بمناسبة شهر رمضان عنيت بعض صفحات الويب ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر أدعية خاصة بكل يوم من رمضان وتزعم أنها تذكر الناس بهذه العبادة، وغالب هذه الأدعية جاءت مطلقة، يجوز الدعاء بها في أي وقت أو حينـ، بدون تقييدها بيوم من رمضان دون الآخر، أو بشهر رمضان دون غيره، فكانت المشكلة أن هذه المواقع ربطت هذه الأدعية بأيام رمضان، ولم يأت دليل يأمر بذلك أو يخصص الدعاء المذكور بالصيغة المنشورة، فهل ورد في السنة النبوية دعاء خاص لكل يوم من شهر رمضان؟
الدعاء في شهر رمضان
لا شك أن الدعاء خلال أيام شهر رمضان من الأعمال المندوبة، وهو داخل في عموم أنواع العبادات التي تعد من هدي النبي ﷺ، وكان يرغب في الدعاء، قال ابن القيم رحمه الله: (وكان من هديه ﷺ في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالنحير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف. وكان يخص رمضان بالعبادة بما لا يخص غيره من الشهور”.
ولا أدل على استحباب الدعاء في رمضان للصائم وغيره لفضل الزمان حين تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار، وربنا المولى يدعونا ألا يا باغي الخير أقبل! فلا أدل على ذلك من قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]
فإن في الآية الكريمة تذكير للعباد وتعليم للمؤمنين ما يراعونه في عبادة الصيام وغيرها من التوجه إلى الله تعالى بالدعاء الذي يعدهم للهدى والرشاد، قال البيضاوي: واعلم أنه تعالى لما أمرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة، وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر، عقبه بهذه الآية الدالة على أنه خبير بأحوالهم، سميع لأقوالهم، مجيب لدعائهم، مجاز على أعمالهم، تأكيدا له وحثا عليه.
وقد روي أن سبب نزول الآية: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم سمع المسلمين يدعون الله بصوت مرتفع في غزوة خيبر، فقال لهم: «أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم».
وروي أيضا عن قتادة: أن الصحابة قالوا: كيف ندعوا ربنا يا نبي الله؟ فأنزل الله هذه الآية.
وقال ابن كثير: وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر، كما رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة» فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر، دعا أهله وولده ودعا.
ورواه ابن ماجه بلفظ: «إن للصائم عند فطرة دعوة ما ترد» وكان عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي».
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك، ولو بعد حين»[1].
قال ابن عاشور: “نظم الآية مؤذن بأن الله تعالى بعد أن أمرهم بما يجب له عليهم أكرمهم فقال: وإذا سألوا عن حقهم علي فإني قريب منهم أجيب دعوتهم…
وفي هذه الآية إيماء إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان”.
قال بكر أبو زيد في (تصحيح الدعاء): (قال تعالى في وسط آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي) الآية. وهذا من أسرار القرآن العظيم، إذ ذكرها الله تعالى بعد إكمال عدة رمضان وقبل آية إتمام الصيام إلى الليل، وهذا والله أعلم إيماء وإشعار للصائم بالاجتهاد بالدعاء في هذا الشهر المبارك وبخاصة عند إكمال العدة وعند الفطر)
وبناء على هذا فإنه ينبغي على الصائم الاجتهاد في الدعاء لأن حاله حال إجابة وهو في زمان إجابة فعليه أن يدعو القريب المجيب. وعلى الداعي أن ينتقي جوامع الدعاء والأدعية التي وردت في القرآن والسنة.
هل يجوز تخصص كل يوم من رمضان بدعاء معين؟
إن شهر رمضان كما سبق شهر الاستجابة فالمسلم يجب أن يغتنم الشهر بالدعاء والتضرع، لكن الدعاء من باب العبادات كما أشرنا إلى ذلك، ومبنى العبادات على التوقيف، فلا يجوز لأحد أن يشرع للناس عبادة معينة من دعاء أو غيره، في يوم معين، أو زمان معين، أو مكان معين، لم يرد بها الشرع، لأن هذا من البدع المحدثة.
قال ابن تيمية: “لا ريبَ أنَّ الأذكارَ والدعوات مِن أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتِّباع ، لا على الهوى والابتداع، فالأدعيةُ والأذكارُ النبويَّةُ هي أفضل ما يتحرَّاه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمانٍ وسلامةٍ، والفوائد والنتائج التي تحصل لا يعبر عنها لسانٌ، ولا يحيط بها إنسانٌ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرَّماً، وقد يكون مكروهاً، وقد يكون فيه شركٌ مما لا يهتدي إليه أكثرُ النَّاسِ، وهي جملةٌ يطول تفصيلها .
وليس لأحدٍ أنْ يَسُنَّ للنَّاسِ نوعاً من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادةً راتبةً يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداعُ دينٍ لم يأذن الله به…
وأما اتخاذ وردٍ غيِر شرعيٍّ، واستنانُ ذكرٍ غيرِ شرعيٍّ، فهذا مما يُنهى عنه، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية، والأذكار الشرعية: غايةُ المطالبِ الصحيحةِ ونهايةُ المقاصدِ العليَّة ، ولا يَعدلُ عنها إلى غيرها من الأذكارِ المحدَثة المبتدعةِ إلاّ جاهلٌ أو مفرِّطٌ أو متعَدٍّ [1]” .
ومن قبيل ذلك، ما يسميه بعض صفحات الويب بـ ثلاثين دعاء لثلاثين يوما من رمضان، فهذا لا يجوز المسلم أن يتقيد بهذه الأدعية لأنها لا تستند إلى دليل من الكتاب أو السنة، والأحاديث المروية في هذا الشأن لا أصل لها من الرسول ﷺ.
[1] مجموع الفتاوى (22/510-511) .