بدأت وزارة الصحة الماليزية في عام 2006 تقديم الطب التقليدي والتكميلي في المستشفيات العامة، بدءاً من التدليك الماليزي التقليدي، والوخز بالإبر، والعلاج بالأعشاب للسرطان، وعلاج الأيورفيدا “علم الحياة” .
وفي الوقت الذي تعترف فيه السياسة الوطنية بممارسة الطب التقليدي (الشعبي) أو التكميلي، نجد أن العلاج الروحي الإسلامي المتألف في معظمه من قراءة الكتب والأدعية الإسلامية لم يجد بعد قبولاً رسميا بالرغم من مطالبات بعض الأطباء النفسيين والخبراء الدينيين بضمه إلى وسائل العلاج الحديثة. المعضلة الأساسية التي تقف أمام هذا النوع من العلاج تكمن في عدم توفر أدلة علمية تجريبية.
وقالت البروفسور داتوك عزيزان باردين، المدير العام لمعهد التفاهم الإسلامي في ماليزيا (إيكيم): “يجب أن يثبت العلاج النفسي – الروحي الإسلامي – القدرة على المساعدة في إعادة تأهيل الاضطراب العاطفي والقلق والاكتئاب”.
وأضافت باردين “يجب أن تثبت الممارسة أنها قادرة ايضاً على المساعدة فى حل اضطراب الذهان والاضطراب الشخصي والمشكلات المتعلقة بالشذوذ الجنسي”.
وأدلت داتوك باردين بهذه التصريحات أثناء مشاركتها في مؤتمر نظمه معهد التفاهم الإسلامي بماليزيا حول هذا الموضوع، وضم عشرات الخبراء فمن مختلف المجالات العلمية والروحية، من أجل تطوير نظرية علمية متماسكة تسعى لتقديم العلاج الروحي ضمن آليات الصحة النفسية.
وكان من بين المتحدثين طبيبان نفسيان شرعا في استخدام العلاج كوسيلة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة وإعادة تأهيل متعاطي المخدرات.
وقالت الدكتور رفيدة بحاري من جامعة (سيبيرجايا) للعلوم الطبية، التي تجري بحثها حول اضطرابات ما بعد الصدمة “إني على ثقة من أن هذا العلاج النفسي – الروحي الإسلامي – له مكانته، ليس فقط في ماليزيا ولكن في جميع أنحاء العالم، ولكن من أجل ذلك نحن بحاجة إلى أن يكون أكثر علمية “.
الرقية للشفاء
يقع مفهوم يسمى “الرُقية” في قلب العلاج النفسي – الروحي الإسلامي- ويستند على الرأي القائل بأن سبب الأمراض الجن وغيرها من الكائنات الخارقة، وأن تلاوة بعض الأدعية الإسلامية يمكن لها أن تشفي بإذن الله تعالى.
وتنقسم هذه الممارسة إلى فئتين ، فئة متوافقة مع الشريعة الإسلامية وفئة أخرى تخلط الممارسات الوثنية القديمة مع التعاليم الإسلامية. المعالجون المعاصرون ميزوا أنفسهم بإتباع الوسائل الموافقة مع الشريعة الإسلامية.
ولكن حتى عندما يكون العلاج وفق الشريعة، تبدو هذه الممارسة خيالية لأولئك الذين اعتادوا على الطب القائم على الأدلة العلمية، كما ذكر المعالج محمد فوزي مصطفى في معرض مشاركته بالمؤتمر .
وأضاف فوزي رئيس تحالف المعالجين الإسلاميين الماليزي، إن ما بين 80 و 85 في المائة من المرضى لجأوا للمعالجين لتخليص أنفسهم من الأمراض الروحية مثل “السحر الأسود” و “المس الشيطاني” .
وقدم فوزي قائمة طويلة من الأمراض النفسية والجسدية وادعى أنه يمكن علاجها فقط من خلال العلاج النفسي – الروحي الإسلامي – مثل: القلق، الغضب، الحزن، الخوف، الحسد، الأرق، العجز الجنسي، التسمم، المظهر القبيح، النزيف، ألم الاسنان، فقدان الشهية، وأكد أن هذه ليست سوى عينة من الأمراض التي يمكن علاجها.
وذكر فوزي أن قصة مريض بالسرطان في مرحلته الرابعة شفي تماما بعد “الرقية” إلى حد أنه أوقف العلاج الذي كان يتلقاه من الطبيب بعد أن “شُفي من السرطان”.
والجدير بالذكر أن المرحلة الرابعة تعني انتشار السرطان إلى أعضاء أو أجزاء حيوية من الجسم، وأن فرص الشفاء في هذه المرحلة غالباً ما تكون ضئيلة وتتطلب العلاج الإشعاعي والكيميائي بصورة واسعة النطاق.
ويضيف فوزي “هناك جوانب متعددة للشفاء حتى لو لم يتعاف المريض من المرض الذي يعانى منه، على الأقل فإنه سوف يشعر بالارتياح .. وهذا في حد ذاته شفاء”.
الافتقار إلى الصلاحية والموثوقية
اعترف الدكتور زول أزلين رازالي، وهو طبيب نفسي من جامعة (سينز) إلإسلامية فى ماليزيا، أن هناك قلق ليس فقط من الناحية الصحية، ولكن أيضا من الثقة في العلاج، بالرغم من حجم الأدبيات العلمية وتقارير بعض الحالات حول هذا الموضوع.
وقال الدكتور زول أزلين مُعلقاً عن العلاج النفسي – الروحي الإسلامي – “قد يقوم أحد الباحثين بصياغة نموذج للعلاج، ولكن هناك قسم لا يرغب في تطبيق هذا النموذج واختباره مع مجموعة أخرى … ليس لدينا تجارب عشوائية ذات شواهد.
وأشار الدكتور زول أزلين أثناء مشاركته في المؤتمر بورقة “علم النفس القائم على أساس تجريبي” في عام 2011، إلى أن البحوث النفسية المنهجية والصارمة والمتعلقة بالمسلمين بشكل خاص كانت متفرقة.
وأضاف أزلين “لم أجد أي بحث يصلح الاستناد عليه كما أنها لاتحظى بالثقة على الأقل حتى الآن، وهذا يعتمد على ملاحظاتي. ومع ذلك، ما زال العمل مستمرا في إيجاد إثبات علمي للعلاج النفسي الروحي الإسلامي”.
وقال الدكتور رشدي عبد الرشيد من مركز علوم الإدمان في جامعة (مالايا) ، والذي يستخدم العلاج لتكملة العلاج بـ “الميثادون” لعلاج ضحايا تعاطي المخدرات، إنه بدأ بالفعل في تجارب عشوائية ذات شواهد.
واعترفت الدكتورة رفيدة بأن علاجها المقترح لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة لم يمر بنفس الفحص، كما أعربت عن أملها في أن تمنح منحة لمثل هذه التجارب.
الخطاب الأكاديمي حول العلاج الإسلامي ليس بجديد، حيث عقدت جامعة (كيبانغسان) فى ماليزيا في نوفمبر 2014، ندوة حول الكائنات الروحية والسحر الأسود. وفى وقت سابق من فبراير الماضي، كان من المقرر أن تستضيف جامعة (سينز) في ماليزيا ندوة حول حول “خوارق الطبيعة والتسمم” قبل أن تلغى.
وأعلنت جامعة (ماليزيا باهانج) في مايو 2015 عن تعزيز وصفة مضادة للهستيريا. وكان الدكتور ماهي الدين إسماعيل، مدير المركز المسؤول عن هذه الوصفة، من بين الحاضرين في مؤتمر معهد التفاهم الإسلامي.
وتعتبر عزيزان باردين المؤتمر نقطة انطلاق لصياغة هيئة أو وكالة على المستوى الاتحادي لمواصلة تطوير هذا المجال، وحتى يتحول كعلاج “يجب أن ينظر إليه علميا، وأن يكون هناك مزيد من البحث العلمي ليصبح خط الأساس في السياسات والممارسات النفسية الروحانية الإسلامية”.
وختمت باردين كلمتها “من المهم التوصل إلى تعريف إجراءات العمل القياسية وفقا للرؤية والثقافة المحلية”.