استضافت حلقة العاشر من رمضان 2022 من برنامج “الشريعة والحياة في رمضان” عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، الدكتور إبراهيم الأنصاري، للحديث عن ضوابط الفتوى في الإسلام ، والشروط الواجب توفرها في المفتي والمستفتي.

وتحدث الدكتور إبراهيم الأنصاري في بداية اللقاء عن حال الفتوى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، ومن المعلوم أن الرسول وحده كان مسؤولا عن الفتوى لأنه كان مؤيدا بالوحي.  كان الصحابة يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم عن مايهمهم من أمور حياتهم فإذا سأله أحد عن أمور لا تهمه كانت إجابة النبي صلى الله عليه وسلم بما يناسب السائل .

على سبيل المثال إذا سأله أحد عن موعد الساعة – يوم القيامة – كان عليه الصلاة والسلام يصرف أو يوجه السائل إلى مايهمه من عمل فجاءت إجابته ” ما أعددت لها ”  .

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وجد المسلمون أنفسهم أمام وقائع الحياة المتجددة والمختلفة والتي تحتم عليهم أن يظلوا متمسكين بدينهم وفي نفس الوقت يستجيوا لهذه التطورات . وظهر خلال تلك الفترة من الصحابة من هم أكثر عمقا في فهم الشريعة ودلالاتها وأكثر إحاطة بنصوصها والذين اشتهروا منهم بالفتوى يعدون بالعشرات ، وكان جهد المفتين من الصحابة منصبا على أن يتبع الناس هذه الشريعة وأن يمارسوا حياتهم وفقها لأنها منهج للحياة .

كان دور المفتي في العهد النبوي وفي عهد الصحابة هو رسم طريق حياة للناس يتوافق مع الشريعة وبالتالي لا يبتعد الناس عن ممارسة حياتهم ولا يبتعدوا عن الشريعة وهنا مكمن صعوبة دور المفتي.

ثم انتقلت الفتوى في عصر الصحابة والتابعين وأتباع التابعين إلى طور جديد تحول الإفتاء فيه إلى موضوع مؤسس يضم بعض العلوم والكتب وجمعت الأحاديث ، وألفت كتب التفاسير وأسست المذاهب وأصبح يوجد أنماط ومدارس من الفتوى وأنماط من المفتين ، منهم من يميل إلى تحقيق النص واتباعه ومنهم من يميل إلى مقاصد الشريعة وتطبيقها وتجدر الإشارة إلى أن أهل النص وأهل المقاصد منذ ذلك الوقت يكمل كل منهما الآخر .

وفي العصر الحالي تعددت وتشعبت مسائل الفتوى مما خلق التباسا لدى الناس ، مالذي يحقق لهم مقاصد الشريعة و مالذي ينحو بهم خارج إطارها .

 بين السائل والمجيب

من المعلوم أن المسائل تتزايد مع مرور الزمن وتكاثر الناس ، والمفتون مناط بهم للتعامل والإجابة عليها  وهذا المفتي يتعامل مع الوقائع بأداتين :

 الأولى علمه  بنصوص الشريعة ،

 الثانية علمه بالواقع والمسائل التي يفرزها الواقع من شتى جوانب الحياة ، إما في الاقتصاد أو علم الاجتماع  الخ .

قضايا الإفتاء أو الأسئلة هي  نتاج الواقع ، و المستفتون هم من تفرز في حياتهم هذه المسائل .

ووضع الدكتور إبراهيم الأنصاري تصوره لأنواع المتصدرين للفتوى :

النوع الأول ضليع بعلوم الشريعة ولديه إلمام بعلوم بالواقع

النوع الثاني ضليع بعلوم الشريعة ومحدود الإلمام بعلوم الواقع

النوع الثالث ضليع في علوم الواقع  وليس لديه إلمام بعلوم الشريعة

النوع الرابع ليس لديه إلمام لا بعلوم الشريعة ولا بعلوم الواقع  

وشرح الدكتور إبراهيم في معرض حديثه أنواع المفتين وبين أن النوع الأول الذي يملك علم الشريعة وعلم الواقع من النادر وجوده في عصرنا الحالي لأنه أمر صعب ومن المفترض من يقوم بهذا العمل المؤسسات والمجامع الفقهية ولجان الفتوى بحسب المؤسسة التي يعودون لها .

أما النوع الثاني الذي يملك علوم الشريعة لكن إلمامه بعلوم الواقع محدود فهذا غالب العلماء والمفتين وهذا ليس عيبا فيهم ولا ينتقص من قدرهم ، وذلك لأن تشعبات الواقع ضخمة جدا بحيث من الاستحالة الإلمام بكل علوم وتخصصات الواقع من اقتصاد وسياسة واجتماع وتربية وغيرها ، ومن الصعب تحقيق ذلك .

النوع الثالث وهم ممن يمتلكون إلماما بعلوم الواقع وليس لديهم إلمام بعلوم الشريعة وهؤلاء يتم اعتبارهم خارج دائرة الإفتاء ولكن لهم دور مهم وكبير في تشخيص الوقائع وتوصيفها ، وهم يختلفون في القضايا كما يختلفون أهل الفتوى في الأحكام والأدلة ، ولذلك يجب إشراكهم في معرفة مآلات الفتوى وتأثيراتها على المجتمع، وهذه جوانب يدركها المتخصصون في علوم الواقع أكثر من علماء الشريعة، وأوضح مثال على أهمية إشراك أصحاب تخصصات علوم الواقع  في الفتوى هو ماوقع في وباء كورونا باستشارة علماء الطب لمعرفة مآل الفتوى في قضية الصلاة والذهاب إلى المساجد ،  كان من المهم فهم رأي الأطباء والالتفات لرأيهم مما يجعل الفقيه يقول رأيه باطمئنان.

النوع الرابع ليس لديه إلمام لا بعلوم الشريعة ولا بعلوم الواقع  وهؤلاء يجب الحجر عليهم وللأسف الشديد هذه النوعية  تتصدر بعض منابر الإفتاء أو تفتي بعكس العلم الشرعي .

أنواع المستفتين

قال الدكتور الأنصاري إن هناك شروطا يجب توافرها في المستفتي أو طالب الفتوى، مثل أن يكون واضحا في قصده غير مضلل للعالم للحصول على فتوى تتناسب مع ما يريد القيام به وبما يضر مصالح الآخرين.

وقسم الدكتور إبراهيم الأنصاري المستفتين إلى نوعين :

النوع الأول من يسأل عن مسألة تخصه وحده وتقع المسألة للأفراد مثل مسائل الطلاق والزواج وأحكام الطهارة والسفر الخ .

ويمكن للمفتي الإجابة عليها لأن الإجابات متوفرة والعلم متوفر وميسور.

النوع الثاني مسألة تهم الشأن العام لها آثار على جميع الناس مثل مسائل وباء كورونا ، وهذه يجب أن يتصدى لها المجامع الفقهية والاجتهاد الجماعي وأن ينتقل الموضوع من إجابة سائل إلى بحث علمي يدرس كل الجوانب والانعكاسات وبالتالي تخرج نتائج البحث وتؤسس اتجاها يتحرك فيه المجتمع باتجاه المستقبل.

تاريخ المجاميع الفقهية  

عرج الدكتور الأنصاري على قصة طاعون عمواس المشهورة واجتهاد الصحابة ثم اتفاقهم على رأي موافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، كذلك قصة أرض السواد التي جمع لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس واجتهد فيها ثم راجعهم مرات حتى استقروا على رأي ، وقبل ذلك حادثة الردة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومراجعته للناس .

وأوضح الدكتور الأنصاري أن المجامع الفقهية ليست بدعا إنما احتياج الإنسان لآراء من حوله ومشاورتهم وبالتالي يتوسع بهم رأيه ويدرك أبعاد الصورة بشكل أدق، وهو سلوك حث عليه الإسلام في الأمر بالشورى.

وأضاف الدكتور إبراهيم الأنصاري أن يتحمل الإنسان مسؤولية الإفتاء بمجرد أنه يدرك الأدلة هي مسؤولية صعبة،  وفي بعض الأحيان قول ” لا أدري ” في بعض المسائل ليس من باب التواضع فقط وإنما المفتي عندما يتعامل مع واقعه بأمانة فهو لايدرك كل شيء وقد لا يحيط بالمسألة من كل جوانبها .

وأكد الأنصاري على المجامع الفقهية إدراك أن القضايا في عصرنا قد تجاوزت مخيلة صاحب المذهب وهو يؤسس لمذهبه ، فمن من أئمة الإسلام السابقين كان يتخيل مسائل العملة الرقمية أو الصلاة في الجو .

 وذكّر الدكتور الأنصاري بأن الهدف من الشريعة هو سعادة البشر وهدف الفتوى هو نقل الناس خلال طريق الشريعة بيسر وسهولة دون انقطاعهم عن الحياة لكن المشكلة تكمن في أن نظم الحياة والأيدولوجيات والأفكار المحيطة والمناهج المختلفة تحيد بالمسلم من كل جانب وعلى الانسان أن يحرص عند تناوله للفتوى .

هل تتغير الفتوى بتغير المكان ؟

لا شك أن الفتوى يحكمها ظروف الواقع ، والأمور التي تتغير بالعرف تتغير فيها الفتوى تبعا للعرف ، وظروف الإنسان الذي يعيش في بلد مسلم يجد فيه بدائل تختلف عن ظروف المسلم الذي يعيش في بلد غير مسلم ولا يجد فيه بدائل، والأدق أن يفتي له من يعيش معه في نفس البلد ويعيش نفس الظروف.

ونبه الدكتورالأنصاري إلى خطورة مسألة تصدير الفتوى فشخص يعيش في بلد يستفتي شيخا يعيش في بلد آخر بعيد عنه مما يسبب بلبلة ويعقد حياة الناس، كما نبه الدكتور الأنصاري من خطورة إخراج المفتي للناس من القواعد الكلية خارج الشريعة ثم تبرير هذا الخروج إما بالاستدلال بنصوص وردت لبعض الحالات الاستثنائية أو تفسيرها خلاف ماجاءت به.

كيف أثرت وسائل التواصل على الفتوى

وحول تأثير وسائل التواصل الإجتماعي على الفتوى قال الدكتور الأنصاري الانفجار المعرفي في هذا العصر سبب بعض الفوضى .. فوضى في الفتوى .. وفي المعلومة .. وفوضى في خصوصية الناس ، وشكلت حالة سائلة من الأراء ينبغي التعامل معها .

في المقابل توجد مواقع موثوقة للفتوى يلجأ لها الانسان – عليه التأكد بنفسه من موثوقيتها – ثم يتعامل معها لطلب الفتوى لنفسه ، فإن لم يفهم الفتوى بالشكل الدقيق أو لم تكن ظروف السؤال متوافقا مع حالته فعليه الاتصال بعالم متخصص يشرح له وقائع حالته، وبعض المسائل الفقهية تتكرر باستمرار على وسائل التواصل وشبكة الانترنت مثل المسح على الخفين ، قصر الصلاة في السفر ، وبعض أحكام الحيض والنفاس فيمكن الاستفادة مما نشر سابقا في المواقع الموثوقة .

وحذر الدكتور الأنصاري إلى استخدام بعض مواقع الفتوى أوامر آلية تستخدم البرمجيات الحديثة مثل أن يضغط السائل على رقم معين فتخرج له إجابة معينة وهذا لا تبرأ به ذمة السائل ولا ذمة المفتي المسؤول عن هذا الأمر.

كما نبه من تجاوز بعض الناس لدور المفتي بأخذ بعض الفتاوى ووضع تصاميم ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إما باقتطاع مقولة للمفتي أو اخراجها من سياقها أو إضافة عبارات لم يقلها أو إضافة أراء خاصة بحسب الفهم القاصر لهذا الشخص مما يسبب بلبلة للناس ، وهذا في الأساس ليس عملهم وإنما عمل لجان الفتوى ، وكثيرا مانجد في هذه المنشورات معلومات خاطئة وأحاديث غير صحيحة .

وفي ختام حديثه أشار الدكتور الأنصاري أن الفتوى في قضايا النساء أنها مثل غيرها من المسائل الفقهية فهي تحتاج إلى العلم بالشريعة وبالواقع ، لكنه أكدعلى أن المرأة العالمة أعلم بخصوصيات النساء فإذا تعلمت المرأة العلم الشرعي فهي أقدر من غيرها ، ولا تختلف كفاءة المرأة عن كفاءة الرجل.