في رحاب سورة الأنفال وهي من السور المدنية، نزلت بعد غزوة بدر مباشرة، وكانت رغم تطاول نزول بعض آياتها كما هو حال أغلب سور القرآن، كالتعليق على هذه الغزوة، وحل إشكالاتها خاصة تلك المتعلقة بالأنفال وقسمتها، ولكن السورة تجاوزت ذلك للتذكير ببعض القيم الإيمانية الحاكمة، وكأنها تشير بذلك إلى رد الفروع إلى الأصول، أو المتشابهات إلى المحكمات عند الخلاف.

وتناولت السورة مع الإشكال المتعلق بالغنائم وأبعاده التربوية والإيمانية والمالية الصراع بين الحق والباطل، وبينت حال الكفار وحال المؤمنين، ونظرت لما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون.

كما بينت أسباب العلاقة بين الصدامية بين الكفر والإيمان، ومآل هذه العلاقة، وتطرقت مع ذلك إلى علاقات الكفار فيما بينهم، وعلاقات المسلمين فيما بينهم بحسب الإيمان والولاء والهجرة.

في رحاب سورة الأنفال

ولنا مع سورة الأنفال بعض الوقفات نجملها فيما يلي:

1- الإخلاص لله تعالى

ويتجلى في:

  1. خطر التخليط في النية: { تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ } [الأنفال: 67] 
  2. عظم جزاء المخلصين في الدنيا والآخرة: { إِن يَعۡلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمۡ خَيۡرٗا يُؤۡتِكُمۡ خَيۡرٗا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ } [الأنفال: 70] والراجح أن هذه الآية نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وقد كان أسر مع أسرى مكة، لكونه من المؤمنين الذين يكتمون إيمانهم، فعزاه القرآن فيما أخذ منه من مال فداء لنفسه، حتى لا ينكشف كونه مؤمنا. وقد ثبت أن الني أعطاه حين سأله العطاء يوم حنين محتجا للسؤال بكونه فادى نفسه وعقيلا كما في البخاري وغيره. بل تشير بعض الروايات عند الطبري إلى أن من نزلت فيهم كانوا مسليمن، وأن العباس كان أحدهم([1]).
  3. ضرورة الطاعة في المكره كما في المنشط: {كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ * يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ } [الأنفال: 5-6] 
  4. عظيم أجر البذل الدنيوي والأخروي: { لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ * فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ } [الأنفال: 68-69] ومثله قول الله تعالى: { لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ } [الحديد: 10]  
  5. ضرورة تحقيق الولاء لله ورسوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ } [الأنفال: 72] 
  6. التفريق بين مستويات الولاء بإثبات الولاء الديني ونفي الولاء السياسي عن غير المهاجرين، {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} [الأنفال: 72] 
  7. ضرورة ربط جزئيات الأعمال بأصل الإيمان{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} [الأنفال: 41] .

2- الطاعة المكروهة تأتي بخير

ويتجلى ذلك في:

  1. امتثال الأمر بالخروج مكراهيته أصلا: {كَمَآ أَخۡرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيۡتِكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ * يُجَٰدِلُونَكَ فِي ٱلۡحَقِّ بَعۡدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلۡمَوۡتِ وَهُمۡ يَنظُرُونَ} [الأنفال: 5-6] 
  2. كراهية المواجهة العسكرية حين كانت أحد الخيارات {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ} [الأنفال: 7] 
  3. الهجرة رغم كراهية الخروج من الوطن والمال طبعا {وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} [الأنفال: 26] .
  4. كراهية الكفار وجود النبي داعيا بينهم رغم مصلحتهم في ذلك {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ} [الأنفال: 33] 

3- اتباع العاطفة لا يؤدي بالضرورة إلى المصلحة

    ويجلى ذلك في أن كثيرا من المحبوبات لم يكن فيها الخير ولا المصلحة، كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم}، وفي السورة من هذه الحالة ما يلي:

    1. حب الصحابة السلامة، وكراهيتهم ملاقاة العدو  {وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ} [الأنفال: 5] رغم أن الخير فيما اختاره الله.
    2. حب الغنيمة وكراهية المواجهة العسكرية {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ} [الأنفال: 7] رغم أن ذات الشوكة خير منها وأكثر نفعا.
    3. حب الوطن: كراهية الهجرة رغم ما فيها من نصر {يخرجون الرسول وإياكم}
    4. حب المال: كراهية ترك المال رغم ما فيه من خير {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم}.
    5. حب المال والولد رغم ما فيهما من فتنة {وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ} [الأنفال: 28] وقد عقب القرآن على فتنة المال والولد تعقيبا عجيبا كأنه تعليل لسؤال مفترض مضمونه: إذا كان المال والولد نعمة، وكان فيهما فتنة فكيف نميز بين المفيد من المال والولد مما فيه فتنة منه؟ فجاء الجواب القرآني على هذا السؤال المفترض: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانٗا وَيُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} [الأنفال: 29] 

    4- رد الأمر إلى الله

    ويستلزم ذلك رد الأمر إليه في القضايا الشرعية والقدرية معا، كما في:

    1. رد الحكم في الأنفال إلى الله تعالى، وعدم الاقتراح عليه {يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ} [الأنفال: 1] 
    2. رد الأمر القدري لله، فلا نصر إلا بالله {وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ} [الأنفال: 10] والتعليق بهذا على مدد الملائكة جدير بالانتباه؛ إذ ما نفي عن الملائكة من مشاركة الله تعالى في النصر، لا يمكن أن ينسب لغير الله سواء كان جهدا بشريا أو إعداديا أو تخطيطيا أو غير ذلك.
    3. نفي التأثير عن أفعال العباد، {فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ} [الأنفال: 17]، ونفي التأثير عن فعل النبي جدير بأن ينتبه إليه، فما دام قد نفي تأثير فعل النبي وعن فعل خيرة أصحابه من أهل بدر، فأفعال غيرهم أبعد من التأثير. وأيضا ففي نفي تأثير رمي النبي ومزاوجة الفعل بين الإثبات والنفي {وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ} إِشارة عجيبة، فالنبي قد يكون المراد برميه الحصى التي رمى بها عيون الكفار، وتوزيع تلك الحصى بين عيون أربعين ومائة رجل على ما جاءت به الروايات دليل على أن الفاعل الحقيقي الله، وأن ما سواه وسائط لا تأثير لها بدون الله. وإذا صح هذا التأويل ففي عطف هذا النفي على النفي السابق طمأنة للنفوس بأن الفاعل الحقيقي هو الله، وأن نفي التأثير ليس نقصا في الفاعل المجازي، ولا تقليلا من جهده، وإنما ردا له إلى الله الفاعل الحقيقي الملهم للفعل، والمبارك في الجهد، والمعطي للتأثير.
    4. التذكير بالله الخالق المتصرف في الكون، وبلحظات الفقر التي كانوا يسألون الله تعالى فيها النصر والتمكين، {إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ } [الأنفال: 9] والداعي هنا رسول الله ، والمؤمن أبو بكر، ولكن لما كانت الربانية سمة عامة على هؤلاء المؤمنين أكرموا بأن يكونوا شركاء في الدعاء للرسول ، ولا يبعد أن يكون المؤمنون كانوا ملحين بالدعاء في تلك الأوقات.
    5. تذكير النبي والمؤمنين من بعده بفضل الله عليهم في النجاة من الكفار رغم تخطيطهم وكيدهم ومكرهم {وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} [الأنفال: 30] 
    6. تذكر المسلمين بالمعلوم ضرورة من عقيدة الإسلام: {وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ} [الأنفال: 24] فالذي يحول بين المرء وقلبه، قادر على الحيلولة بين المرء وأعدائه، وبين المرء ووسائل النصر والتمكين المادي منها والمعنوي فتعين بناء على ذلك اللجأ إليه بالدعاء والضراعة والتفويض، والأخذ بالأسباب معنويها وماديها.
    7. التذكير بحال الناس قبل الهجرة، وكيف تفضل الله عليهم بمفارقة الأهل والمال على كره فكان فيها الخير والإيواء والنصر والتمكين {فَـَٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} [الأنفال: 26] 
    8. التذكير أن المعركة ونتائجها المغتبطة ما كانت لتقع لولا فضل الله وتقديره {وَلَوۡ تَوَاعَدتُّمۡ لَٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡمِيعَٰدِ} 
    9. التذكير بأن أقدار الله هي التي حجبت العيون والعقول عن المعلومات المتيقنة أو الغالبة على الظن، حتى تجرأ كل طرف على الطرف الآخر، وغابت القدرة على التحليل الطبيعي للبيانات والمعطيات، أو غابت فاعلية البناء على هذا التحليل {إِذۡ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلٗاۖ وَلَوۡ أَرَىٰكَهُمۡ كَثِيرٗا لَّفَشِلۡتُمۡ وَلَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ * وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗاۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ } [الأنفال: 43-44] 
    10. التذكير أن الوسائل المتوفرة إنما هي مدد من الله تعالى فكما أن النصر من عنده فوسائل النصر منه؛ إذ أيد بالنصر وأيد بالجييش، وأيد بوحدة الكلمة التي لا تأثير لأحد فيها {هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} [الأنفال: 62-63] 

    5- مقابلة التدين المغشوش بالتدين الحق

    1. استفتاح الكفار {إِن تَسۡتَفۡتِحُواْ فَقَدۡ جَآءَكُمُ ٱلۡفَتۡحُۖ} [الأنفال: 19]  يقابله: {إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ} [الأنفال: 9] 
    2. عصيان الكفار تقابله طاعة المؤمنين: {وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ} [الأنفال: 21] .
    3. تزيين الشيطان للكفار {وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ } [الأنفال: 48] يقابله: {إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ} [الأنفال: 15] {فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} [الأنفال: 15] 
    4. استهزاء الكفار يقابله إيمان المؤمنين {وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا قَالُواْ قَدۡ سَمِعۡنَا لَوۡ نَشَآءُ لَقُلۡنَا مِثۡلَ هَٰذَآ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} [الأنفال: 31]
    5. إعانة الشيطان للكفار {لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ } [الأنفال: 48] يقابلها: {إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ } [الأنفال: 12] . {وَلَن تُغۡنِيَ عَنكُمۡ فِئَتُكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَوۡ كَثُرَتۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} [الأنفال: 19] 
    6. جوار الشيطان {وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ } [الأنفال: 48] يقابله: {فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَىٰكُمۡۚ نِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ 40} [الأنفال: 40] {وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} [الأنفال: 49] {وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ} [الأنفال: 62] .
    7. تخطيط الكفار يقابله: {ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيۡدِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} [الأنفال: 18] {وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوٓاْۚ إِنَّهُمۡ لَا يُعۡجِزُونَ } [الأنفال: 59] 
    8. إنفاق الكفار غير المنتج {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ } [الأنفال: 36] يقابله إنفاق المؤمنين المثمر لا محالة: {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} [الأنفال: 60] 
    9. خديعة الكفار {ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 56]  يقابلها وفاء المؤمن {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡخَآئِنِينَ} [الأنفال: 58] {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدۡ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبۡلُ فَأَمۡكَنَ مِنۡهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الأنفال: 71] 
    10. ولاء الكفار لبعضهم يقابلون ولاء المؤمنين لبعضهم: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٞ كَبِيرٞ} [الأنفال: 73].

    6- الأخذ بالأسباب بعد التوكل

    1.  التقوى وإصلاح ذات البين {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ} [الأنفال: 1] 
    2. الثبات في المواجهة وعدم الفرار من الزحف {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ} [الأنفال: 15] 
    3. الأخذ بالمثبتات التربوية من طاعة لله، وثبات في الموقف، وصلة قوية الله تعالى، وتوبة إليه، والتزام الأوامر الإدارية، ووحدة الصف، والصبر والتحمل، والإخلاص لله تعالى، وإرادة نصرة دينه ومنهجه وشريعته {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْوَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ } [الأنفال: 45-46].
    4. الحذر من حال الكفار ومن التشبه بهم في المقاصد والغاية أو في الوسائل والمظاهر: {وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} [الأنفال: 47] 
    5. الأخذ بالمثبتات المادية من تخويف من يفكر في الخيانة بقوة الرد على الخائن الفعلي: {فَإِمَّا تَثۡقَفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡحَرۡبِ فَشَرِّدۡ بِهِم مَّنۡ خَلۡفَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 57] .
    6. إعداد الوسائل المادية المعينة على الحرب بحسب الطاقة والجهد، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ} [الأنفال: 60] 
    7. ترغيب المسلمين في القتال، وبيان فضله وفائدته وضرورته لهم { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ } [الأنفال: 65] 

    7- إدراك أسباب الصراع وغاياته ومراميه

    1. وأول ذلك إدراك أن أسباب عقوبة الكفار ليست سوى كفرهم وحربهم {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۚ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} [الأنفال: 13] 
    2. إدراك مستوى بذل الكفار في الصد عن سبيل الله، ما يحتم ضرورة بذل مقابل وسعي مقابل {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ} [الأنفال: 36] 
    3. إدراك أن العداء ليس شخصيا، وإنما هو عقدي، سببه كفره وعدوانهم فمتى رجعوا عن الكفر عفا الله عنهم وغفر لهم ولازم ذلك انتهاء الصراع لا محالة {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِن يَنتَهُواْ يُغۡفَرۡ لَهُم مَّا قَدۡ سَلَفَ وَإِن يَعُودُواْ فَقَدۡ مَضَتۡ سُنَّتُ ٱلۡأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38] 
    4. أن من أسباب هذا الصراع أيضا كثرة الخيانات والغدر من هؤلاء {ٱلَّذِينَ عَٰهَدتَّ مِنۡهُمۡ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهۡدَهُمۡ فِي كُلِّ مَرَّةٖ وَهُمۡ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 56]  
    5. أن غاية الصراع ليس قتل الكفار ولا إفناؤهم فالله قادر على ذلك ولكن الهدف هو إعلاء كلمة الله ودحض علو الكفار على المؤمنين ومنع فتنتهم في الدين {وَقَٰتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ * وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوۡلَىٰكُمۡۚ نِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِيرُ } [الأنفال: 39-40] 
    6. ولأن غاية الصراع ليست الإفناء وإنما الردع والزجر يتوقف الصراع عند وجود الظروف المناسبة التي يركن فيها الكفار للسلم ما لم يكن ذلك حساب المسلمين {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} [الأنفال: 61] 
    7. أن سنة الله في خلقه أن من حاد الله ورسوله مصيره الهلاك والدمار لا محالة {كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيّٞ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} [الأنفال: 52] {كَدَأۡبِ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَغۡرَقۡنَآ ءَالَ فِرۡعَوۡنَۚ وَكُلّٞ كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} [الأنفال: 54] 

    خاتمة

    إن سورة الأنفال وإن كانت قد ختمت بقضية الولاء وبيان درجاته بين المؤمنين والكافرين من جهة، وبين المهاجرين وغير المهاجرين من جهة فإنها أيضا تصلح أن تكون سورة ليست ذات ختام لتعلقها بما يأتي بعدها في سورة التوبة، وهو امتداد لخاتمها حيث واصلت التوبة في بيان أصناف الناس، فكانت بذلك كالكمال لسورة الأنفال، وقد روي ما يدل على أن  الصحابة رضي الله عنهم تنبهوا لهذا المعنى([2]). والله أعلم وأحكم وصلى الله على محمد وسلم.