النظام الاقتصادي الإسلامي هو: نظام له ذاتيته المميزة والتي تختلف في كثير من الجوانب عن النظم الاقتصادية الوضعية سواء أكانت رأسمالية أو اشتراكية فهو نظام يقوم على أسس مستنبطة من شرع الله تبارك وتعالى؛ الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، ولذلك فهو نظام دائم؛ لأن مصدره هو الشريعة الإسلامية، أما الأنظمة الاقتصادية الوضعية فهي تقوم على أسس من وضع البشر المخلوق؛ الذي لا يعلم ماذا يكسب غداً ولا يعلم بأي أرض يموت[1].

تعريف الاقتصاد الإسلامي

ويُعرَّف نظام الاقتصاد الإسلاميّ أيضاً بأنّه: مجموعة من القواعد التي تعتمد على أصول أو مصادر الشريعة الإسلاميّة التي هي: القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة والاجتهادات الفقهيّة، وتستخدم هذه القواعد جمعيها في إنشاء ومُتابعة الأعمال والنشاطات الاقتصاديّة ضمن البيئة الداخلية والخارجية للمجتمع أو البلد الإسلامي.

إن النظام الاقتصادي الإسلامي هو: نظام مُرتبط بالعقيدة والأخلاق الإسلاميّة، ويحتوي على مجموعة من الأحكام والإرشادات التي تساهم في التحكّم بالسلوك والتصرف الاقتصاديّ؛ وخاصةً في مجالات الادّخار والاستثمار والاستهلاك والإنفاق؛ ويرتبط الاقتصاد الإسلامي بالأخلاق؛ أيّ يُحافظ على القيم الأخلاقيّة الإسلاميّة من: الصدق، والأمانة، والعفّة، وعدم أكل أموال الناس بالباطل؛ ومُراعاة الحلال في كافّة النشاطات الاقتصاديّة، والاقتصاد الإسلامي واقعي؛ وملاصق له؛ أيّ يهتم بطبيعة الحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة الخاصّة بالأفراد، ولا يعتمد على أيّة تقديرات أو خيالات أو معايير غير واقعية وغير حقيقيّة، كما هو الحال في الأنظمة الاقتصاديّة الوضعية. ويتصف الاقتصاد الإسلامي أيضاً بالشموليّة؛ فلا يهتمّ بالأمور الماليّة والماديّة فقط، بلّ يهتم بالجوانب الأخلاقيّة والروحيّة التي تساهم في تحقيق كافّة الحاجات الشرعية الخاصّة بالنّاس، مثل العمل الذي يُعتبر من ضروريات الحياة للحصول على السكن والتعليم والرعاية الصحيّة والمستويات المتطورة من المعيشة.

النظام الاقتصادي الإسلامي يهدف إلى: إشباع حاجات الإنسان ضمن إطار القيم والأخلاق الإسلامية، التي تحدث التوازن بين الفرد والمجتمع والذي يحقق الرقي للانسان والمجتمع في كافة ميادين الحياة .

الاقتصاد الإسلامي: هو مجموعة المبادئ والأصول التي تحكم الأنشطة وتنظم القضايا الاقتصادية وفقا للمنظور الإسلامي، ويرتكز الاقتصاد الإسلامي على العقيدة والأخلاق الإسلامية، والتي تبلورت كمبادئ وقيم واعتمدت كأسلوب حياة لدى المسلمين[2].

والنظام الاقتصاد الإسلامي: هو السلوك الاقتصادي الإسلامي الذي ينبثق من العقيدة والأخلاق الإسلامية في استخدام الموارد المادية والاقتصادية لإشباع الحاجات الإنسانية[3].

إن العقيدة الإسلامية منحت المسلم تصورًا شرعياً للحياة الدنيا والآخرة، والذي يبحث هذا التصور في كتاب الله تعالى وفي سُنّة رسوله يجد فيها الارشاد والطريق الذي يجب على المسلم ان يسلكه؛ لكنه لا يوجد فيهما التفصيل لجميع الأمور الاقتصادية، فهنا يأتي دور الإجتهادات البشرية الفقهية على ضوء القرآن والسنة لينير الطريق أمام النشاطات الاقتصادية والعمليات التنموية والتطويرية للبلدان الإسلامية.

الاقتصاد في اللغة

الاقتصاد في اللغة : مأخوذ من القصد وهو استقامة الطريق والعدل ، والقصد في الشيء خلاف الإفراط، وهو ما بين الإسراف والتقتير.

الاقتصاد في الاصطلاح

أما في الاصطلاح : فهو الأحكام والقواعد الشرعية التي تنظم كسب المال وإنفاقه وأوجه تنميته .

الأحكام الشرعية تمتاز بأن منها الثابت ومنها المتغير، فالأحكام الثابتة هي ما كانت ثابتة بآيات ونصوص قطعية من القرآن والسنة، وهي على حال واحدة لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة واجتهادات العلماء، مثل: آية تحليل البيع وتحريم الربا في قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} (البقرة:275﴾، والآيات التي تحدد أنصبة الميراث؛ منها قول الله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ} ﴿النساء:11﴾، وآية تحريم الغش في الكيل والميزان؛ كقول الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } ﴿المطففين: 1- 3﴾، وحرمة دم ومال المسلم؛  لقول رسول الله : “إِنَّ دِماءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ عَلَيْكُمْ حرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذا في شَهْرِكم هَذَا” ﴿سنن الترمذي-حديث رقم:3087﴾، إلى غيرها من النصوص القطعية من القرآن والسنة في وجوب الواجبات؛ وتحريم المحرمات.

وهذه الأحكام ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، كما أنها تتصف بالعموم، لتطبق على جميع الناس من غير مشقة، فهي حاكمة لتصرفات الناس لا محكومة بهم. أما الأحكام الاجتهادية المتغيرة التي تتغير وفقاً لمصالح الأمة؛ وحسب التغيرات الزمانية والمكانية والحالية للناس، فهي اجتهادات علماء أو فقهاء الشريعة الإسلامية؛ ولهم أن يختاروا من الأحكام ما يرونه مناسباً لمستجدات الحياة وفق مقاصد الشريعة المعتبرة من حفظ : الدين، العقل، النفس، النسل، المال. [4]

أُسس الاقتصاد الإسلامي

يقوم الاقتصاد الإسلامي على مجموعةٍ من الأُسس، نذكر أهمها فيما يأتي:

  1. وجود خمسة مُلكيّات مستقلة: إنّ الأصل في المُلك هو لله تعالى وحده، يقول الله تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (النور: 33) ويقول الله عزَّ وجلَّ: { آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } (الحديد:7) ثم من خلال النصوص الشرعية للإسلام نبعت منها: الملكية المشاعية للمباحات العامة المادية ثم الملكية العامة ثم الملكية الخاصة ثم الملكية المجموعية كملكيات أصيلة لها نصوص معينة في القرآن والسنة ؛ ثم ظهرت الملكية المختلطة في الاقتصاد الإسلامي وفقاً لقول الله تعالى: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } (الزمر: 8)، فعندما ظهرت الملكية المختلطة في الاقتصاد العالمي استوعبها الاقتصاد الإسلامي حسب هذه الآية الكريمة؛ ثم هذبتها وروضتها لتتوافق شروطها وكينونتها مع الأحكام الشرعية؛ وأصبحت الملكية الخامسة الحادثة غير الأصلية فيه، وبهذا أصبحت هناك خمسة أنماط من الملكيات في الاقتصاد الإسلامي؛ أربعة منها ملكيات أصلية تمتلك نصوصا شرعية من القرآن والسنة؛ وملكية جديدة معاصرة هي الملكية المختلطة وفقاً للاجتهاد الفقهي على ضوء القرآن والسنة ثم المصادر الأخرى للشريعة الإسلامية. 
  2. التّكافُل وضمان الكِفاية المعتبرة: يقوم الاقتصاد الإسلامي بضمان الكفاية المعتبرة لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي، وتشمل المأكل والملبس والمسكن وسائر ما لابدّ منه من غير إسراف ولا تقتير.
  3. الحُريّة الاقتصادية المُقيّدة: وهي حرية اقتصادية منضبطة بالأحكام الشرعية.
  4. تحقيق العدالة الاجتماعية والتّوازن الاقتصادي: تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التوزيع العادل للثّروات والدخول، وعدم جعلها في أيدي فئةٍ مُعيّنة، يقول الله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ} (الحشر: 7)، وتحقيق التّوازن الاقتصادي من خلال ترشيد النشاطات الاقتصادية بشكل عام؛ منها ترشيد الإنتاج والاستثمار والاستهلاك والإنفاق، وتحريم التبذير، يقول اللهِ تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } (الإسراء : 27)، والحَجْر على مال السفيه الذي يُبذّر أمواله في ما لا ينبغي، يقول الله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } (النساء: 5).

نظرة الإسلام إلى المال

  • المال مال الله تعالى، والإنسان مُستخلفٌ فيه.
  • مُراعاة غريزة الإنسان في حُب المال، فقد فطر الله -تعالى- النّفس البشريّة على حُب المال وتملُّكه، يقول اللهِ تعالى: { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} (الفجر: 20)، ولكن عليه أن يستعمل هذا المال في طاعة الله -تعالى-، كالعمل والكِفاح في الحياة.
  • المال عصب الحياة وزينتها: حيثُ اهتمّ الإسلام به، ونظمّه تنظيماً دقيقاً، يقول اللهِ تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } ( الكهف: 46)، فالمال ضروريٌ لوجود حياة الناس واقتصادهم واجتماعهم، ويقضي به الإنسان حاجاته ومشكلاته، ويواسي به الفُقراء والمساكين والمعوزين، المال آلةُ المكارم، وعون على الدّهر، ومُعينٌ على حوادث الزّمان، وزينة الحياة وبهجتها.
  • المال وسيلةٌ لا غاية: إنّ الغاية الأساسيّة من خلق الإنسان هي العبادة لله تعالى، يقول اللهِ تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، فالمال وسيلةٌ لتحقيق هذه الغاية، فلا يكون المقصود من جمع المال التراكم واستغلال الناس والسُّرور به، بل لأجل تحقيق العبادة والعُبوديّة الحقة لله تعالى وحده.
  • المال مقصد من مقاصد الشّريعة: قال الغزالي – رحمه الله – : ” إن مقصود الشرع من الخلق خمسة: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة” [5].
  • الدين: هو كلّ ما شرع الله عزّ وجلّ ـ ورسوله ، للحفاظ على الدين. 
  • النفس: الحياة نعمة، وهبها الله تعالى لخلقه، لذلك حرّم الاعتداء عليها بغير حق، فحرّم القتل وأوجب الدية والكفارات.
  • العقل: أداة للوعي والتفكير والتدبر، لذلك حرم الإسلام كل ما يعطل وظيفته، كالإسكار وشرب الخمر، وأوجب طلب العلم النافع.
  • النسل: شرع الإسلام الزواج وحث على كثرة النسل والذرية، وحرّم الزنا والقذف.
  • المال: نعمة وهبها الله تعالى لعباده، ودعاهم لتحصيلها بالطرق المشروعة، وحرم الربا والغش والاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل[6].

إن أحكام الشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة. واقتضى تحقيق المصلحة للإنسان أن تقصد الشريعة إلى المحافظة على أمور ثلاثة هي: الضروريات والحاجيات والتحسينات.

فالضروريات فهي، كما عرفها الإمام الشاطبي: الأمور، التي لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت، لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين. وبين الشاطبي أن مجموع هذه الضروريات خمسة هي: حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال.

وأمّا الحاجيات، فهي الأمور التي لا تختل الحياة بفقدها، وإنما يترتب على فقدها أن يقع الناس في الضيق والمشقة، ومثالها: الرخص التي جعلها الشارع مخفِّفة للمشقة والضيق، كإباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر.

وأمّا التحسينيات: فهي ما يتم بها اكتمال وتجميل أحوال الناس وتصرفاتهم، مثل الاعتناء بجمال الملبس وإعداد المأكل وجميع محاسن العادات في سلوك الناس، ومن التحسينيات: السنن الرواتب، نوافل الصلاة، نوافل الصيام، نوافل الصدقة.

الشريعة تراعي الحاجة والمصلحة

تراعي الشريعة الإسلامية مراتب المصالح في ثلاثة أقسام:

  • الأول الضروريات وهي الحالة من المشقة التي معها يخشى فوات إحدى الكليات الخمس،
  • والثاني، الحاجيات وهي الحالة من المشقة التي معها لا يخشى فوات إحدى الكليات الخمس، لكن يوجد معها الضيق والحرج الشديد،
  • والثالثة، التحسينات وهي الحالة التي لا توجد معها مشقة، لكن يقصد من فعلها نوع من الترفه دون الخروج عن الحد المشروع.

ومثال الأولى حالة الجوع الشديدة التي يخشى معها الموت، ومثال الثانية حالة الشبع التي تتحقق من نوع واحد وإن كان من رديء الطعام، ومثال الثالثة حالة الشبع التي تتحقق من ألوان الطعام المختلفة. ومن قواعد الفقه المهمة والمشهورة قاعدة: “الحاجة تنزل منزلة الضرورة” [7].

  • اعتبار الإسلام المال مسؤوليّة وليس للسّلطة: من خلال توثيق معاني الرّحمة والتّكافل بين النّاس، وأنّ الله تعالى سيسأل مالكه عنه يوم القيامة، لِقولهِ تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر:8).
  • المال وسيلةٌ للتعايُش وتبادُل المنافع بين النّاس، وعدم النّظر طمعاً وغدراً إلى ما عند الغير من مال.
  • المال فتنة للإنسان وامتحان له في ميدان الخير والإحسان، مع بُعده عن الانشغال به عن ذكر الله تعالى، يقول اللهِ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (المنافقون:9).