في وقفتنا التربوية هذه نتطرق لموضوع تربوي شائك ألا وهو العدل بين الأبناء وفق التوجيه النبوي (واعدلوا في أولادكم)، ذلكم ان العواطف يعسر التحكم فيها وقد تميل لبعض الأبناء دون بعض وهذا الميل قد يؤدي إلى آثار سلبية عن لم يتم كبح جماحه والتحكم فيه ولا أدل على هذا من قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته قال تعالى حكاية عنهم: { إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعْدِهِۦ قَوْمًا صالحِينَ} (يوسف: 8-9).

ولهذا كان لا بد من مراعاة الأبوين لهذا الأمر فكثير من الصراع بين الأبناء والحسد بينهم سببه هو ما يرونه من ميل بعض الآباء والأمهات لبعضهم دون بعض ، وهناك قصة وحوار جميل بين الرسول وأحد اصحابه حول هذا الأمر يحسن إيرادها.

حديث : واعدلوا في أولادكم

فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال : إني نحلت أي: أعطيت ابني هذا غلاماً كان لي. قال : أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا ؟ قال : لا. فقال : فأرجعه. وفي رواية : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. وفي رواية : فلا تشهدني إذن ، فإني لا أشهد على جور أبداً ،. ثم قال : أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : نعم . قال : فلا إذن”. (متفق عليه).

في هذا الحوار الجميل وضح النبي أن العدل بين الأبناء مطلوب ، وأن البر بهم يؤدي إلى برهم بوالديهم ، وأنه كما تدين تدان . فكما تحب أن يكونوا في برك سواء فليكن عدلك بينهم على السواء فلا تفضل أحدا منهم على أحد بعطية او عناية لمجرد ميلك العاطفي إليه.

عدم العدل بين الأولاد في الهدايا والهبات ، والتمييز بينهم في أمور الحياة سبب لكثر من المفاسد ، وسبب لكراهية بعضهم لبعض ، ودافع للعداوة بينهم ، وعامل مهم من عوامل الشعور بالنقص ، وظاهرة التفريق بين الأولاد من أخطر الظواهر النفسية في تعقيد الولد وانحرافه.

كما أن المفاضلة بين الأولاد من الأسباب المباشرة للعقوق. والمفاضلة تختلف، فمنها المفاضلة في العطاء، والمفاضلة في المعاملة، والمفاضلة في المحبة، أو غير ذلك وكلها تؤدي في الغالب إلى عواقب وخيمة، ومفاسد جسيمة.

ومع ذلك فهناك من الآباء والأمهات من لا يعدل بين أبنائه ظلماً وجوراً ، وإجحافاً وتعسفاً. فيكون التفاضل إما لكون هذا ذكرا وهذه أنثى فيفضل البعض الذكر ويفضل البعض الأنثى، أو يكون سبب التفضيل كون الابن أو البنت لم ترزق ما رزقت أختها أو اخوها من الحظ والجمال أو الذكاء ، وقد قال تعالى: {ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} (الجمعة : 4)، فإن كان الأمر بيده سبحانه، ليس بيد الأبناء ولا حتى الآباء والأمهات فلا ينبغي أن يكون سببا لتفضيل بعضهم على بعض.

وربما يكون سبب التفضيل كون أحد الأبناء محبوباً دون الآخرين لكثرة حركته أو قلة حركته، وقد يكون سبب التفضيل لكون أحد الأبناء مصاباً بعاهات جسدية ظاهرة، وهذا من أسوأ ما يكون فالابن المصاب بمثل ذلك ينبغي أن يعتنى به فهو يحتاج إلى الكثير من الحنان والمحبة ، حتى يخرج من محنته التي هو فيها.