هذه شريعتا” عنوان اختاره المفكر المسلم من أصل نمساوي لكتاب ضمَّنه مجموعة من المقالات في نقد الفكر الإسلامي كان بدأ تدوينها أيام اعتقاله في الهند 1939 في أحداث الحرب العالمية الثانية، ونشرها ـ كما قال في المقدمة ـ في لاهور بين سبتمبر 1946 وفبراير 1947، وظهرت في دورية عرفات التي كان يكتبها ويحررها في تلك الأيام، وتهدف هذه المقالات تجلية الارتباك الشديد ـ حسب المؤلف ـ الذي يسود المجتمع المسلم حينها فيما يخص حدود الشريعة الإسلامية وما يترتب عليها من تطبيقات.
يقع الكتاب في 207 صفحة وقد ترجم للعربية أول مرة ونشر من قبل منتدى العلاقات العربية والدولية في النصف الثاني من عام 2015، ويحوي الكتاب بين دفتيه 28 مقالا إضافة إلى كلمة تقديم بقلم زوجة المؤلف بولا حميدة أسد، وقد شملت مضامين الكتاب أربعة محاور رئيسة هي: نقد التقليد والدعوة للتمييز بين الشريعة (الكتاب والسنة) والتاريخ(كل نتاج حركة العقل البشري في الوحيين)، وفلسفة الدين وعلاقة الأديان بعضها ببعض، ثم تحليل لموقع باكستان الجيوستراتيجي وكيف يمكن أن تلعب دورا رائدا في عودة المسلمين لقيادة العالم، وأخيرا المواجهة بين الإسلام والغرب من منظور المسلمين.
عوائق الاسلام المستعمل
يعني محمد أسد بمصطلح الإسلام المستعمل ذلك المنجز التاريخي فقها وإلهيات وسياسة شرعية الذي أنتجه المسلمون في قرون متطاولة كحصيلة لتفاعلهم مع الوحيين والمحكوم برهاناته الزمانية والمكانية، وهو يستخدمه في مقابل الإسلام النقي، المتمثل في الكتاب والسنة القادرين على تجاوز حدود الزمان والمكان بما يحملانه من خصائص إلهية إعجازية.
وهو يرى أن أول خطوة لتحرير العقل المسلم من التبعية وتخليص المسلمين من رحلة التيه الحضاري الحالية هي العودة بالشرع الإسلامي إلى وضوحه وبساطته الأولى، لأنه القادر على مواجهة ما يسميه “تحدي اختبار الصلاحية الأبدية للإسلام بوصفه قوة منتجة للثقافة”.
إن التأسيس على غير الوحيين هو استعادة غبية للماضي، ولذلك ينبغي الانطلاق في كل مرحلة من الكتاب والسنة باعتبارهما يمتلكان الفاعلية والقابلية للتأثير في حياتنا وقيادة واستيعاب طموحاتنا وحاجاتنا في كل فترة وعلى أي رقعة أرض، أما الفقه والتاريخ فينبغي وضعهما في إطارهما المناسب دون تقديس لهما، حيث إن رفعهما فوق مكانتهما المناسبة يصيب المسيرة بالخلل والرؤية بالحول.
فورة لا صحوة
يذهب محمد أسد إلى أن ما يحصل في العالم الإسلامي إبان كتابته لهذه المقالات لا يمكن تسميته صحوة، بل هو في نظره مجرد “فورة شعورية” ، ويعلل ذلك بأن مناهج الإصلاح المطروحة متعددة ومرتبكة في نفس الوقت، وأنه ليس هناك إجماع ولا اتفاق على شكل المستقبل الروحي والاجتماعي والسياسي الذي ينبغي أن نسعى إليه.
وفي مقال عنوانه”الحديث عن الإحياء الإسلامي” يؤكد محمد أسد بأن كل ما هنالك هو مجرد يقظة إسلامية ولكن لا يمكن تسميتها إحياء، وينتقد بشدة الاتجاه الفكري السائد حينها والمتمثل في “أسلمة المفاهيم الغربية”، مثل الديمقراطية والرأسمالية إلخ، فيقول إن أسلمة تلك المفاهيم لا تؤشر على إحياء ثقافي وإنما هي علامة خداع كبرى فقط.
هل الإسلام موسيقى روحية؟
وفي سياق تأكيده على ضرورة تنزيل الإسلام إلى مستوى التأثير في الحياة اليومية ونبذ العلمانية العملية التي تمارسها الدول والمجتمعات المسلمة رغم إقرارها بأن الشريعة هي مصدر قوانيها، يذهب محمد أسد إلى أن عدم إدخال مفاهيم وتعاليم الإسلام إلى حياتنا العملية هو إقرار ضمني بأن الإسلام لا حظ له من ذلك، وأنه مجرد خلفية روحية تصاحبنا ولكنها لا تتدخل في شؤون حياتنا.
إنه بهذه الطريقة سيتحول الإسلام من رسالة هادية وحاكمة ومهيمنة على شؤون الحياة إلى مجرد روحانيات، وهنا قد تقوم الموسيقى بدوره دون أن يقع فراغ روحي للمجتمع، وينبه المؤلف إلى فكرة مهمة تمايز بين طبيعة الانحراف عن الإسلام الصحيح الذي حصل في القرون السابقة وبين الانحراف الذي حصل في هذه القرون، فيقول:”على الرغم من الانحرافات التي حصلت في المجتمع المسلم في قرون الانحطاط إلا أنها كانت تقر ولو صوريا بسيادة الإسلام بوصفه عنصرا هاديا لحياتنا”.
لا صراع بين الأديان، الصراع من أجل الروح
يرى محمد أسد أن مشكلة العصر لا تكمن في أي من الإسلام والمسيحية سيحكم العالم ويهيمن عليه، بل هناك خطر أكبر يهدد الإسلام والمسيحية في نفس الوقت، وهو الخطر الذي يهدد الجانب الروحي (الجواني) للإنسان، ذلك بأن الحضارة الحديثة تسير باتجاه الحد من حرية الإنسان الروحية؛ أي حقه في أن يؤمن بوجود الله وأن يشكل حياته وفقا لهذا الإيمان.
انطلاقا من هذا التحذير يوجه للمسيحين نداء بأن لا يفرحوا بتراجع الإسلام وتغريب متعلمي المسلمين عن الإسلام واعتبار ذلك تقدما، بل ينبغي لهم أن يعدوا هذا التغريب وهذا الضعف تهديدا لهويتهم الدينية والثقافية، وعلى المسلمين أيضا أن يفهموا هذا الفهم، إن المعركة هي على إبقاء الروح وعدم السماح للمادة باجتياحها بطريقة شاملة.