يعد كتاب ( Behind the Story: Ethical Readings of Qurʾānic Narratives ) ما وراء الحكاية دراسات أخلاقية في القصة القرآنية ، تحرير الدكتور سامر رشواني، عملاً أكاديمياً يسلِّط الضوءَ على تنوع تأويلات القصص القرآنيّة وما تنطوي عليه من دلالات أخلاقية، فضلاً عن تأثيرها في مجالات معرفية شتّى.

صدر هذا الكتاب في عام 2024 م ضمن سلسلة دراسات في الأخلاقيات الإسلامية، وجاء ليسد ثغرة ملموسة في حقل الدراسات القرآنية؛ فبرغم وفرة البحوث حول قصص قرآنية منفردة، لا تزال الدراسات الشاملة التي تتناول السرد القرآني بوصفه نوعاً أدبياً ودينياً مميزاً قليلة ونادرة. جاءت مواد هذا العمل نتيجة لورشة أكاديمية عقدت في عام 2020 م في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة في قطر ، وشارك فيها عدد كبير من الباحثين من تخصصات متعددة.

يركز هذا الكتاب على إعادة قراءة القصص القرآنية، من خلال منظور أخلاقي واضح المعالم، عبر تحليل منهجي دقيق يوضح أثر هذه القصص في تشكيل علوم الشريعة الإسلامية وعلم الكلام والفكر السياسي والأخلاق والتصوف، وكذلك في المجالات التطبيقية كالفن والعمارة.

ينقسم كتاب “ما وراء الحكاية دراسات أخلاقية في القصة القرآنية” إلى قسمين رئيسيين؛ الأول بعنوان «إعادة التفكير في القصص القرآنية»، والثاني بعنوان «تاريخ تلقّي القصة القرآنية والأخلاق». يطرح كل قسم مجموعة من الدراسات التحليلية المعمقة التي تستند إلى مناهج علمية دقيقة.

القسم الأول: إعادة التفكير في القصص القرآنية

يتضمن القسم الأول خمسة فصول، تُعيد قراءة قصص قرآنية محددة لاستكشاف ما فيها من قيم وأبعاد أخلاقية عميقة ومتجدّدة.

الفصل الأول: قصة الأخوين هابيل وقابيل .. نماذج السلام والتنافس

يركز سامر رشواني على قصة ابني آدم (هابيل وقابيل)، ويتناول هذه القصة من زاوية أخلاقية وتأسيسية واضحة. يطرح رشواني أسئلة عميقة مثل شرعية الدفاع عن النفس، وأصول الشر في الطبيعة الإنسانية، ويرصد كيف تجسّدت الشخصيتان (هابيل وقابيل) في التراث الإسلامي كنموذجين للخير والشر المطلقين. كما يوضّح الفصل كيف أصبحت هذه القصة مرجعًا لعشرات النقاشات العقدية والأخلاقية لدى علماء المسلمين، ما شكّل فيما بعد نظرية إسلامية متكاملة في نبذ العنف وترسيخ مفهوم العدالة الإنسانية.

الفصل الثاني: علامات لمن يستطيعون تفسيرها .. الأطلال القديمة في القرآن

يتناول الباحث ديفن ج. ستيوارت قصص الأمم السابقة وأطلالها كدلالات أخلاقية عميقة. ويتساءل عن المنطق الأخلاقي الذي يقوم عليه عرض هذه القصص في القرآن؛ هل هو تحذيري محض أم أنه نافع من حيث كونه يؤكد على القيم الإيجابية كأساس لبقاء المجتمعات؟ ويرى الباحث أن القرآن يدمج بين المنهجين، حيث يدعو إلى النظر والتأمل في دروس التاريخ، لتكون هذه الأطلال علامات على العدالة الإلهية وقواعد الاستمرار الحضاري.

الفصل الثالث: الضيافة الإلهية والبشرية في قصص سورة الحجر .. نحو أخلاقيات السرد القرآني

تقدّم هانيليس كولوسكا تحليلاً لفضيلة الضيافة في سورة الحجر، وتربط بين القصص القرآني والتطبيق الثقافي التاريخي، مستشهدة ببيت الست طنشوق في القدس كمثال حي يجسّد أخلاق الضيافة. توضح الباحثة كيف أن مفهوم الضيافة القرآني انتقل من السرد النصي إلى الممارسة الاجتماعية والعمرانية الإسلامية، مكوّنًا أخلاقيات حياتية تربط بين الدنيا والآخرة، وهو ما يُبرز البعد العملي للسرد القرآني.

الفصل الرابع: التضحية والقراءة التجديدية لقصة الذبيح

يقدّم محمد فاضل قراءة معاصرة لقصة تضحية إبراهيم عليه السلام بابنه، ويقارن بين السرد القرآني والسرد التوراتي. يبين الباحث أن القراءة القرآنية ترفض فكرة التضحية الدموية، وتطرح بالمقابل مفهومًا قائمًا على الرحمة والشكر والتضامن، ما يُمكن أن يمثل مساهمة إسلامية مهمة في بناء تصورات سياسية سلمية وديمقراطية في العصر الحديث، رافضةً كل تبرير للعنف باسم القداسة.

الفصل الخامس: أهداف ما وراء السرد في الحكي القرآني .. دراسة لقصة سليمان وملكة سبأ

تطرح طاهرة أمين مفهوم “ما وراء السرد”، أي المقاصد العليا التي تقف خلف الروايات القرآنية. ومن خلال مقارنة قصة سليمان في القرآن مع نظيرتها في الكتاب المقدس، تؤكد الباحثة أن القرآن يعيد تصحيح صورة الأنبياء وإبرازهم كنماذج أخلاقية، وليس كقادة خارقين. هذا التصحيح المقصود أخلاقيًا يوضح اهتمام القرآن بترسيخ فضائل التواضع والحكمة وإبراز القيم الإنسانية الأساسية.

القسم الثاني: تاريخ تلقي القصة القرآنية والأخلاق

يتناول القسم الثاني من الكتاب أثر القصص القرآنية في التراث الإسلامي وغيره، عبر خمسة فصول تحليلية تتبع تاريخ التلقّي الفكري والأخلاقي.

الفصل السادس: السرد القرآني وتاريخ تلقيه

يركز سامر رشواني على مدى اهتمام العلماء المسلمين بالقصص القرآنية تاريخيًا، مبيّنًا تهميشها النسبي في عصور الإسلام المبكرة، ثم عودة الاهتمام بها حديثًا كنمط أدبي مستقل، ومقترحًا ضرورة بلورة مناهج تفسيرية جديدة تأخذ في الاعتبار أبعادها الأدبية والأخلاقية.

الفصل السابع: المعرفة الحدسية .. الحكي الصوفي لترسيخ الفضائل

يعرض فاتح إرمش كيف استثمر الصوفيون مثل جلال الدين الرومي وقِنالي زاده القصص القرآنية لغرس الفضائل الأخلاقية، مبرزًا دور القصص في توجيه النفس نحو الاعتدال والحكمة وتزكية الأخلاق، وهو أسلوب تربوي فعال في الفكر الصوفي.

الفصل الثامن: بلاغة الإعاقة والأخلاق في القصص القرآني

تقدّم هالة عطاء الله قراءة أخلاقية وإنسانية لقصة موسى مع ثقل لسانه، وتدعو إلى مفهوم أخلاقي قرآني شامل للإعاقة، يقوم على الرحمة والدمج الاجتماعي والتكافل الديني، دون عزل أو إقصاء.

الفصل التاسع: السرد القرآني وتشكيل الأخلاق .. الخط العثماني نموذجا

يدرس بلال بادات كيف وظّف الخطاطون العثمانيون السرد القصصي القرآني في مقدّمات مؤلفاتهم لإرساء أخلاقيات المهنة، وتقديم الفن بوصفه عبادة يتعلّم فيها الطالب فضائل الصبر والإتقان.

الفصل العاشر: القصص القرآنية في المكتبة الشرقية لديربلو

تتناول إيمانويلا ستيفانيديس الموسوعة الاستشراقية الشهيرة «المكتبة الشرقية»، وتوضح كيف قدّمت القصص القرآنية كمرجع أخلاقي وروحي في أوروبا القرن السابع عشر.

خاتمة .. الإضافة العلمية

يمثل كتاب “ما وراء الحكاية دراسات أخلاقية في القصة القرآنية” إضافةً نوعية إلى الدراسات القرآنية والأخلاقية، ويؤكد أن القصص القرآنية لا تقتصر على مجرد روايات تاريخية أو وعظية تقليدية، بل تُعد مورداً عميقاً لإثراء الفكر الإسلامي والإنساني. ويوصي الكتاب بتوسيع البحث في هذا المجال، مع الاهتمام بنظرية التلقي وتحليل الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية لتلك القصص، ما يجعلها مصدراً ملهماً ومستداماً للحوار حول الأخلاق الإنسانية.

يؤكد الكتاب على ضرورة تطوير الدراسات حول القصة القرآنية منهجياً، معتبراً إياها أداة فعّالة لتجديد النقاش حول القيم الأساسية مثل العدل والرحمة والتعايش، بما يبرز قدرة النص القرآني على التفاعل مع تحديات الحياة المعاصرة، وتقديم الحلول الملائمة لها.