كنا نستغرب من موقف بعض الحكومات الغربية التي تأخذ موقفا من النقاب، بذريعة أن هذا يناقض أصلا من أصول السياسة والحكم عندها من الحكر على الحريات الشخصية، ويوم أن قامت فرنسا – قديما- باتخاذ موقف من النقاب ضد المسلمات في فرنسا  قامت المظاهرات في العالم العربي والإسلامي منددة بهذا الموقف، سواء من فرنسا أو من غيرها من الدول الغربية.

ولكن الغريب الذي لا يستساغ أن يصرح بعض المسؤولين في بلاد المسلمين أنه ضد النقاب في مؤسسات دولة دينها الإسلام، والشريعة مرجعية الدولة، بعضهم رئيس جامعة، والبعض الآخر أساتذة في كليات شرعية!! وربما كان بعضهم وزيرا للثقافة أو غيرها من المناصب القيادية في عدد من الدول العربية، بل قام بعض المسلمين الذين يشهدون لله بالوحدانية وللرسول بالرسالة في بلد إسلامي بحملة لمنع النقاب؟!!!

 والتساؤل الذي يطرح نفسه:

– ما المقصود من خروج تلك التصريحات في بلاد المسلمين؟

– ومن المستفيد من ذلك في بلاد المسلمين؟

– وما الذي فعله النقاب لهم حتى تخرج علينا في الصحف والجرائد والمجلات والإذاعة والتلفزيون وفي وسائل التواصل تلك الدعوات في عقر دار المسلمين؟

الأخذ عن الأقدمين امتداد لحضارة هذه الأمة، وأنها ليست حضارة وليد اليوم أو الأمس، بل حضارة مئات السنين

إن المسلمين مرجعتيهم الكتاب والسنة، وليس التقاليد البالية، ولا الثقافات الوافدة من المجتمعات الغربية، وأنهم في فهم دينهم يرجعون إلى العلماء الثقات الأقدمين والمعاصرين، أما الأخذ عن الأقدمين فامتداد لحضارة هذه الأمة، وأنها ليست حضارة وليد اليوم أو الأمس، بل حضارة مئات السنين، فللأمة تاريخ عتيد، فكرا وفقها وثقافة ومعرفة وعلما، ومن السفاهة والحمق أن يخرج بعض الإعلاميين ومدعي العلم يطالبون بأن نترك ثقافتنا وحضارتنا وفكرنا وفقهنا، وأنها أصبحت من التاريخ البالي، وأن نعيد النظر من جديد في كل شيء حتى في قواطع الدين، ومن المعلوم منه بالضرورة.

إن الأمم باختلاف ثقافاتها وأفكارها تحترم تاريخها وماضيها؛ لأنه جزء من تكوينها، ولا مستقبل لأمة إلا بماضيها وحاضرها، فهذه هي الأمم التي تبني حضارة، أما الأمم التي تتمرد على ماضيها، وتنسلخ من تاريخها، فتلك من صفات الأمة المهزومة، التي ترى النقص باديا فيها، فهي تحاول أن تكمل النقص، وأن تخفي الانهزام، وما هي بفاعلة؛ لأنها قد ضلت الطريق.

إن أقل درجة من درجات النقاب في الإسلام أنه فضيلة، وهل الفضيلة أضحت رذيلة في بلاد المسلمين؟!

إن فقهاء الأمة متفقون على مشروعية النقاب، فلا خلاف بين الفقهاء فيمن انتقبت أن عملها مشروع، ولا شك أن النقاب أفضل أشكال الحجاب، وأنه أفضل من إظهار الوجه.

لكن الخلاف في حكم تلك المشروعية، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة  إلى أن الوجه ليس بعورة ، وإذا لم يكن عورة فإنه يجوز لها أن تستره فتنتقب ، ولها أن تكشفه فلا تنتقب ، فهي بالخيار.

وقال فقهاء الحنفية : تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا ، لا لأنه عورة ، بل لخوف الفتنة .

وهذا الكلام من الحنفية في عصور متأخرة، فما بالنا بيومنا وزماننا؟!

إن أقل درجة من درجات النقاب في الإسلام أنه فضيلة، وهل الفضيلة أضحت رذيلة في بلاد المسلمين؟!

وإن كان قد نقل عن بعض فقهاء المالكية القول بكراهة النقاب، إلا أنهم قالوا: يجب على الشابة إن كانت جميلة، أو انتشر الفساد وخشيت الفتنة أن تنتقب.

واختلف الشافعية في نقاب المرأة ، فعندهم فيه ثلاثة آراء، رأي بالوجوب، ورأي بأنه سنة، ورأي أنه خلاف الأولى.

هذه مجمل آراء الفقهاء في حكم النقاب بعد اتفاقهم على أنه مشروع.

إن أجمل ما في المجتمع المسلم هو قبول التنوع الذي يسوغه الشرع، فاجتهاد الفقهاء قائم على وجوب ستر عورة للمرأة، وهي أن المرأة يجب أن تغطي كل جسدها عدا الوجه والكفين عند الجمهور، وعند الأحناف: عدا الوجه والكفين والقدمين. وعند البعض، وهو رأي عند الحنابلة وعند الشافعية أنه واجب.

ومن فضائل لبس النقاب أنه تشبه بأمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته، وكفى بالمنتقبة فخرا وشرفا بذلك، ولم يثبت عن أحد من زوجاته أو بناته أنها اكتفت بالخمار دون النقاب.

كما حفظ عن نساء المسلمين في كل عصر لبس النقاب من طائفة منهن، ومن ذلك ما أخرجه أبو داود عن قيس بن شماس، رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقال لها: أم خلاد، وهي منتقبة ، تسأل عن ابنها، وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أُرْزَأَ ابني فلن أُرْزَأَ حيائي!.. الحديث. (رواه أبو داود في كتاب الجهاد من سننه برقم 2488).

ولا تزال طائفة من المسلمات محافظات على ارتداء النقاب دون نكير من أحد من العلماء المسلمين، بل يعدونه على أقل درجاته أنه فضيلة.

الدعوة إلى خلع النقاب من الإفساد في الأرض، والمرجو من المؤسسات الدينية أن تقوم بواجبها بشكل رسمي

والواجب على الدول الإسلامية أن تسن تشريعا يجرم الدعوة إلى خلع النقاب، باعتباره فضيلة في المجتمع المسلم، وأن المرأة المسلمة مخيرة بين لبس النقاب أو تغطية الجسد عدا الوجه والكفين، وإن كان من نقد، فهو لمن خلعت حجابها، وأظهرت لحمها، وأبانت بعض مفاتنها، فإن لم يكن هناك إنكار على ذلك، فلا أقل أن نقول بالحرية مساواة بين المتبرجة والمنتقبة، ولا يستويان عند الله في هذه النقطة.

ومن محاسن ما قام به بعض أساتذة الأزهر ما قاله من أن الدعوة إلى خلع النقاب من الإفساد في الأرض، والمرجو من المؤسسات الدينية أن تقوم بواجبها بشكل رسمي، وليس فقط بتصريح فردي.

وما يكره النقاب في بلاد المسلمين إلا جاحد القلب، أو غافل الفكر، أو جاهل بالعلم، وكلها أمور مذمومة في دين الله ودنيا الناس.

والأمر كما قال الشاعر:

وإذا أراد الله نشر فضيلة..  طويت أتاح لها لسان حسود..

فيا بنات المسلمين، ويا حفيدات خديجة وعائشة وفاطمة، تحجبن والتزمن العفاف، ومن رأت في نفسها القدرة على لبس النقاب فلتفعل مأجورة عند الله، ومن رأت أن تكتفي بإظهار الوجه والكفين فلا حرج عليها، وليكن في الأمر سعة، ولكن ما ينبغي السكوت عمن يريد تغريب مجتمعاتنا، وانسلاخنا مما شرع في ديننا.

على أنه ليس المقصود من ذلك اعتبار النقاب فضيلة مهما فعلت المنتقبة، بل هو فضيلة مع باقي الفضائل، ولا تظن المرأة المنتقبة أنها بنقابها أفضل من غيرها عند الله مهما عملت، بل هي أفضل في لبس النقاب فقط، والمطلوب من المسلمة أن تلتزم أحكام الشريعة كلها.