يرجع تأسيس دولة الأئمة في منطقة فوتا تور الي منتصف القرن الخامس عشر ميلادي، و إن كانت الجذور الإسلامية بالمنقطة ترجع الي اقدم من ذلك.فالديانة الغالبة لأهل المنطقة قبل بزوغ فجر الإسلام كانت هي الوثنية، كما يتضح من الدراسات البحثية المتعلقة بتاريخ مملكة تكرور التي تعتبر فوتا تورو وريثتها.
رغم الهزات و النكسات التي تعرض لها الوجود الاسلامي الطلائعي بشمال افريقيا، استطاع الإسلام التغلغل ليعبر الصحراء قبل انصرام القرن الأول كما تؤكد ذلك شواهد تاريخية عدة، فهناك رواية تاريخية قوية تقول بأن معاوية ابن سفيان(رضي الله عنهما) قد أرسل بعثة عسكرية الي المنطقة و استطاعت التغلغل فيها.
جذور العلاقة بالإسلام
كما يمكن الإستدلال بتلك الروايات المتواترة حول وجود الإسلام بقوة في عاصمة غانا مع العلم أن امبراطوية غانا سقطت سنة 1240 ميلادي بعد أن بدأ المرابطون يغزونها منذ عام 1052 الميلادي، و تحدثت الروايات التاريخية بوجود حي خاص بالمسلمين و عدد من الجوامع و مستشارين مسلمين في بلاط الإمبراطور.
و شكل النصف الأول من القرن الرابع الهجري نقطة انطلاق لمرحلة ازدهار الإسلام في منطقة فوتا تورو، و ذلك عندما تحولت حركة اسلمة الشعوب التي كانت تسكن و تحولت القيادة السياسية إلي دعاة و مجاهدين يتحمسون لنشر الإسلام و مبادئه. و سرعان ما اعتنق بعض الملوك و الأمراء الإسلام على أيدي التجار و العلماء المتجولين الذين قاموا بدور المساعدين داخل البلاد.
و تقع الحدود الجغرافية لدولة الأئمة في شمال السنغال بمحاذاة الضفة اليسري من نهر السنغال، لكن امتداد اشعائها العلمي وصل إلي المناطق الجنوبية من موريتانيا المحاذية للنهر بفعل التداخل الاجتماعي و الثقافي بين المكونات السكانية في المنطقة.
خصائص الحكم
من الإنجازات الكبيرة التي تركت أثرا في الحياة السياسية للدولة احترام آلية اختيار الإمام التي وضعها الإمام سليمان بال مؤسس الدولة ، إذ طالب السكان الالتزام باختيار الإمام المقبل على أساس معاير شورية ، فلم يكتفي بوضع شروط الاختيار و اعتماد البيعة صيغة للتنصيب، و إنما اتبع المنهج الذي وضعه الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب للخلافة من خلال حصر اختيار خلفائه في مجموعة من القيادات، من بينهم الأمير عبد القادر كن، الذي آلت إليه الخلافة لاحقا .
فرفض أن تكون الخلافة ملكا عضوضا يتوارثه الأبناء عن الآباء، و حذر من اختيار الأمراء الذين يجمعون المال و لا يهتمون بشأن الرعية، و طالب بعدم ترك الملك في قبيلة خاصة “لئلا يدعوه ورثة بل ملكوا لكل مستحق و ولوا مكانه غيره من أهل العلم و العمل من إي القبائل كان. ”.، حسب وصيته.
و تميزت الدولة الإسلامية بفوتا تورو بانتشار العدل و المساواة بين الناس و اقامة الأمن، و كان الأمراء يقيمون الحدود الشرعية ، كما قاموا بتشيد المساجد التي تؤدي فيها صلاة الجمعة في جميع أنحاء الدولة و تشجيع حركة التعليم، حيث كانوا يقفون خلف دعم المدارس القرآنية و طلبة العلم.
و كما حاربت الدولة بيع الرقيق، و بعث أمراؤها برسائل قوية إلي الفرنسيين الذين كانوا يمتهنون تجارة الرقيق، و من أشهر المراسلات في هذا المقام رسالة الأمير عبد القادر كن للمفوض التجاري الفرنسي في مدينة اندر، و التي يقول فيها:” نحن نحذركم بأن كل أولئك الذين سيأتون إلينا من اجل ممارسة الرقيق سيقتلون، و كذلك الحال إذا لم تعيدوا إلينا أبنائنا الذين في أيديكم، نحن لا نريد إطلاقا أن تشتروا المسلمين لا من قريب و لا من بعيد”.