من المظاهر الجميلة في الشهر الكريم أن ترى المساجد وهي تمتلئ، ليس في صلاة واحدة بل في كل الفروض، في مشهد يبعث على الارتياح النفسي مثلما كذلك يدعو إلى التساؤل. لكن دعونا من التساؤل الآن ولنعش في المشهد نفسه بعض الشيء ثم نعود للتساؤل ..
أقول بأنه مشهد جميل رؤية الناس مقبلة على الله عبر الصلاة ، في اشارة الى أنه مهما ابتعد المرء وغاب عن الوعي الديني لسبب أو جملة أسباب ، إلا أنه سيعود بفضل الله ورحمته ، طالما بقي الضمير حياً لم يمت ، فهو قد يصدأ لكن تجليته من الصدأ أسهل من إحيائه بعد الموت..
لكن كما تقول العامة « الحلو ما يكملش» فإن المشهد الرمضاني الجميل لا يتكرر بقية أيام السنة. وهو ما يدعو الى التساؤل قليلاً عن السر في عدم التكرار ، فوجدت أن السبب الرئيسي في امتلاء المساجد خلال هذا الشهر الفضيل، هو الجو الإيماني المصاحب للشهر الكريم، الأمر الذي يدعو الجميع إلى العيش فيه ولو لسويعات قليلة، ويحب الناس استشعار تلك الروحانيات والإيمانيات في المساجد، ولهذا تجد أنها تمتلئ في أغلب الفروض لا سيما العشاء ومن ثم التراويح.
لكن الملاحظ حقيقة هو أن بعض الأئمة والخطباء، هدانا الله وإياهم، لا يأتي الشهر الفضيل إلا وتجدهم قد بدؤوا في انتقاد هذا المشهد، ويبدأ بعضهم يردد لقب (الرمضانيون) على الذين يأتون المساجد في هذا الشهر، ويغيبون بقية أيام العام، وأن رب رمضان هو رب شوال ورجب وصفر..
أقول إن هذا غير مقبول من الأئمة والخطباء لسبب وجيه بسيط، هو أن توحد التوقيت لبعض العبادات في شهر رمضان يتيح الفرصة للجميع أن يجتمع في المسجد لأداء الصلوات. إن مواقيت العمل تتوحد، ووقت تناول طعام الإفطار واحد يسير على أساسه الجميع، وكثير من الأنشطة والأعمال اليومية المسائية يتم توقيتها على أساس الانتهاء من التراويح، وهكذا.
لذا تجد أن فرص التقاء أهل الحي وأداء الصلوات في المسجد تزداد في رمضان نظراً لتلك الاعتبارات أكثر من أي وقت آخر. وظني أن هذه الفرص أو تلك الاعتبارات لو توفرت في بقية أيام السنة لكانت المساجد ممتلئة كذلك.
لهذا ندعو الأئمة والخطباء الكرام بتوجيه الشكر إلى جموع المصلين أولاً، القدماء منهم والجدد أو كما يسمونهم بالرمضانيين ، وحثهم على الاستمرار في أداء الصلوات بالمسجد قدر المستطاع ثانياً، مع عدم توجيه النقد إلى مرتادي المساجد الجدد في رمضان ثالثاً وأخيراً.. فمن يدري، لعل من بين المرتادين الجدد من قرر ارتياد المساجد والحرص على أداء الصلوات فيها، فيسمع النقد واللوم من الإمام لأمثاله، فيكون رد فعله غير سار البتة.. فمن يتحمل نتيجة تنفيره من المسجد غير الإمام؟
أعتقد أن الأمر واضح لا يحتاج لمزيد شروحات وتفصيلات. والرفق واللين أمران مطلوبان لتزيين أي أمر، فما بالك لو كان هذا الأمر هو الدعوة إلى الخير والعمل الصالح ؟ وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه ، أو كما قال ﷺ .