هل تعرف من هم العشرة المبشرون بالجنة؟ تخيل أن تنال وعداً بالجنة وأنت لا تزال على قيد الحياة! هذا الشرف العظيم ناله عشرة من أعظم الصحابة الكرام، الذين كانوا أوائل المؤمنين والمناصرين للنبي محمد ﷺ. هؤلاء الصحابة لم يكن إيمانهم مجرد كلمات، بل أفعال وتضحيات جسيمة جعلتهم في مقدمة الأمة، وأهلتهم لهذا الوعد الرباني المميز.
كان هؤلاء العشرة مثالاً للصدق والشجاعة والإيثار، وشاركوا في نشر الإسلام بكل قوتهم. لم يكن إيمانهم محدوداً بوقت أو مكان، بل كانوا ثابتين أمام الصعوبات والمحن، مما جعلهم قادة وروادًا في الإسلام، وتركوا بصمات لا تُنسى على صفحات التاريخ الإسلامي.
سير هؤلاء الصحابة تقدم لنا دروساً خالدة في التضحية والإخلاص، وتُظهر لنا كيف أن الإيمان العميق يُترجم إلى أفعال وبطولات. بتعلم قصصهم، نستطيع أن نستقي من حياتهم قيمًا تساعدنا على السير على خطى الإيمان الصحيح والصبر والثبات.
اكتشف الآن من هم العشرة المبشرون بالجنة، وتعرف على ما قدموه للإسلام وكيف حصلوا على هذا الشرف الفريد. تابع القراءة لتستلهم من سيرهم، وتتعرف على القيم التي جعلتهم من أعظم رجالات الأمة.
من هم العشرة المبشرون بالجنة؟
اصطفى الله سبحانه وتعالى من أصحاب النبي الله ﷺ عشرة بشرهم بدخول الجنة في حديث واحد الذي سيأتي ذكره، فمن هم هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة، أسماؤهم ونبذة عن سيرتهم ومنزلتهم في الإسلام حتى نالوا هذا الشرف العظيم بالبشارة في الحياة الدنيا.
العشرة المبشّرون بالجنّة هم أصحاب النبي ﷺ المذكورون في الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن عوف، قال: قال رسول الله ﷺ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ.. »
وعبارة “العشرة المبشرون بالجنة” تطلق على عشرة من الصحابة الكرام الذين بشّرهم النبي محمد ﷺ بالجنة في حياته، مما يعدّ تكريماً خاصاً لهم ودلالة على مكانتهم الرفيعة في الإسلام. لقد عُرفوا بإخلاصهم، شجاعتهم، ووفائهم للرسالة الإسلامية، وكانوا من الداعمين الأوائل للنبي ﷺ. في هذا المقال سنتناول تفاصيل هذا اللقب العظيم، من هم هؤلاء العشرة، وماهي صفاتهم ولماذا نالوا هذا الشرف؟
لماذا سمي العشرة المبشرون بالجنة بهذا الاسم؟
سمي هؤلاء الصحابة بهذا الاسم لأن النبي ﷺ خصهم بتبشيرهم بالجنة أثناء حياتهم، ما يجعل هذه البشارة دليلاً على رضا الله عنهم وعن أفعالهم. فقد بشرهم وهم لا يزالون على قيد الحياة، وهي ميزة عظيمة لهم، لم يحصل عليها الكثير من الصحابة.
من هم العشرة المبشرون بالجنة؟
العشرة المبشرون بالجنة هم:
- أبو بكر الصديق
- عمر بن الخطاب
- عثمان بن عفان
- علي بن أبي طالب
- طلحة بن عبيد الله
- سعيد بن زيد
- الزبير بن العوام
- أبو عبيدة بن الجراح
- عبد الرحمن بن عوف
- سعد بن أبي وقاص
وفيما يلي هذه قائمة العشرة المبشرون بالجنة وهي قائمة أعظم الأسماء في تاريخ الإسلام والتي تشهد بتفانيهم وإخلاصهم للدين وشهدوا العديد من الأحداث الهامة في تاريخ المسلمين.
أبوبكر الصديق
أبو بكر الصديق اسمه عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وينتهي نسبه إلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ويلتقي في نسبه مع النبي (ﷺ) عند مرة بن كعب، وينسب إلى “تيم قريش“، فيقال: “التيمي”.
أبو بكر هو أفضل هذه الأمة بالإجماع، فقد جاء في الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا نقول ورسول الله – ﷺ – حي: أفضل أمة النبي – ﷺ – بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان».
ويكفي في بيان فضله ومكانته في الإسلام أنه أحب الناس إلى الرسول ﷺ، رفقد جاء في الحديث الصحيح، قال النبي ﷺ: “إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر”. (متفق عليه).
وكان أول من آمن بالنبي ﷺ من الرجال، ودخل الإسلام طواعية، قال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار. فقد اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي ﷺ وفي سبيل الله، قال رسول الله ﷺ: “ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر”.
اختاره المسلمون خليفة الرسول ﷺ وأميرا عليهم بالإجماع لأنه الأصلح لهذا المنصب أن يدير أمور المسلمين بعد وفاة النبيﷺ، وأخذت له البيعة العامة في المسجد بعد اجتماع سقيفة بني ساعدة.
وكان أبوبكر أعدل سمتا وأقرب صفة بالرسول ﷺ، فكان رجلا عاقلا سديد الرأي وقد كان في بعض الأحيان شديد الحذر والحيطة في إدارته لكنه كان شريف الأغراض غير محب للذات، ساعيا للخير لا لمصلحته الذاتية فلم يبتغ من وراء حكمه مطامح دنيوية بل كان لا يهمه الغنى، زاهدا في الفخر، راغبا عن اللذات ولم يقبل أجرا على خدماته غير مبلغ زهيد يكفي لمعاش رجل عربي عادي ولم يكن له سوى جمل وعبد، وكان يوزع ما كان يرد إليه في كل يوم جمعة إلى المحتاجين، والفقراء، ويساعد المعوزين بماله الخاص[1].
أقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الخلافة سنتين وأربعة أشهر بعد وفاة الرسولﷺ، سنة ثلاث عشرة، وعهد بالأمر بعده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتب له الأمر بذلك.
عمر بن الخطاب
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، أمير المؤمنين ، أبو حفص القرشي العدوي ، الفاروق رضي الله عنه . استشهد في أواخر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين.
اعتز المسلمون بإسلام عمر بن الخطاب، وقد وقع الإسلام في قلبه بدعاء النبي ﷺ، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: “اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب”.
قال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر.
وقال سعيد بن جبير: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين} [التحريم: 4] ، نزلت في عمر خاصة.
وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
ولما أسلم عمر رضي الله عنه كبّر أهلُ الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال: “يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حَيِينا؟ “، قال: “بلى، والذي نفسي بيده”، قال: “ففيمَ الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن”، قال عمر: “فأخرجناه في صَفَّين، حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كَدِيد ككديد الطَّحين، حتى دخل المسجدَ، فنظرت قريش إلى حمزة وعمر فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، قال: فسمّاني رسول الله ﷺ يومئذٍ الفاروق، وفرّق الله بي الحقّ والباطل[2].
كان عمر بن الخطاب موصوفا في القرآن الكريم بصالح المؤمنين، وكان أفضل هذه الأمة بعد نبيها وبعد أبي بكر الصديق، وقد قال النبي ﷺ لـ عمر: (إذا سلكت فجاً سلك الشيطان فجاً غير فجك) رضي الله عنه وأرضاه، وأيضاً قال النبي ﷺ: (لو كان في الأمة ملهم لكان عمر بن الخطاب) رضي الله عنه وأرضاه، وهناك رواية عن النبي ﷺ أنه قال: (لو كان نبي بعدي لكان عمر)، وهي رواية صحيحة، صححها الشيخ الألباني.
وقال علي -رضي الله عنه- بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وخيرها بعد ابي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الثالث لسميته.. وهذا القول متواتر عن علي[3].
ولي الخلافة عشر سنين ونصف، وكان أوّل كلام تكلم به عمر حين استلم الخلافة، صعد المنبر أن قال: “اللهم إني شديد فليّنّي، وإني ضعيف فقوّني، وإني بخيل فسخّني”.
استشهد سنة ثلاث وعشرين إثر طعنة طعنها عدو الله أبولؤلؤة المجوسي وكان غلاما يعمل عند المغيرة بن شعبة. قال عمر حين أخبر أن أبا لؤلؤة هو الذي طعنه: “الحمد لله الذي قتلني من لا يحاجني عند الله بصلاة صلاها. وكان مجوسيّاً.
عثمان بن عفان
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، أمير المؤمنين ، أبو عمرو ، وأبو عبد الله ، القرشي الأموي .
عثمان بن عفان رضي الله عنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، من السابقين إلى الإسلام، وثالث الخلفاء الراشدين، في عهده تم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد. لُقب “ذو النورين” لأنه تزوج أثنتين من بنات الرسول ﷺ ( رقية وأم كلثوم). كان أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة.
وكان عثمان قد عرض القرآن على النبي ﷺ وأجازه. وعليه عرض عدد من التابعين منهم أبو عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش.
وعثمان أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله ﷺ قبل المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو.
كان النبي ﷺ يشبه عثمان بن عفان بنبي الله إبراهيم عليه السلام، وسمي بذي النورين لزواجه بابنتي الرسول ﷺ.
وكان عثمان معطاءا ينفق جل ماله في سبيل الله، حتى كان الرسول ﷺ يدعو لعثمان. جاء عثمان إلى النبي ﷺ بألف دينار في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي ﷺ، فجعل يقلبها بيده ويقول: “ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم”.
عن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله ﷺ الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة.
قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه محبوسا في بيته من قبل الثوار عليه الذين أتوا من خارج المدينة المنورة، وكان يختم القرآن كاملا في اليوم الواحد، قتل سنة 35 للهجرة النبوية صابرا محتسبا، وكان بيده مصحفا يقرأ منه، ثم ضربوه فجرى الدم على المصحف على: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [البقرة: 137].
علي بن أبي طالب
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أبو الحسن القرشي رابع الخلفاء الراشدين، ابن عم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وزوج ابنته فاطمة، وأخو جعفر بن أبي طالب، وأبو الحسن والحسين، وأول من أسلم من الصبيان، وبطل غزوة خيبر، وفدائي رسول اللَّه ليلة الهجرة، وأحد الذين شهد بدر، وأحد الصحابة الذين بايعوا بيعة الرضوان تحت الشجرة.
عن محمد القرظي، قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه، حتى لقيه أبو طالب، فقال: أسلمت؟ قال: نعم، قال: وازر ابن عمك وانصره وأسلم علي قبل أبي بكر.
وكان علي صاحب لواء رسول الله صلى الله يوم بدر، وفي كل مشهد. قال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر: “لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه”. قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ قال: فدعا عليا فدفعها إليه.
وهو أحد الصحابة من العشرة المبشرين بالجنة، فعن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى نخيل امرأة من الأنصار، فقال: “يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”. فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: “يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”. فطلع عمر فبشرناه، ثم قال: “يطلع عليكم رجل من أهل الجنة”، وجعل ينظر من النخل ويقول: “اللهم إن شئت جعلته عليا”. فطلع علي رضي الله عنه. قال الذهبي: حديث حسن.
وكان ممن بايع أبا بكر الصديق خليفة النبي، ولم ينازعه عليه خلافا لما ينشره بعض الفرق، بل بايع مرتين، جاء في البداية والنهاية: وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأننا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله ﷺ، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله ﷺ بالصلاة بالناس وهو حي.
قال ابن كثير معلقا: وهذا اللائق بعلي، رضي الله عنه، والذي تدل عليه الآثار: من شهوده معه الصلوات، وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله ﷺ، كما سنورده، وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه، وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة – وقد ماتت بعد أبيها، عليه الصلاة والسلام، بستة أشهر – فذلك محمول على أنها بيعة ثانية كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث[4].
وبايع المسلمون علي بن أبي طالب بالخلافة سنة خمس وثلاثين للهجرة بعد موت الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه شهيدا محتسبا، المهاجرين منهم والأنصار، وقد اجتمع أمر الأمة بخلافته ثم حدثت فتن واقعة الجمل وصفين.
استسهد علي رضي الله عنه بالكوفة وهو خارج لأداء صلاة الفجر، على رأس أربعين سنة للهجرة النبوية، بضربة من عبد الرحمن بن ملجم على الدماغ، وكان من الخوارج، ثم أمسكه الناس وعذبوه وقتلوه
طلحة بن عبيد الله
هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد القرشي التيمي. من السابقين إلى الإسلام، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وطلب اختيار أحدهم للخلافة بعده.
صحب طلحة بن عبيد الله رسول الله ﷺ، فأحسن صحبته حتى توفي وهو عنه راض له عدة أحاديث عن النبي -ﷺ-.
وكان يعرف بطلحة الخير، وطلحة الفياض؛ لكثرة بره، وكثرة جوده. أسلم قديما على يدي أبي بكر الصديق. فكان نوفل بن خويلد بن العدوية يشدهما في حبل واحد، ولا تستطيع بنو تيم أن تمنعهما منه، ولذلك كان يقال لطلحة وأبي بكر: القرينان.
وقد هاجر وآخى رسول الله ﷺ بينه وبين أبي أيوب الأنصاري، وشهد مع رسول الله، ﷺ، المشاهد كلها إلا بدرا، فإنه كان بالشام في تجارة.
كان طلحة بن عبيد الله ممن سبق إلى الإسلام، وأوذي في الله وصبر، ثم هاجر، فاتفق أنه غاب عن وقعة بدر في تجارة له بالشام، وتألم لغيبته، فضرب له رسول الله -ﷺ- بسهمه، وأجره.
وشلت يداه في غزوة أحد مما وقى بها رسول الله ﷺ، عن جابر، قال: قال رسول الله -ﷺ-: (من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله)[5]. وكان الصديق إذا حدث عن يوم أحد يقول: ذاك يوم كان كله لطلحة.
فلما كانت قضية عثمان اعتزل عنه، فنسبه بعض الناس إلى تحامل عليه ; فلهذا لما حضر يوم الجمل واجتمع به علي فوعظه، تأخر فوقف في بعض الصفوف، فجاءه سهم غرب فوقع في ركبته، وانتظم السهم مع ساقه خاصرة الفرس، فجمح به حتى كاد يلقيه وجعل يقول: إلي عباد الله. فأدركه مولى له فركب وراءه وأدخله البصرة، فمات بدار فيها[6]. وتوفي سنة ست وثلاثين من الهجرة.
سعيد بن زيد
هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو الأعور، القرشي، العدوي.
أحد العشرة المبشرين والمشهود لهم بالجنة، ومن السابقين الأولين البدريين، ومن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه
شهد المشاهد مع رسول الله -ﷺ- وشهد حصار دمشق، وفتحها، فولاه عليها أبو عبيدة بن الجراح، فهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الأمة.
وكان والده زيد بن عمرو ممن فر إلى الله من عبادة الأصنام، وساح في أرض الشام يتطلب الدين القيم، فرأى النصارى واليهود، فكره دينهم وقال: اللهم إني على دين إبراهيم، ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم -عليه السلام- كما ينبغي، ولا رأى من يوقفه عليها، وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي -ﷺ- بأنه: (يبعث أمة وحده)[7].
أسلم سعيد بن زيد بن عمرو قبل دخول النبي -ﷺ- دار الأرقم، وشهد المشاهد كلها مع الرسول ﷺ.
قدم هو وطلحة بن عبيد الله بعد وقعة بدر الكبرى، وضرب لهما الرسول ﷺ سهما وأجرا، لأنهما كانا بالشام يتجسسان خبر عير قريش، لكنهما رجعا إلى المدينة يوم الوقعة، لذلك أعطاهما النبي ﷺ السهم.
ولم يكن سعيد بن زيد متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة، وإنما تركه عمر -رضي الله عنه- لئلا يبقى له فيه شائبة حظ، لأنه ختنه وابن عمه[8].
مات سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين من الهجرة بالعقيق، فغسله سعد بن أبي وقاص وكفنه، وخرج معه.
الزبير بن العوام (حواري الرسول ﷺ)
الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. حواري رسول الله -ﷺ- وابن عمته صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى.
والزبير بن العوام أول من سل سيفا في سبيل الله، وذلك بمكة حين بلغ الصحابة أن رسول الله قد قتل فجاء الزبير شاهرا سيفه حتى رأى رسول الله ﷺ، فشام سيفه
وكان لا يحدث بما سمع عن الرسول ﷺ لأنه يتورع من أن يكذب على الرسول فينسب إليه قولا لم يقله.
كان أحد الفارسين يوم بدر، الذين خرجا مع رسول الله -ﷺ، وكان الزبير على فرس، على الميمنة، والمقداد بن الأسود على فرس، على الميسرة.
كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة كذلك.
ولما انصرف المشركون من أحد، وأصاب النبي -ﷺ- وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: (من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة؟) .
فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار المشركين، فسمعوا بهم، فانصرفوا. قال تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} [آل عمران: 174] لم يلقوا عدوا .
وقد ثبت في مناقبه أن النبي ﷺ يسميه حواريه، قال النبي ﷺ: (لكل نبي حواري، وحواري الزبير) أي الناصر أو الخالص من كل شيء.
والزبير بن العوام من أحد شجعان العرب، قال الثوري: هؤلاء الثلاثة نجدة الصحابة حمزة، وعلي، والزبير.
وقال عروة بن الزبير: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك.
وكان الزبير يعيل بعض أهالي الصحابة تنفيذا لوصاياهم قبل موتهم، قال عروة بن الزبير: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة، منهم: عثمان، وابن مسعود، وعبد الرحمن، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ أموالهم.
وخرج مع الناس إلى الشام مجاهدا، فشهد اليرموك فتشرفوا بحضوره، وكانت له بها اليد البيضاء، والهمة العلياء، اخترق جيوش الروم وصفوفهم من بين الناس مرتين من أولهم إلى آخرهم.
وكان من جملة من دافع عن عثمان وجاحف عنه. فلما كان يوم الجمل ذكره علي بما ذكره به – كما تقدم – فرجع عن القتال، وكر راجعا إلى المدينة، فمر بقوم الأحنف بن قيس – وكانوا قد اعتزلوا الفريقين، فاتبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس، ونفيع في طائفة من غواة بني تميم، فيقال: إنهم لما أدركوه تعاونوا عليه حتى قتلوه.
مات الزبير بن العوام شهيدا وقد ترك مالا كثيرا جدا ومآثر كبيرة، وكان قتله يوم الخميس، سنة ست وثلاثين، وكان أسمر ربعة من الرجال، معتدل اللحم خفيف اللحية، رضي الله عنه.
أبو عبيدة بن الجراح
أبو عبيدة بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي، الفهري، المكي.
أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن عزم الصديق على توليته الخلافة، وأشار به يوم السقيفة؛ لكمال أهليته عند أبي بكر. يجتمع في النسب هو والنبي -ﷺ- في فهر.
شهد له النبي -ﷺ- بالجنة، وسماه: أمين الأمة، ومناقبه شهيرة جمة، وغزا غزوات مشهودة.
قال رسول الله ﷺ عن أبي عبيدة: «إن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» ثبت ذلك في ” الصحيحين “.
وثبت في ” الصحيحين ” أيضا أن الصديق قال يوم السقيفة: وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوه. يعني عمر بن الخطاب وأبا عبيدة.
وبعثه الصديق أميرا على ربع الجيش إلى الشام، ثم لما انتدب خالدا من العراق كان أميرا على أبي عبيدة وغيره، لعلمه بالحروب. فلما انتهت الخلافة إلى عمر عزل خالدا وولى أبا عبيدة بن الجراح، وأمره أن يستشير خالدا، فجمع للأمة بين أمانة أبي عبيدة وشجاعة خالد.
كان أبو عبيدة طوالا نحيفا، أجنأ معروق الوجه، خفيف اللحية، أهتم؛ وذلك لأنه لما انتزع الحلقتين من وجنتي رسول الله، ﷺ، يوم أحد خاف أن يؤلم رسول الله، ﷺ،، فتحامل على ثنيتيه فسقطتا، فما رئي أحسن هتما منه.
توفي بالطاعون عام عمواس، كما تقدم سياقه في سنة سبع عشرة، عن سيف بن عمر – والصحيح أن عمواس كانت في هذه السنة سنة ثماني عشرة – بقرية فحل.
عبد الرحمن بن عوف
عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو محمد القرشي الزهري.
هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وآخى رسول الله، ﷺ، بينه وبين سعد بن الربيع، وشهد بدرا وما بعدها، وأمره رسول الله ﷺ، حين بعثه إلى بني كلب، وأرخى له عذبة بين كتفيه؛ لتكون أمارة عليه للإمارة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى.
قال الزهري: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد النبي، ﷺ، بشطر ماله؛ أربعة آلاف، ثم تصدق بأربعين ألفا، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم حمل على خمسمائة راحلة في سبيل الله، وكان عامة ماله من التجارة.
ولما حضرته الوفاة أوصى لكل رجل ممن بقي من أهل بدر بأربعمائة دينار – وكانوا مائة – فأخذوها حتى عثمان وعلي.
وقال علي: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها، وسبقت رنقها. وأوصى لكل امرأة من أمهات المؤمنين بمبلغ كثير حتى كانت عائشة تقول: سقاه الله من السلسبيل. وأعتق خلقا من مماليكه، ثم ترك بعد ذلك كله مالا جزيلا.
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن بن عوف عزله نفسه من الأمر وقت الشورى، واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان، ولو كان محابيا فيها لأخذها لنفسه، أو لولاها ابن عمه، وأقرب الجماعة إليه، سعد بن أبي وقاص[9].
وكان عبد الرحمن بن عوف ممن يفتي في عهد رسول الله -ﷺ- وأبي بكر، وعمر، بما سمع من رسول الله -ﷺ-.
توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة رضي الله عنه وأرضاه.
سعد بن أبي وقاص
سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لأي، الأمير، أبو إسحاق القرشي، الزهري، المكي.
أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد السابقين الأولين، وأحد من شهد بدرا، والحديبية، وأحد الستة أهل الشورى. قال سعد عن نفسه: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت، ولقد مكثت سبع ليال، وإني لثلث الإسلام.
سعد بن أبي وقاص هو الذي مصر الكوفة ونفى عنها الأعاجم، وكان مجاب الدعوة، وهاجر وشهد بدرا وما بعدها، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان فارسا شجاعا من أمراء رسول الله ﷺ، وكان في أيام الصديق معظما جليل المقدار، وكذلك في أيام عمر، وقد استنابه على الكوفة، وهو الذي فتح المدائن وكانت بين يديه وقعة جلولاء وكان سيدا مطاعا، وعزله عمر عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة، ولكن لمصلحة ظهرت لعمر في ذلك، وقد ذكره في الستة أصحاب الشورى، ثم ولاه عثمان الكوفة بعدها، ثم عزله عنها[10].
قال سعد بن أبي وقاص: إني لأول رجل رمى بسهم في المشركين، وما جمع رسول الله ﷺ أبويه لأحد قبلي، ولقد سمعته يقول: «ارم فداك أبي وأمي “.»
كان سعد بن أبي وقاص مم الساعين المصلحين في فتنة علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين.
ولما حضرت سعدا الوفاة دعا بخلق جبة فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما كنت أخبئها لهذا اليوم.
وكانت وفاة سعد بالعقيق خارج المدينة، فحمل إلى المدينة على أعناق الرجال، فصلى عليه مروان، وصلى بصلاته أمهات المؤمنين الباقيات الصالحات، ودفن بالبقيع، وكان ذلك سنة خمس وخمسين، وقد جاوز الثمانين، على الصحيح. وهو آخر العشرة وفاة. رضي الله عنه وعنهم أجمعين.
الوارد عن الرسول في العشرة المبشرين بالجنة
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: “أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة.” (رواه الترمذي).
لماذا بشر الله هؤلاء العشرة بالجنة؟
قال الشيخ عطية صقر رحمه الله – رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر سابقا – : المؤمنون الذين سبقوا بالإيمان وتحملوا المشاق في سبيل الحفاظ على العقيدة وطاعة اللَّه فى كل المجالات مبشرون جميعا بالجنة، كما قال تعالى {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار} ، (البقرة: 25)، وكما قال سبحانه {إن الذين قالوا ربنا اللَّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} ، (فصلت: 30). وأدنى تكريم بالبشارة بالجنة أن المؤمن سيموت على الإيمان وتلك هى الخاتمة الحسنة، حتى لو كانت عليه ذنوب لم يغفرها اللَّه سيعذب عليها فى النار بقدرها إن لم تكن شفاعة تحول دون دخولها أو تخفف من المدة التى سيمكثها فيها، وسيخرج منها ويدخل الجنة، أما التكريم الذى فوق ذلك لمن بشر بالجنة فهو أنه سيموت على الإيمان وسيغفر الله له ذنوبه ولن يدخل النار إلا تحلة القسم كما قال سبحانه {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} مريم: 71، 72، على الرأى المختار فى معنى ورود النار.وأكثر المبشرين بالجنة هم من خير القرون، وهو قرن النبي ﷺ كما ثبت في الحديث ومع ذلك فقد بشر الرسول جماعة من أصحابه بوجه خاص بأنهم من أهل الجنة، وهم عشرة، وردت فى بعضهم أحاديث خاصة بهم، كما وردت فيهم جميعا بعض الأحاديث. (فتاوى دار الإفتاء المصرية- المجلد السابع).
خلاصة
العشرة المبشرون بالجنة من صحابة رسول الله ﷺ خصهم الله بهذا التكريم واستحقوا هذا الشرف العظيم، نموذج يستحق الدراسة والسير على خطاهم.