من بين الكتب المهمة في الحديث عن عالم الروح؛ ” كتاب الروح” للإمام ابن قيم الجوزية، فهو كتاب نافع مفيد اشتمل على جملة من المسائل والفوائد العلمية النافعة النادرة، اعتمد على نصوص الكتاب والسنة، فماذا يقول ابن القيم عن الروح؟

تعددت النظرة للإنسان من خلال موقف الناظر للروح؛ سواء كان هذا الناظر مذهبا وضعيا أو دينا سماويا محرفا؛ فمن غلّب الجانب البدني في حياة الإنسان صاغ نظرياته وقيمه على هذا الأساس؛ فلا لذة ولا فضيلة ولا ربح إلا ما يحصل عليه الجسد. ومن رأى الإنسان روحا فقط – دون أن يعطي للجسد اعتباره ومكانته – بنى فلسفته على ذلك، فكان إهمال حقوق الجسد هو طريق السعادة وأساس رؤيته للحياة.

أما مكان الإنسان في الرؤية الإسلامية فينبني على قوله {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [ص: 71، 72] وينبني على قول النبي :” أعط كل ذي حق حقه” [صحيح البخاري] لذا كان للجسد اعتباره ومكانته حتى جعل الإسلام الحفاظ عليه أحد مقاصد الإسلام، وتلبية حاجاته -كما شرع الله تعالى – عبادة يؤجر الإنسان على القيام بها ، كما أن للروح منزلتها الرفيعة.

وتبدو أهمية الحديث عن الروح من خلال كون الحياة البرزخية – التي بين الحياة الدنيوية والأخروية- أحد المراحل التي يعيشها الإنسان ومعرفة طبيعة هذه المرحلة مما يعزز حب الله تعالى وخشيته، ويدفع إلى العمل الصالح ويرهب من سوء القول والعمل.

هل يجوز قراءة كتاب الروح لابن القيم؟

ومن بين الكتب المهمة في الحديث عن الروح؛ ” كتاب الروح” للإمام ابن القيم رحمه الله، وقبل أن أستعرض مضمون الكتاب أحب أن أشير إلى أن الإنصاف العلمي يقتضي من الدارسين إذا أرادوا أن يسجلوا رأيا لعالم في مسألة ما أن يستقرأوا آراءه في سائر مؤلفاته فقد  تتغير رؤيته للأدلة ومن ثم يتغير اجتهاده، وإن كان هذا يتطلب جهدا فإن الحق شريف وإعلاؤه واجب وكل جهد في سبيل إدراكه قليل .

أو أن يكتفوا بذكر رأيه من خلال أحد كتبه وينبهوا على أن هذا هو ما وقفوا عليه في هذا الكتاب -كما هو حالنا في هذا المقال- وقد يكون له رأي آخر في موضع آخر من مؤلفاته.

عن ماذا يقول ابن القيم عن الروح؟

تناول ابن القيم مسألة الروح في عالمي الغيب والشهادة وقسمها إلى إحدى وعشرين مسألة وأجاب عن هذه المسائل من خلال القرآن والسنة والآثار ولم يخل كتابه من الأدلة البرهانية القائمة على العقل والمنطق وهذه الأسئلة هي:

هل يعرف الأموات بزيارة الأحياء؟ وهل تتلاقى أرواح الأموات مع بعضهم البعض ومع الأحياء؟ وهل تموت الروح؟ وهل تتمايز الأرواح كما تتمايز الأجساد؟ وعودة الروح إلى القبر ووقت السؤال، وإيراد شبه المنكرين لعذاب القبر والرد عليها ،وتسائل عن ورود عذاب القبر في القرآن بألفاظ عامة والأسباب المؤدية له والمنجية منه.

وهل سؤال القبر يكون لكل إنسان؟ وهل هو لكل الأمم؟ وهل تمتحن الأطفال في قبورها؟ وهل عذاب القبر دائم أم منقطع؟ والمكان الذي تكون فيه الأرواح بعد أن تخرج من الأجساد إلى أن تقوم القيامة؟ وهل ينتفع الميت بالعمل الصالح الذي يقوم به الحي ويهدي ثوابه له؟ هل الروح قديمة أم محدثة ؟ومن خُلق أولا هي أم الجسد؟ وما حقيقة النفس وهل هي والروح شيء واحد؟ وهل النفس واحدة أم لوامة وأمارة بالسوء ومطمئنة؟

هل يشعر الأموات بزيارة الأحياء؟

هل يشعر الأموات بزيارة الأحياء ويسمعون سلامهم؟ استدل ابن القيم على إدراك الميت لزياة الحي له وسماعه لسلامه ودعائه وقراءته، بمجموعة من الأحاديث والآثار وما روي عن السلف، ومن بين ما استدل به:
1-خطاب النبي لقتلى المشركين في غزوة بدر.
2-ومشروعية السلام على أهل القبور، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل فكيف نؤمر بالسلام على من لا يسمع ويعقل .

3-تسمية من يسلم على أهل القبور زائرا ولولا أنهم يشعرون به لما صح أن يسمى زائرا.

4-إجماع السلف.

5- ما رؤي من منامات عديدة تدل على إدراك الميت لزياة الحي ودعائه، ويقرر أن المرائي وإن كانت لا تصح بمجردها لإثبات شعور الأموات بزيارة الأحياء إلا أن كثرتها للحد الذي لا يمكن إحصاؤه وتوافقها على هذا المعنى يعتبر كتوافق المسلمين على رواية خبر أو استحسان فعل أو قول او استقباحه، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن والعكس.

ويرى أن إثبات شعور الأموات بزيارة الأحياء ليس بمجرد الرؤى فحسب بل بما قدم من حجج الشرعية وعقلية كذلك ومنها: ما نقله من طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه من أبناءه أن يمكثوا على قبره مدة زمنية تكفي لنحر جمل وتوزيع لحمه لكي يأنس بهم عند أول نزوله للقبر.

وقد نقل ابن القيم رحمه الله عن جماعة من السلف وصيتهم بقراءة القرآن عند قبورهم وقت الدفن، ومنهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة، وكانت الأنصار تصنع ذلك. 

ونقل ما ورد عند النسائي وغيره من قول النبي :” اقرأوا يس عند موتاكم” وذكر أن معنى هذا قراءتها على المحتضر أو على القبر ورجح الأول وذكر خمسة أدلة على هذا الترجيح.

واستدل على شعور الميت بزيارة الحي وإدراكه لسلامه وكلامه بعدة أدلة:

  1. ما جرت به العادة في القديم وفي عصر ابن القيم من  تلقين الميت في قبره، وباستحسان الإمام أحمد لذلك واستدلاله بعمل الناس.
  2. بحديث أورده الطبراني في معجمه وضعفه الإمام ابن القيم، ومع ذلك يقرر أن اتصال العمل به من غير إنكار كاف في صحة القيام بذلك.
  3. كما يستدل على سماع الميت لمن يزوره بسماع الميت لقرع نعال المشيعين حين ينصرفون.

بل يرى الإمام ابن القيم  أن الميت يعلم بعمل الحي من أقاربه وإخوانه، وذكر أن هناك آثارا كثيرة عن الصحابة تدل على ذلك أورد بعضها.

وقرر أن الأموات يلتقون بالأحياء في مناماتهم ويخبرونهم بما كان وما سيكون وذكر حديث الصعب بن جثامة وعوف بن مالك، وكانا من أصحاب النبي -- حيث تواعدا أن يأتي من يموت قبل الآخر لأخيه فمات الصعب وجاء عوف في منامه وأخبره بدَين عليه، وبأمر وقع في بيته، وبموت إحدى بنات الصعب بعد ليال، وقد وقع ذلك كله.

وقد عمل الصحابة برؤى متشابهة ونفذوا ما جاء فيها من وصايا وقد اعتبر  أن ماجاء في هذه الرؤى من وقائع ثبتت صحتها، من قبيل القرائن المقبولة التي تدل على صدق غيرها.

كيف تتلاقى الأرواح في عالم البرزخ؟

الأرواح المؤمنة المنعمة فيتلاقى رفقاء العمل الصالح ومن على شاكلتهم مع نبينا --  ويكون مدار حديث هذه الأرواح على ما كان منها في الدنيا وما يقع بين أهل الدنيا من الأحياء ،واستدل بقوله تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] وهذه المعية في الدنيا وفي البرزخ وفي دار الجزاء

أما عن تلاقي أرواح الموتى فيما بينهم، فقد قام ابن القيم بتقسيم الأرواح في عالم البرزخ إلى: معذبة ومنعمة.

أما الأرواح المعذبة فهي في حبس وألم..

وأما الأرواح المنعمة فيتلاقى رفقاء العمل الصالح ومن على شاكلتهم مع نبينا --  ويكون مدار حديث هذه الأرواح على ما كان منها في الدنيا وما يقع بين أهل الدنيا من الأحياء ،واستدل بقوله تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]. وهذه المعية في الدنيا وفي البرزخ وفي دار الجزاء، وذكر أن سبب نزول هذه الآية خشية أصحاب النبي من عدم تمكنهم من مرافقة النبي في الجنة ،فهو في منزلة عليا وهم في منازل أقل فكانت البشارة الكريمة من الله تعالى لكل من أطاع الله ورسوله.

كما استدل بقوله تعالى للنفس المطمئنة{ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}  سورة الفجر وبين أن معنى هذا الدخول الدخول في جملتهم وهذا يكون بعد الموت، كما استدل بلقاء النبي للأنبياء ليلة الإسراء وتدارسهم لأمر الساعة، وقال بعد أن أورد الحديث:” وهذا نص في تذاكر الأرواح العلم.

كما استدل بحياة الشهداء بعد الموت وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم وأن هذا الاستبشار لقدوم إخوانهم عليهم.

وذكر أن الرؤى تواترت بذلك وسرد عدة منامات، منها رؤيا عبد الله بن المبارك لسفيان الثوري في النوم وسؤاله:” ما فعل الله بك؟”

كما استدل بإجابة النبي لأم بشر بن البراء بن معرور أن الموتى تتعارف.