الدكتور محمد الرجراجي بريش خبير الدراسات الاستراتيجية هو أحد رموز العلم في المغرب والعالم العربي والإسلامي، بل إنه أحد الذين تركوا بصماتهم حيث ما حلّوا وارتحلوا في العديد من دول العالم غربا وشرقا شمالا وجنوبا. فهو عالم من علماء المستقبليات، عاش حياته يتنقل ما بين هندسة المدن وهندسة المستقبل، لكنه كان حاملا لهمّ الثقافة الإسلامية ومدافعا عنها، فسخر حياته وبحوثه في سبيل هذا الهدف الرفيع.

يعتبر الأستاذ محمد الرجراجي بريش أحد رموز علم المستقبليات وأحد العلماء الكبار الذين انجبهم المغرب في هذا التخصص، خاصة بعد رحيل العالم الكبير الدكتور المهدي المنجرة -رحمه الله – الذي أولى اهتمامه الفكري والعلمي للمستقبل بالدرجة الأولى. ولعل مواطنه محمد الرجراجي بريش هو أحد أكبر علماء الاستشراف في العالم العربي إلى جانب وليد عبد الحي (فلسطين)، وعبد الله النفيسي (الكويت)، وأحمد سعيد نوفل (الأردن)، وأحمد بن عبد الرحمن الصويان (السعودية)، ومحمد زاهي المغيري (ليبيا)، ونبيل عبد الفتاح (مصر)، وولد سيد أحمد فال (موريتانيا)، وقيس الهمامي (تونس)… وغيرهم ممن سخروا ثقافتهم وفكرهم وكتاباتهم لعلم المستقبل.

من هو محمد الرجراجي بريش؟

ولد محمد بريش في حي “الصاغة” ببلدة “الصويرة” المغربية عام 1952 لعائلة متواضعة تقطن الحي اليهودي. تاريخ ميلاده وضعه مع أبناء جيله ضمن خطة حكومة الاستقلال باعتبارهم نواة للدولة المغربية القادمة، فكان التعليم، حينها، أمراً مطلوباً ومرغوباً، ما سهّل دخوله إلى المدارس من الابتدائية وحتى الثانوية، ومن ثم كلية الهندسة المدنية التي تخرج منها عام 1975 ليعمل في شق الطرق والجسور في ضواحي مدينة الدار البيضاء التي انتقل إليها مع عائلته صغيراً بعد هجرة اليهود إليها من الصويرة.تابع تخصصه الدراسي في الهندسة التي اختارها حباً في الرسم والفن وفهماً للرياضيات، فنال درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية وتقلد عدة مناصب في قطاع الأشغال العامة في المغرب.لكن دراسة الهندسة والرياضيات لم تبعده عن الكتاب الذي دُفع إليه نتيجة ظروف شخصية منها زيارته الدائمة لمنزل أحد القضاة في الدار البيضاء، يوم كان صغيراً لإيصال أجرة منزل أهله لصاحبه. حينها لاحظ غرق الرجل في الكتب والبحث والقراءة وهو من أهداه أحد كتب التفسير ومنها بدأت رحلة القراءة والبحث بحسب حديثه. وبالإضافة لنبوغه في التخصص العلمي وشغفه بالقراءة والبحث، ولج عالما موازيا صار فيه قامة متميزة ونادرة، ألا وهو المستقبليات والاستشراف.

كتابات محمد بريش في المستقبليات

دخول المحمد بريش في عالمه الموازي، المستقبليات والاستشراف، جاء نتيجة لتفكيره بكل ما سبق وتأمّله المجتمعات وردود فعلها. ليعمل بعدها أكثر من أربع سنوات مديراً ثقافياً بالمركز الإسلامي والثقافي في بروكسل، وخبيراً غير متفرّغ بالمجموعة الأوروبية إلى جانب كونه منسقاً للعمل الثقافي بأوروبا لوزارة شؤون الجالية المغربية بالخارج.
وبالإضافة إلى كتابات صحفية وأبحاث متخصصة نشرت بأكثر من لغة في مجلات ومواقع الكترونية. للدكتور محمد بريش العديد من الدراسات حول استشراف المستقبل في القضايا الفكرية والتربوية والثقافية المتعلقة بالعالم الإسلامي. كما له العديد من البحوث والدراسات في مجال المستقبليات منها:
1- حاجتنا إلى علوم المستقبل.
2- المنهج في استشراف المستقبل
3- استشراف مستقبل التربية
4- تعاريف الخبراء لعلوم المستقبل       
5- عودة إلى مفهوم علوم المستقبل
6- الوعي بالتاريخ ودراسة المستقبل  
7- المدخل إلى علوم المستقبل – نحو تحديد دقيق لمفهوم الاستشراف
8- في سبيل استشراف مستقبل محكم للثقافة الإسلامية.
9- حصيلة الدراسات المستقبلية حول العالم العربي.
10- تعميق الفهم في الفكر الاستراتيجي : مدخل إلى التغيير الثقافي

مؤلفات وبحوث محمد بريش

كان لمحمد بريش مشاركات في العديد من الندوات والمؤتمرات والبرامج الإعلامية.كما كان له كتابات صحفية وأبحاث متخصصة نشرت بأكثر من لغة في مجلات ومواقع الكترونية. فقد خلف الرجل العديد من البحوث والدراسات منها:

  1. دور التعليم العالي في تكوين العقلية العلمية والملكة النقدية
  2. من سبل علاج الأزمة والدفع لتكوين عقول الأمة
  3. أزمة التعليم العالي في التكوين العلمي والتحفيز عليه
  4. الاستشراق العربي – دراسة نقدية لأعمال أركون
  5. العقلية العلمية    
  6. مقدمة في دور التعليم العالي في تكوين العقلية العلمية والملكة الفكرية
  7. انصهار العلم والثقافة مفتاح القرن الحادي والعشرين
  8. أي امتداد نقصد لفكر ابن العربي المعافري ؟
  9. دور التعليم العالي في تكوين العقلية العلمية والملكة النقدية    
  10. بصمات علمانية في المقررات الرسمية للتربية
  11. قراءة شمولية ونقدية لأعمال المؤتمر الأول للمجلس الأعلى لمسلمي بلجيكا
  12. الحظ البئيس للتوعية الدينية في برامج التلفزة المغربية  
  13. تعقيب على بحث جهود الأمة في خدمة القرآن الكريم من خلال مفهوم السنن الإلهية  
  14. توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة .. الثقافة أداة العقل
  15. توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة .. التغير مسار العقل  
  16. توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة .. في مناهج معالجة الواقع
  17. توطيد الأسلمة في أوساط معلمنة: المستقبل مجال الفعل
  18. نحو تجديد للذات ووعي بالمحيط في أوساط جاليتنا المسلمة
  19. مفهوم الإصلاح .. أو نحو إصلاح لفهم المصطلح  

عضوياته والمناصب التي تقلدها

كان للدكتور محمد الرجراجي بريش عضويات ومشاركات كثيرة في مراكز وهيئات وجهات استشارية وعلمية وعملية، وتقلَّد بصفته خبيرا في الدراسات المستقبلية والإستراتيجية والتنمية لدى منظمات إقليمية ودولية، ومختصا في تشخيص القضايا ودراسات بدائل الحلول الأنسب، عدة مناصب، نذكر منها:

  • تقلد عدت مناصب كمسؤول جهوي ومركزي في الإدارة المغربية في عدد من الوزارات والهيئات الحكومية.
  • خبير لدى منظمة (الإسيسكو) ومنسق فريق الخبراء المكلف بصياغة استراتيجية الثقافة الإسلامية.
  • مستشار أكاديمي بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن.
  • عضو لجنة الخبراء المكلفة من جانب المجموعة الأوروبية (برنامج فاست لدراسة مستقبل العالم العربي).
  • عضو الجمعية الدولية للمستقبلية والمركز الإسلامي للدراسات المستقبلية بلندن.
  • مديرا ثقافي بالمركز الإسلامي والثقافي في بروكسل.
  • خبير غير متفرّغ بالمجموعة الأوروبية.
  • منسق العمل الثقافي بأوروبا لوزارة شؤون الجالية المغربية بالخارج بدرجة وزير مفوض.
  • مدير مشروع تطوير التعليم الديني بوزارة التربية والتعليم بدولة الإمارات العربية المتحدة.
  • رئيس تحرير مجلة (الهدى) الثقافية الفكرية الإسلامية التي تصدر في (فاس).
  • خبير في الدراسات المستقبلية والإستراتيجية والتنمية لدى منظمات إقليمية ودولية.
  • مختص في تشخيص القضايا ودراسات بدائل الحلول الأنسب.
  • شارك في عدد من المؤتمرات والهيئات والجهات الاستشارية والمراكز المتخصصة.
  • له عضويات كثيرة في مراكز وهيئات وجهات استشارية وعلمية وعملية.
  • شارك في العديد من البرامج الإعلامية مع قنوات فضائية.

تأثير مالك بن نبي و”ملتقيات الفكر الإسلامي”

تأثر خبير الدراسات الاستراتيجية المغربي محمد الرجراجي بريش تأثر كبيرا بالمفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي، فكتابات محمد بريش – رحمه الله- يكثر فيها الحديث عن سنن الله في الخلق والحركة والتغير، وضرورة الفعل لنيل رد فعل، ولا مجال لانتظار المستقبل ومتغيراته دون تطعيم الحاضر بأفعال وتحركات تحصد نتائجها مستقبلاً. كما أن جميع أعمال محمد بريش الاستشرافية لا تصدر عن رؤية إسلامية لا سلفية ولا صوفية. ومن يعرف المفكر الجزائري مالك بن نبي يتلمس مبادئ الرجل في أقوال وكتابات محمد بريش.

ويقول الأستاذ محمد مصطفى حابس في كلمة نشرتها مجلة “البصائر”(لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)، نعى فيها الدكتور محمد الرجراجي بريش بعد انتشار خبر وفاته بالدوحة (قطر) في ديسمبر 2021، أن محمد بريش كان معجبا بـ”ملتقيات الفكر الإسلامي” التي كانت تنظم في الجزائر في بداية تسعينات القرن الماضي، وبفكر مؤسسها المفكر مالك بمن نبي-رحمه الله “..

محمد بريش ومستقبل العرب والمسلمين

المستقبل وفق رؤية محمد بريش لن يكون للمسلمين، لأنهم لم يستثمروا فيه شيئا، والله لم ولن يبطل سننه لأحد إطلاقا. ما تفعله اليوم تحصده غدا، وزوال اليهود والنصارى بحسب دعوات الأئمة في المساجد كل يوم لا يعني تقدم المسلمين أبدا، فالدعوة أن يهدنا الله الصراط المستقيم لا أن يريحنا من اليهود والنصارى. نحن نهتم بزرع الآخرين أكثر من زرعنا، نتناول كل ما يجري في الغرب ولا نعرف عن حالنا إلا ما ندر.

يرى بريش الاستفادة من النتائج الفكرية الجديدة أمرا ملزما لذا يجتذب اليساريين والعلمانيين التواقين للفكر الإسلامي، بحسب تعبير بريش، ويسلط الضوء على الجوانب الحضارية في الرسالة الإسلامية ويميز دور العقل على النقل ويسعى لإنشاء العلاقات مع كافة الأطراف ويزداد انتشاره مع الوقت برأي بريش الذي يختم بحثه عن مستقبل التيارات الفكرية في العالم الإسلامي بأن هذا الأخير لا مستقبل له، فالمسلمون لم يزرعوا الخير في أولادهم علمياً لذا لن يكون لهم مستقبل.

أما عن مستقبل العرب، فرأى محمد بريش – رحمه الله – أن غياب الزرع العربي والإسلامي في الحاضر يعني الغياب عن المستقبل، حيث أبعده عن دراسات الاستشراف العالمية إلا كمفعول به لا أكثر. وفتحت ساحة التوقعات لصعود قوى جديدة على المستوى العالمي مع أفول بعض القوى الحاضرة كلما اقتربنا من عام 2040.

وطالب محمد بريش في كل محاضراته ومقالاته بضرورة “صياغة فن مستقبلي إسلامي وعربي” يستجيب لخصوصية العالم العربي والإسلامي. وهذا يعني البدء من الجامعات والمؤسسات العلمية ليصير لدى هذا العالم محللون على مستوى القدرة والكفاءة يقدمون نوعا من التصور إلى رجال القرار، لكن هذا بطبيعة الحال يحتاج إلى الحرية والنقد والإبداع.