قال الدكتور منذر قحف، في محاضرة أكاديمية ألقاها باللغة الانجليزية، يوم الأربعاء 19-10-2016، بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة بدولة قطر، إن موضوع الإرث في العالم الغربي مسألة ينبغي أن ينظر إليها، لأن هناك مسلمين يعيشون في دول لا يطبق فيها قانون التركات الإسلامية بسبب طبيعة القانون.
وقد تحدث المحاضر في المحاضرة المنظمة من طرف مركز الاقتصاد والتمويل الإسلامي، والتي كانت بعنوان:”الوصية من منظور إسلامي”، عن نظامي التركة والوقف في التاريخ الإسلامي، وقال إن المسلمين أبدعوا في مجال الوقف، رغم أن العرب لم يعرفوا هذا النظام إلا في زمن عمر بن الخطاب.
الإرث وتوزيع الثروة
بدأ المحاضر حديثه في المحور الأول من المحاضرة عن موضوع الإرث (التركة)، وقال إن قانون التركات الإسلامية يعكس طبيعة ومبادئ مفهوم الملكية من المنظور الإسلامي، وأن الملكية في الإسلام ليست ملكية كاملة، بل هي ملكية بالوكالة. وفي هذا السياق أشار إلى أن الإرث في العالم الغربي مسألة ينبغي أن ينظر إليها، لأن هناك مسلمين يعيشون في دول لا يطبق فيها قانون التركات الإسلامية بسبب طبيعة القانون.
وقال إن الإنسان مخول للتملك ما دام على قيد الحياة، ولكن عندما يموت فإن هذه الملكية تعود إلى الله تعالى. وبالتالي فإن نظام الإرث الإسلامي هو أمر إلزامي، مثل أركان الإسلام الخمسة، وقد تم تفصيله من قبل الله تعالى.
ودعا قحف إلى الابتعاد عن تركيز الثورة في يد واحد، لأن القرآن الكريم –وكذا الصيرفة الإسلامية- يدعونا إلى توزيع الثروات، لأن الإرث ينبغي دائما إلى أن يوزع على عدد من الورثة، ولكن هذا لا يعني تشتيت الملكيات، ولذلك نكون غير منصفين عندما نقول إن نظام الإرث يشتت الممتلكات.
الإرث وعلاقته بالقرابة
أكد المحاضر أن السمة الأساسية لنظام الإرث الإسلامي (التركة) هي أنه نظام يقوم على القرابة، لا على التعاقدية أو القبيلة، وله علاقة بدر جات القرابة على اختلافها، كما أن له علاقة بالمسؤوليات المالية، وقال إن من مقاصد الشريعة توزيع هذا الإرث بشكل سريع جدا، للمحافظة على الخصوصية.
وأضاف قحف: والقاعدة العامة تقول إن للذكر حظ الأنثيين، ولكن في الشريعة حالات استثنائية، تأخذ المرأة فيها حصة أكبر من الذكر، ولكن بصفة عامة فإن الرجل هو الذي توكل إليه مسؤولية الأسرة.
الوقف في الحضارة القديمة
في المحور الثاني من المحاضرة، تحدث المحاضر عن موضوع الوقف، وقال إن الوقف لم يكن موجودا في تاريخ العرب، وأن الأدلة التاريخية تقول إنه كانت توجد أوقاف في ثقافات سابقة أخرى، ولكن معظم هذه الأوقاف كانت لأهداف دينية، وتسعى إلى إثراء رجل الدين في مكان العبادة.
وقال منذر قحف إنه من النادر أن تكون هناك أوقاف لأسباب غير دينية، رغم أن هناك أدلة تاريخية في الإمبراطورية الرومانية، وبعض الدول الأخرى في الشرق الأوسط، تقول بوجود أوقاف لأسباب غير دينية، لكنها كانت بيد الكهنة.
الوقف في الحضارة الإسلامية
وفي إطار حديثه عن الوقف في تاريخ الحضارة الإسلامية العربية قال منذر قحف إن الوقف لم يكن معروفا عند العرب، رغم أن المسلمين ابتكروا وقف العائلة في زمن عمر بن الخطاب، وهو وقف لم يكن معروفا قبل الإسلام على الإطلاق. واعتبر منذر قحف أن المسلمين قاموا بتوسيع مجال الوقف، فهناك جملة أمور منها التعليم والرعاية الصحة والرخاء الاجتماعي والبحث العلمي، كانت تدار في البلاد الإسلامية من طرف الأوقاف.
وقال منذر قحف إن الأوقاف توسعت في العالم الإسلامي بشكل هائل، حتى أصبحت تمثل في بعض المدن الإسلامية ثلث الأرض الزراعية في وقت من الأوقات. كما وجدت في الدول الإسلامية أنواع مختلفة من الوقف، ففي مدينة فاس بالمغرب وقف للطيور، ووقف لصيانة الساعة المائية الموجودة في مسجد القيروان، وفي دمشق وقف خاص بالقطط، وفي دول أخرى وقف خاص بالبحث المتعلق بالأعشاب لاستخراج الأدوية.
الوقف مؤسسة دينية
وأشار قحف إلى أن الوقف في الإسلام لم يكن أبدا بيد الأئمة أو الشيوخ أو علماء الشريعة، بل ظل مؤسسة مدنية لا مؤسسة دينية. واستدل على ذلك بقول عمر بن الخطاب عندما وضع الوقف، وقال كلاما مضمونه: “أنا الآن الأمين على الوقف، وعندما أموت ستكون ابنتي حفصة هي الأمينة”، فمن خلال هذا الكلام نلاحظ أن عمر لم يكلف الخليفة القادم، أو إمام المسجد بموضوع الوقف، وإنما اعتبر الأمر شخصيا، حيث جعل نفسه هو الوصي أو الأمين على هذا الأمر.
واختتم المحاضر حديثه عن الوقف قائلا إن الوقف يجب أن يكون لهدف نبيل يدخل في إطار العمل الخيري الهادف، ولا ينبغي أن يسعى من خلاله صاحبه إلى خدمة الأهداف التي لا تخدم الإسلام، كهدف توفير السلاح للجماعات التي تقتل المسلمين الأبرياء.