفع الروح المعنوية للمسن، ويعرف قدره في حياة المسلمين.

بل جعل الرسول صلى الله عليه وسلم خير المسلمين من طال عمره، وهو المسن، لكن مع حسن العمل، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ألا أنبئكم بخياركم، خياركم أطولكم أعمارا؛ إذا سددوا”.

و جعل النبي صلى الله عليه وسلم المسن هو خير الناس الله، ذلك أن غالب حال المسن انشغاله بذكر الله تعالى، ففي مسند الإمام أحمد بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام؛ لتسبيحه وتكبيره وتهليله.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر هذا المعنى في مجالسه، حتى يرسخ قيمة العناية بالمسنين، وبيان فضلهم في المجتمع المسلم، ففي سنن الترمذي أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حضرة من الصحابة، فقال له: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله.

منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إكرام المسن

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه كيف يحترمون المسن ويجلونه ويفضلونه على غيره في المحافل، ومن ذلك:

إكرام المسنفمن أجل توجيهاته صلى الله عليه وسلم أن يكرم الشاب والرجل المسن، فيوقره ويكرمه، بل من عظيم توجيه الإسلام له أن جعل ذلك من إجلال الله تعالى، ففي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن من إجلال الله؛ إكرام ذي الشيبة المسلم”.

ومما يتوافق مع هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المسن أن يعطى أولوية في طابور قضاء الحوائج في المصالح والمؤسسات

ويحث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على إكرام المسن، وأنه دين فيه الوفاء، فبمثل تعامله سيجد مثله في المستقبل، فعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ما أكرم شاب شيخا لسنه، إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه”.

التوسيع له في الطرقات والمجالسومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في توقير المسن واحترامه أن يوسع له في المجلس والطرقات، ومما يتوافق مع هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المسن أن يعطى أولوية في طابور قضاء الحوائج في المصالح والمؤسسات، وأن يخصص له مكان في المواصلات العامة، وأن يقدم على غيره في كثير من الأمور؛ رحمة به في هذه السن.

ففي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا بين أصحابه، وجاءه شيخ كبير، فأبطأ الصحابة أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم معلما أصحابه توقير المسن وتوسيع الطريق له: ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا”.

بدء المسن بالتحيةومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في توقير المسن أن نسارع إليه، وأن نبدأه بالسلام والتحية، مما يشعره بقيمته في المجتمع، وحب الناس له، فيكون له بالغ الأثر النفسي عليه. فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” يسلم الصغير على الكبير”.

تقديم المسن على غيره في غالب الأمورومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المسنين تقديمهم على غيرهم في غالب الأمور، بل جاء الأمر بتقديم الكبير من رب العزة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرني جبريل أن أقدم الأكابر.

إن الإسلام الذي أمر برحمة الحيوان، لهو أولى العقائد والأديان بالرفقة بالمسنين، انطلاقا من تكريم الله للإنسان عامة، والحث على إكرام الكبير خاصة

وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تقديم المسنين، باعتبار ذلك سلوكا اجتماعيا في المجتمع المسلم حتى في تفاصيل الأمور، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أن يقدم المسن في الشرب، فقال:” ابدؤوا بالكبراء، أو قال بالأكابر”.

بل كان يقدم المسن في استعمال السواك، فعن عائشة – رضي الله عنها- كان النبي صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان، فأوحي إليه: أن أعط السواك أكبرهما.

فقه المسنين

ولرعاية الإسلام بالمسنين، فقد خصهم بأحكام تتناسب مع ما فيهم من السن والحالة الصحية وتقدمهم في العمر، فقد أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان إن كان الصيام يشق عليه، وأن يصلي جالسا إن كان لا يقدر على القيام، وعنف معاذ بن جبل لأنه أطال بالناس، وقال له: أفتان أنت يا معاذ، كررها ثلاثا. وقال: من أم الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة.

ورخص للمسن إن لم يقدر على السفر للحج أن ينيب عنه من يحج، وقد جاءت امرأة من خثعم تشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن أباها لا يستطيع السفر للحج لكبر سنه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:” فحجي عنه”.

بل جاءت رحمة الإسلام بالمسن غير المسلم، فنهي عن قتل المسن في الحرب، وأسقط عنه عمر الجزية يوم أن كان أهل الكتاب في بلادنا لا يشتركون في الجيش وحماية البلاد.

إن الإسلام الذي أمر برحمة الحيوان، لهو أولى العقائد والأديان بالرفقة بالمسنين، انطلاقا من تكريم الله للإنسان عامة، والحث على إكرام الكبير خاصة.